اندلاع حرب اقتصادية «باردة» بين الفلسطينيين والإسرائيليين

الفلسطينيون قاطعوا منتجات المستوطنات الإسرائيلية.. والمستوطنون يطالبون حكومتهم بالرد ماليا وسياسيا

TT

جال عشرات الآلاف من الشبان الفلسطينيين المتطوعين، أمس الضفة الغربية طولا وعرضا، من بيت إلى بيت في حملة توعية شعبية لتعزيز مفهوم مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية. وانطلقت الحملة التي تستمر 7 أيام بعد أسبوعين من توقيع الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوما لتجريم تداول أو تسويق منتجات المستوطنات في الأسواق الفلسطينية.

وزادت الحملة من التوتر بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وفتحت الأبواب لحرب اقتصادية بين الطرفين.

وطرق المتطوعون الفلسطينيون، الذين ارتدوا قمصانا بيضاء كتب عليها «لا تدخل المستوطنات إلى بيتك»، عشرات الآلاف من المنازل في مدن الضفة من أجل حث المواطنين على مقاطعة بضائع المستوطنات.

وسلم المتطوعون كل أسرة رزمة تتضمن دليلا حول أكثر من 500 سلعة تنتج في المستوطنات مرفقة بدعوة لمقاطعتها، وطلب هؤلاء من المواطنين التوقيع على وثيقة الكرامة. وقال محمد لطفي، منسق الحملة في مدينة بيت لحم، لـ«الشرق الأوسط: «نريد تعزيز مفهوم المقاطعة عند الفلسطينيين».

وأوضح لطفي أن التوجه الشعبي هو مقاطعة كل البضائع الإسرائيلية وليس فقط مقاطعة بضائع المستوطنات. وأضاف: «وجدنا الغالبية تسألنا: ولماذا فقط بضائع المستوطنات؟ لماذا لا نقاطع كل البضائع الإسرائيلية؟».

وتكبل اتفاقية باريس أيدي السلطة في هذه المسألة. وأعلنت السلطة رسميا أنها تقاطع بضائع المستوطنات فقط، وليس البضائع القادمة من داخل إسرائيل، غير أن لطفي عقب قائلا: «أنا مواطن ولم أوقع على اتفاقية باريس، وسأقاطع مثل شعبي جميع البضائع الإسرائيلية».

ووقع آلاف الفلسطينيين على وثيقة الكرامة التي تؤكد على الرغبة في التخلص من المستوطنات وبضائعها وتبعاتها. وقال لطفي: «الناس باتوا يعرفون أن شراء بضائع المستوطنات دعم مباشر لاحتلال الأرض. التجاوب كبير وغير مسبوق ومفاجئ».

ودعمت السلطة الفلسطينية الحملة الشعبية، ويراقب رجال الجمارك الفلسطينيون على مدار الساعة، معظم الشاحنات التي تدخل المدن الفلسطينية. وخلال أسابيع مضت، أحرق هؤلاء أطنانا من بضائع المستوطنات.

وفرضت السلطة غرامة مالية على كل تاجر فلسطينيي، يتعاطى مع منتجات المستوطنات، تصل إلى 15 ألف دولار، بالإضافة إلى سجنه فترة تتراوح بين سنتين إلى 5 سنوات. وقال وزير الاقتصاد حسن أبو لبدة، إن حملة مقاطعة منتجات المستوطنات: «محاولة جادة للانسجام بين الموقف السياسي الفلسطيني والممارسة على الأرض واستجابة مباشرة للقرار السياسي والأممي بأن المستوطنات غير شرعية وكل ما يتم فيها من نشاطات غير شرعي». واعتبر أبو لبدة «أن استمرار الاستيطان يشكل خطرا ليس فقط على الشعب الفلسطيني وقضيته، وإنما على مستقبل السلام في المنطقة برمتها بما في ذلك مصلحة الإسرائيليين أنفسهم». وتستهلك السوق الفلسطينية ما يزيد على 200 مليون دولار سنويا من بضائع المستوطنات، وقال أبو لبدة إن المنتج المحلي يجب أن يحل مكان هذه البضائع.

واختار الفلسطينيون إطلاق الحملة من منازل قتلى وجرحى وأسرى فلسطينيين، تعبيرا عن بعدها الوطني والسياسي.

وفي القدس التي تسيطر عليها إسرائيل تماما، أطلق الفلسطينيون حملة أيضا، وقال محافظ المدينة، عدنان الحسيني، في مؤتمر صحافي، إن الاستيطان غير مقبول عالميا، مطالبا الدول الغربية بمقاطعة هذه المستوطنات.

ووصف الحسيني ما يجري بأنه «حرب اقتصادية»، وقال إن الفلسطينيين قادرون على خوضها حتى النهاية، غير أن هذه الحرب التي بدأها الفلسطينيون على جبهة المستوطنات، قد تفتح حروبا أخرى.

وجن جنون مجلس المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وتضررت مصانع إسرائيلية كثيرة في المستوطنات، واعتبر المجلس قرار السلطة الفلسطينية بمنع تسويق منتجات المستوطنات في المناطق الفلسطينية «إرهابا اقتصاديا».

وأكد المجلس في بيان أن الحملة الجديدة التي أعلنتها السلطة بمنع منتجات المستوطنات «تتطلب الرد فورا وبصورة حاسمة على هذه الحملة مثلما يجري الرد على أي عمل عدائي آخر».

ودعا مجلس المستوطنات إلى «استخدام الأموال العائدة للسلطة الفلسطينية»، والتي تجبيها إسرائيل عن البضائع المستوردة للمناطق الفلسطينية، من أجل تعويض المصانع والمعامل المقامة بمستوطنات الضفة الغربية، لكونها «تعاني قرار المقاطعة الفلسطيني الأخير».

ولم يقتصر طلب المستوطنين على مصادرة الأموال فقط، وإنما دعوا رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى الامتناع عن لقاء قادة السلطة الفلسطينية، ورئيس الحكومة سلام فياض، الذي وصفوه بأنه يمارس «الإرهاب الاقتصادي» في دعوته إلى فرض مقاطعة شاملة على بضائع المستوطنات.

ودعا المجلس الحكومة الإسرائيلية، كذلك إلى «الامتناع عن السماح للفلسطينيين بالاستيراد أو التصدير عبر الموانئ الإسرائيلية البحرية والبرية حتى يتم إلغاء قرار المقاطعة هذا».

وكانت إسرائيل قد اتهمت أبو مازن وفياض بممارسة التحريض ضد إسرائيل بعد قرارهما مقاطعة بضائع المستوطنات. وهدد داني أيالون، نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، في وقت سابق السلطة من أن استمرارها في مقاطعة بضائع المستوطنات سيمس التقدم في المفاوضات غير المباشرة. وبحثت لجنة الاقتصاد البرلمانية في الكنيست سبل الرد على قرار السلطة الفلسطينية. وهاجم أمس رئيس اتحاد الصناعة الإسرائيلي، شراغا بروش، السلطة الفلسطينية، وقال للإذاعة الإسرائيلية، إن هذه الحملة لا تضر إلا الفلسطينيين أنفسهم، لأن المصانع في المستوطنات تشغل الآلاف من العمال الفلسطينيين.

وأضاف: «إن هؤلاء العمال وعددهم 23 ألفا سيفقدون عملهم ولن يتمكنوا من إيجاد فرص عمل جديدة بالشروط نفسها التي كانوا يتمتعون بها في المصانع الإسرائيلية».