«جميلة أميركا» تسعد أهلها في لبنان وترعب متشددي الولايات المتحدة

حزب الله معلقا على تتويج ريما فقيه: لدينا وجهة نظر مختلفة حول كيفية تقديم المرأة كقيمة إنسانية

ريما فقيه
TT

لم تكن ريما فقيه ابنة بلدة صريفا في الجنوب اللبناني أن تنزل عن مسرح لاس فيغاس حيث توجت ملكة لجمال الولايات المتحدة، حتى بدأت الطلقات تطالها من كل صوب. فبعض وسائل الإعلام الأميركية والإسرائيلية تسابقت لنقل خبر مفاده أن «مسلمة انتزعت تاج الجمال الأول في الولايات المتحدة، لتثبت فكرة أن الأجواء والمناخات الإسلامية بدأت تسيطر على البلاد منذ فوز باراك أوباما بالرئاسة قبل عام».

وبينما انضم أكثر من 6 آلاف مستخدم لموقع «فيسبوك» إلى صفحة خاصة بفقيه خلال 24 ساعة من تتويجها، انشغل المعلقون من اليمين المتطرف في الولايات المتحدة بانتقاد تتويج فقيه، بزعم أنها «داعمة لحزب الله» ومن «سلالة شهداء» هذا الحزب. والحملات التي تشن على ريما (24 عاما) لم تتوقف عند «إسلامها» بل طالت جذورها العائلية.

وانتقدت المعلقة الأميركية ديبي شلوسل المعروفة بمواقفها المنتقدة للعرب والمسلمين في موقعها الإلكتروني، منظمي حفل تتويج ملكة جمال الولايات المتحدة، أي المليونير دونولد ترامب وقناة «إن بي سي». وقالت شلوسل: «ترامب وأتباعه لا يبالون ولا يهمهم أن يطلبوا من ملكة جمال الولايات المتحدة إدانة المجموعة الإرهابية الإسلامية وحزب الله». وتدعي شلوسل وغيرها من الكتاب الأميركيين أن أقارب فقيه أعضاء بارزون في حزب الله وبدأوا ينشرون أسماء شخصيات يقولون إنها تابعة لحزب الله وتمتد بصلة قرابة إلى فقيه.

وتعد ديبي شلوسل، وهي كاتبة في صحيفة «نيويورك بوست» وفي صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية الناطقة بالإنجليزية، من أبرز النشطاء في الحملة التي تدار ضد اختيار فقيه ملكة لجمال الولايات المتحدة.

وكانت شلوسل قد بدأت هذه الحملة منذ انتخاب ريما فقيه ملكة جمال ولاية ميشيغان، وصعدت منها قبل التصفيات النهائية التي جرت هذا الأسبوع. فقد ادعت أن مسؤولين أمنيين كبارا في الولايات المتحدة قالوا لها إن فقيه من عائلة معروفة في الجنوب اللبناني بالانتماء السياسي لحزب الله، وإن 3 منها قادة بارزون في حزب الله وإن 8 من أفراد العائلة على الأقل قتلوا خلال الحرب الأخيرة في لبنان لاشتراكهم في القتال ضد إسرائيل.

وكتبت شلوسل: «لا تسمحوا للباس الذي ترتديه فقيه أن يضللكم. صحيح أنها لا ترتدي الحجاب، لكنها تستخدم مسابقة ملكات الجمال للترويج للإرهاب الإسلامي». وفي مقال آخر قالت إن تحقيقاتها أسفرت عن اكتشاف نشاط سياسي إسلامي لريما فقيه يتضح منه أنها كانت قد شاركت في ندوة مع قادة من حزب الله «للدفاع عن مفاهيم قمع المرأة في الإسلام». وادعت شلوسل أن من يقف وراء فقيه مشجعا على هذه المسابقة ينشط في مجال مكافحة العنصرية في ميشيغان، وهو من مواليد أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وكان معروفا كناشط بارز في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

ونشرت مواقع أخرى صورا للملكة الجديدة وإلى جانبها علم حزب الله الأصفر والأخضر. إلا أن معلقين آخرين دافعوا عن ريما فقيه. وأكد موقع «بوليتيكس ديلي» في خبر بعنوان «ملكة جمال الولايات المتحدة: إرهابية بالبيكيني؟»، أن «الدفاع عن النفس من تهمة التطرف لا يجب أن يكون جزءا من عمل» حاملة اللقب الجديدة.

كذلك، قال موقع إلكتروني يميني آخر في أميركا، يدعى «ديلي غيتر»، إن فوز فقيه: «يوم حزين لأميركا ولكنه يوم متوقع مع الجو المجامل للإسلاميين الذي نعاني منه». وأضاف الموقع أن لدى فقيه «روابط متطرفة وخطيرة»، معتبرا أن مشاركة فقيه في المسابقة غطاء لميولها «المتطرفة».

بدورها، قالت مجموعة تسمي نفسها «مدافعون عن الجمهورية» الأميركية إن فقيه تدعم حزب الله وإن ذلك يهدد الولايات المتحدة. واعتبر المعلق اليميني دانيال بايبس أن اختيار فقيه ينصب باتجاه إعطاء الأفضلية لفقيه ضمن جهود تمكين النساء المسلمات أو العربيات، وليس بالضرورة بسبب استحقاق فقيه له.

ولم تكن ردود الفعل السلبية بنفس الدرجة في إسرائيل. فقد استقبل الإسرائيليون نبأ فوز فقيه بشكل إيجابي عموما، بل إن مذيعي التلفزيونات الإسرائيلية امتدحوا ذكاءها وجمالها. إلا أن وسائل الإعلام نقلت أيضا ما كتبته شلوسل. وفي ردود الفعل على ما ينشر، ربط كثيرون بين انتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة وبين انتخاب فقيه ملكة جمال، على النحو التالي: «ألم نقل لكم باراك حسين..!!» و«من ينتخب أوباما رئيسا، ليس غريبا أن ينتخب ابنة حزب الله ملكة».

وفي لبنان، نالت ريما فقيه الكثير من الاهتمام كونها اللبنانية الثانية التي تتوج في هذا المنصب، فهنأها الرئيس اللبناني ميشال سليمان وتداولت خبر فوزها وسائل الإعلام بكثافة، أما حزب الله فقد دخل أجواء النقاش على طريقته، إذ قال عضو كتلته النيابية حسن فضل الله لدى سؤاله عن الموضوع: «نحن لدينا وجهة نظر مختلفة حول كيفية تقديم المرأة كقيمة إنسانية، وهل نقدمها كجسد أو كقيمة للعالم، نحن بحاجة إلى نقاش حول ماهية المعايير بالنسبة للمرأة، كما أننا نعتبر أن المعايير التي تُقاس بها المرأة عندنا تختلف عن المعايير في الغرب».

أما مصادر حركة أمل ولدى سؤال «الشرق الأوسط» عن صحة القرابة بين فقيه وشهداء الحركة فاكتفت بالقول: «نحن لدينا شهداء، وهم لديهم ملكة جمال. شهداؤنا من عائلة فقيه ومن صريفا والملكة المنتخبة كذلك...».

الفتاة الجنوبية الجميلة تحب «الصبحية» على الطريقة اللبنانية، أي سماع أغاني فيروز صباحا وتعشق «الملوخية»، و«اللبن امو» و«الفتوش». وأكدت شقيقتها رنا فقيه التي تزور صريفا للعمل، لـ«الشرق الأوسط» أن ريما تزور لبنان كل عام وآخر زيارة لها كانت ليلة رأس السنة. ويملك والدا ريما منزلا في منطقة «سوق الغرب» وأنشآ أولادهما على التمسك بجذورهم. ويقول رب العائلة: «من أنكر أصله لا أصل له». وأضافت رنا: «نشأنا في منزل غير متدين. نحن نحيي كل الطقوس والأعياد المسيحية والإسلامية وهذا ما يميّز عائلتنا». ولدى سؤالها عما إذا كانت العائلة، وريما بالتحديد، تدعم حزب الله، قالت: «تربينا على الوطنية ولكننا بعيدون كل البعد عن السياسة ونحن اليوم نرفض الحديث عن هذه المواضيع، لأننا نرفض أن تفسد السياسة ما توصلت إليه ريما كما أفسدت السياسة لبنان وحياة اللبنانيين».

وانشغلت عائلة فقيه في صريفا أمس باستقبال سيل المهنئين والإعلاميين. وتقول عمة ريما، عفيفة فقيه سعيد (62 عاما) وهي تقدم البقلاوة والقهوة للزوار، «رفعت ريما رأسنا، رفعت رأس جنوب لبنان». في المنزل المؤلف من طابقين، صورة كبيرة لريما بعد أن فازت بلقب ملكة جمال ولاية ميشيغان. كما توزعت في أرجاء المنزل الصحف المحلية الصادرة أمس التي حملت كلها صور «بنت صريفا أجمل الأميركيات».

ولا ترى عفيفة، التي ترتدي الحجاب، أي تناقض في ظهور ابنة أخيها بالبيكيني في مسابقة للجمال في بلد يعتبر على نطاق واسع في الجنوب حيث معقل حزب الله، عدوا بسبب دعمه لإسرائيل. وتقول «الغربيون يصفوننا، نحن الشيعة، بالإرهاب والقتل. لكننا في الواقع نحب الحياة والحب والجمال لا سيما جمال النفس».

ولم تتمكن «الشرق الأوسط» من الحديث مع ريما الموجودة في «لاس فيغاس» لأن القائمين على انتخاب ملكة جمال الكون يمسكون الملف الإعلامي للملكة المنتخبة. لكن شقيقها ربيع الذي يتقن تماما كريما ورنا اللغة العربية واللكنة الجنوبية بالتحديد، متيقظ دوما لإجاباته. ولدى سؤاله عن أي علاقة لهم بحزب الله، قال «الموضوع حساس لا نستطيع الحديث عنه. يجب أن نعود للقائمين على انتخابات ملكة جمال الكون أولا».

ريما التي ستكرّس عامها كملكة للتوعية على سرطان الثدي والرحم، تحمل لواء الدفاع عن حقوق المرأة وستسعى جاهدة في هذه السبيل. وتبدو عائلة فقيه واثقة جدا من أن ابنتها السمراء ستحصد قريبا لقب ملكة جمال الكون.