في الشمال الأفغاني.. أمراء الحرب السابقون يوفرون الأمن والأمان

عطا محمد نور قائد المجاهدين السابق فرض سيطرته وجذب دعم الجهات المانحة

عطا محمد نور قائد المجاهدين السابق (نيويورك تايمز)
TT

في بلد تعصف به الحروب، ربما تمثل الأسر التي تتنزه حول الضريح ذي القبة الزرقاء الكائن بالميدان الرئيسي في مزار شريف، المؤشر الأوضح على أن هذه المدينة الشمالية تعتبر نفسها واحدة من أكثر المناطق أمنا في البلاد. وقد زار ما يقدر بمليون شخص مزار شريف للاحتفال بالعام الأفغاني الجديد في مارس (آذار) والأسابيع اللاحقة من دون وقوع حوادث. ولا شك في أن من العوامل التي ساعدت على ذلك وقوع مزار شريف وإقليم بلخ المحيط به على مسافة بعيدة للغاية عن الحدود الباكستانية ومعقل حركة التمرد التي تشنها طالبان في جنوب وشرق أفغانستان. إلا أن هناك عاملا آخر يميز مزار شريف حسبما يكاد يتفق الجميع هنا، وهو نمط قيادة عطا محمد نور، الحاكم الإقليمي.

ينظر البعض إلى نور، 46 عاما، قائد المجاهدين السابق الذي ينتمي إلى عرق الطاجيك، على أنه أمير حرب متخفٍّ لا يزال يمارس قدرا غير مناسب من السيطرة عبر كثير من مناطق الشمال الأفغاني، وأنه استغل نفوذه في تعزيز ثروته عبر عقد صفقات تجارية خلال فترة توليه السلطة منذ 2001. بيد أنه ما من شك في أن نور نجح في ما فشل الرئيس حميد كرزاي في تحقيقه في أجزاء أخرى من البلاد، وهو تحقيق التنمية والأمن، مع التمتع بقدر مناسب من المساندة العامة، داخل مناطق تعصف بها انقسامات وعداءات عرقية وسياسية. وعن هذا الإنجاز، تمكن نور ببطء من اجتذاب اهتمام ودعم الجهات الغربية المانحة وبات أشبه بدراسة حالة لنمط الحكم، الذي على الرغم من كل ما يحمله من أوجه قصور، فإنه يثمر نتائج إيجابية داخل أفغانستان. منذ عام 2001، حاول مسؤولون من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى تعزيز الحكومة المركزية بقيادة كرزاي كسبيل لتأمين أفغانستان من خلال إلحاق الضعف بأمراء الحرب الأقوياء المحليين وجلب عائدات ضخمة من الجمارك إلى خزينة الدولة. من جانبه، عمد كرزاي إلى تعيين حلفائه السياسيين كحكام في مختلف أرجاء البلاد. إلا أن كثيرين منهم أخفقوا في توفير الأمن أو الخدمات وتورطوا في الفساد؛ الأمر الذي أثار سخط الأفغان تجاه الحكومة على المستويات كافة. من ناحية أخرى، يقول أنصار نور إنه نجح في قيادة الإقليم الذي يترأسه والانتقال من سيطرة المقاتلين الملتحين من أعضاء العصابات المسلحة إلى مسؤولي إدارة أشبه برجال الأعمال. وعلى الرغم من أن كثيرين يفترضون أنه استغل منصبه في جني المال، يكيل نور انتقادات علنية للفساد، ومن الواضح أنه كبح جماحه بدرجة بدت كافية جعلته يحتفظ بالتأييد الشعبي له. وأسهم هذا التأييد بدوره في تعزيز الأمن، وسمح الأمن لآخرين بالإثراء، مما يعد أحد الأسباب الرئيسية وراء احتفاظه بالتأييد العام. وبلغ تأييد نور مستوى جعل من المتعذر على الرئيس كرزاي استبداله، حتى بعدما شن نور حملة ضده خلال الانتخابات الرئاسية العام الماضي. يعد نور سياسيا ماهرا، وقد نجح في أن تكون له اليد العليا على بعض كبار خصومه السياسيين، وعزز سلطته داخل الإقليم مع رحيل خصومه لتقلد مناصب في كابل، بمن فيهم عبد الرشيد دوستم، قائد ميليشيا من الأوزبك وحليف كرزاي. خلال مقابلة عقدت داخل مكتبه الفخم، نفى نور إشاعات استحواذه على حصة من جميع الاستثمارات المتدفقة على المنطقة، وقال إنه كون ثروته بصورة قانونية، خاصة أنه يملك مشروعات في مجال النفط وتجارة الأخشاب والأسمدة والبناء، من بين مشروعات أخرى. وأكد نور: «لقد أنجزت كثيرا من الأعمال التجارية، لكن عبر سبل قانونية». في الوقت ذاته، انتقد نور أسلوب إدارة كرزاي للبلاد، متهما إياه بعدم إنجاز خططه الرامية لتنظيم جمع العائدات والحفاظ على النظام والأمن وتنظيم العلاقات بين الحكومة المركزية والأقاليم. كما سخر من جهود كرزاي لمكافحة الفساد، قائلا إن الرئيس ينبغي ألا يعين مسؤولين فاسدين من الأساس. وأضاف أن كرزاي فشل في التحرك في الوقت الذي تفشت فيه حركة التمرد التي تشنها طالبان شمال البلاد في السنوات الأخيرة. وأعرب نور عن اعتقاده في ما يتعلق بحركة التمرد بأنه «إذا لم نحظ بتعاون المواطنين، لن نتمكن من القضاء عليها. يجب خلق اتصالات عميقة بين الشعب والحكومة. ولو كان المسؤولون لا يمارسون الاختلاس ولا يتقاضون رشى، قطعا سيثق الناس في الحكومة». من ناحية أخرى، فإنه حتى للمتشككين في نور، من الصعب تجاهل نجاح توجهه في مزار شريف. وعلى الرغم من أن المتمردين لا يزالون نشطين في مقاطعتين بالإقليم، فإن هذه المدينة تحولت إلى ملاذ آمن للاستثمار، وإلى واحد من أكبر مصادر الدخل في البلاد، طبقا لما أعلنته وزارة المالية. وترجع القيادات الإقليمية ورجال الأعمال تحسن أوضاع الأمن هنا إلى مهارة نور في الإبقاء على علاقات اجتماعية طيبة ومعرفته العميقة بالشبكة القبلية المعقدة في المنطقة، الأمر الذي اكتسبه خلال السنوات التي عمل خلالها قائدا عسكريا في الشمال. يذكر أن نور انضم إلى المجاهدين في قتال الاحتلال السوفياتي وهو في الـ16 من عمره، وقاد مئات المقاتلين ضد طالبان بحلول عام 2001. واليوم، لا يزال محتفظا باتصالات شخصية مع قيادات المجاهدين القبليين والسابقين الذين يتعاونون معه ويمدونه بمعلومات استخباراتية، حسبما ذكر قاري قدرة الله، أحد مساعديه. في هذا الصدد، قال نادر نادري، نائب رئيس المفوضية الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان إن نور، الذي ينتمي في الأصل لمزار شريف، يعلم الجميع، بما في ذلك اللصوص وأفراد العصابات الإجرامية. وأضاف أنه في الوقت الذي يوفر فيه نور الحماية لبعضهم، فإنه نجح في كسب شعبية كبيرة من خلال إلقاء القبض على لصوص وإعادة مسروقات لأصحابها.

* خدمة «نيويورك تايمز»