ليمبرت لـ«الشرق الأوسط»: إيران ترى نفسها كضحية.. وإذا تحدثنا فإن السماء لن تنطبق على الأرض

نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية: نقدر حسن نوايا تركيا.. وعلى طهران إرسال الاتفاق لوكالة الطاقة الذرية كي نقيمه

جون ليمبرت
TT

«التقى مصري وإيراني في مناسبة ما، ثم طرح السؤال التالي: أيهما لديه أقدم وأعظم حضارة؟ فرد المصري قائلا: كنا نقوم بأعمال حفر حول الأهرامات ووجدنا أسلاكا، وهذا يوضح أن المصريين القدماء عرفوا الراديو. فكر الإيراني لوهلة ثم قال: «كنا نقوم بأعمال حفرية في برسيبلوس ولم نعثر على أي شيء، وهذا يوضح أن الإيرانيين القدماء عرفوا الاتصالات دون أسلاك (الوير ليس)». بهذه الدعابة بدأ جون ليمبرت نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون إيران حواره لـ«الشرق الأوسط»، متحدثا عن التاريخ والحساسيات والمشاعر والصور الذهنية، والموضوع النووي طبعا، كي يفسر سبب تعقد المشاكل في منطقة الشرق الأوسط وتعقد إيران بالذات، فعلى ظهر التاريخ أحمال ثقيلة وذكريات كثيرة وكل أزمة في المنطقة لا يعود تاريخها إلى 60 عاما (القضية الفلسطينية مثلا) أو 30 عاما (القضية الإيرانية مثلا)، بل إلى آلاف السنين. وعندما يتحدث ليمبرت عن إيران، فهو يتحدث بطريقة خاصة تعكس تكوينه وظروفه، فقد عرف إيران منذ عام 1962 ودرس في جامعاتها (جامعة بهلوي أو جامعة شيراز حاليا) وذلك قبل أن يعمل في الخارجية الأميركية عام 1973 لينقل إلى إيران لاحقا ليكون ضمن طاقم السفارة الأميركية عندما حدثت أزمة الرهائن واعتقل الدبلوماسيون الأميركيون، وهو بينهم لمدة 444 يوما كاملة. كما أن زوجته إيرانية ويتحدث الفارسية بطلاقه وكل كتبه عن إيران وبالتالي هو «متخصص أميركي في إيران لكن بنكهة مختلفة»، فكما يتحدث عن الملف النووي وتخصيب اليورانيوم وعقوبات مجلس الأمن وصعوبة الحوار مع النظام الحاكم في الجمهورية الإيرانية، يتحدث عن الثقافة الإيرانية والمجتمع الإيراني ويستخدم الكثير من الأمثال والحكم الإيرانية، وأحد كتبه الهامة عن الدور الثقافي لمدينة شيراز وحافظ شيرازي في إيران العصور الوسطى. لكن مع كل السنين التي قضاها ليمبرت في إيران فإن السلوك الإيراني ما زال مصدر حيرة بالنسبة له، فهو مثلا يقول لـ«الشرق الأوسط» إنه ما زال من العصي على واشنطن أن تقيم اتفاق التبادل النووي الذي وقعته إيران مع تركيا والبرازيل، موضحا: «الإيرانيون أعلنوا موافقة مبدئية على اتفاق أكتوبر (تشرين الأول)، ثم عادوا وتراجعوا. ثم قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إن الاتفاق يجرح الكرامة الإيرانية. ثم الآن ولسبب ما وافق الإيرانيون على الاتفاق. وكما يقولون في إيران: وصلت أخيرا.. لكن لماذا وصلت الآن بالذات؟ والسؤال الذي نطرحه في واشنطن هو: إذا كان الاتفاق الإيراني - التركي -البرازيلي هو تقريبا نفس الاتفاق النووي الذي اقترحناه منذ 7 أشهر ماضية على الإيرانيين. فالسؤال هو: لماذا أخذ الإيرانيون كل هذا الوقت كي يوافقوا عليه. لماذا الآن؟». ويوضح ليمبرت أن واشنطن «ستعلق التقييم» على الاتفاق النووي إلى أن ترسل طهران الاتفاق إلى وكالة الطاقة الذرية في فيينا بعدها ستدرسه مع كل الأطراف المعنية، ثم سيصدرون حكما حوله. وأعرب ليمبرت عن تقدير واشنطن للدور التركي في الاتفاق، قائلا إن واشنطن واثقة من حسن نواياها، غير أنه شدد على أن هناك الكثير من التفاصيل التي تحتاج إلى إيضاح. وشدد المسؤول الأميركي على أن الإدارة الأميركية لا تتحدث عن تغيير النظام في إيران، موضحا أيضا أن هناك أشخاصا من قلب النظام السياسي الإيراني يرددون ما قاله آية الله الخميني فيما يتعلق بالحوار مع أميركا وهو: لماذا علينا الحوار مع أميركا؟ لماذا يتحاور الذئب مع الحمل؟ الذئب ليس مهتما بالحوار مع الحمل. الذئب يريد أكل الحمل. قائلا: إذا كان هذا هو أساس المنطق الإيراني اليوم فسيكون أمامنا وقت صعب جدا، مضيفا: «عندما تقول أميركا نعم. ويقول الإيرانيون نعم في نفس الوقت لنفس الشيء فإن السماء لن تنطبق على الأرض». وهنا نص الحوار:

* هل فوجئت الولايات المتحدة بالإعلان الإيراني - التركي - البرازيلي عن الاتفاق النووي؟ - لا أعتقد أن الاتفاق جاء كمفاجأة، فالرئيسان التركي والبرازيلي لم يكونا ليذهبا إلى إيران، إذا كان لديهما شك في أنهما سيخرجان خاليي الوفاض. وقد تحدثنا مع الحكومتين التركية والبرازيلية قبل ذلك. وأعتقد أنه كان هناك إدراك في واشنطن أن شيئا ما سيخرج من اللقاءات بينهم. لكن ما لا نعرفه حتى الآن هو: ما هو ذلك الشيء.

* ألم تروا بعد نص للاتفاق أو تفاصيله؟ - أنا رأيت تقارير صحافية. وبحسب معلوماتي فهذا هو الموجود حتى الآن.

* رد الفعل الأميركي الأولي كان متشككا في الاتفاق. فلماذا، والاتفاق تقريبا هو نفس الاتفاق الذي طرحته مجموعة 5 + 1 على إيران في جنيف في أكتوبر الماضي. إنها نفس صفقة التبادل النووي التي دعمتها أميركا سابقا، فلماذا استقبلت بتشكك؟ - أولا ليست لدينا وثيقة رسمية للاتفاق الذي قالت إيران إنها وافقت عليه. لدينا تقارير صحافية، ومع كل الاحترام لزملائنا الصحافيين، إلا أنه قبل أن نتحدث حوله، على إيران أن تتواصل مع وكالة الطاقة الذرية. وتقول: انظروا.. هذه هي اقتراحاتنا. لأنه منذ أكتوبر الماضي كانت هناك مواقف متباينة من قبل عدد من المسؤولين الإيرانيين. مرة يقولون: نقبل بهذا. ومرة يقولون: لا نقبل بذلك. ومن الصعب جدا أن يكون لدي رد فعل تجاه شيء لا أعرفه أو أدرك ماهيته أو عندما لا يكون مطروحا بشكل رسمي. وربما هذا هو «مصدر التشكك»، أو ربما من الأفضل «تعليق التقييم» عليه.

* هل تركيا هي المكان الملائم فنيا لاستضافة اليورانيوم الإيراني أخذا في الاعتبار أنها لا تمتلك برنامجا نوويا بعد؟ - هذا سؤال منطقي. لكن من ناحية أخرى عندما طرحت هذه النقطة بعد الاتفاق الأولي في أكتوبر كنا في أميركا مستعدين للحديث حول أماكن أخرى لتخزين اليورانيوم الإيراني بشرط ألا يكون ذلك داخل إيران. وبحسب ما أعلم فإننا لم نعارض أبدا أن يخزن اليورانيوم الإيراني في تركيا تحت إشراف ورقابة وكالة الطاقة الذرية.

* ماذا عن الدور التركي.. ما رأيكم في دورها في الاتفاق مع طهران؟ - سأشير إلى بيان كل من البيت الأبيض والخارجية الأميركية اللذين أوضحا أن أميركا تقدر جهود تركيا والبرازيل في هذا الملف، ونعتقد أنهم يتحركون بنوايا حسنة كي تلتزم إيران بواجباتها الدولية.

* لكن الإدارة الأميركية انتقدت الاتفاق صراحة وقالت إن لديها تحفظات، مما دفع المسؤولين الأتراك إلى القول: «هذا هو اتفاق التبادل النووي الذي سعيتم إليه مع الإيرانيين في أكتوبر الماضي في جنيف ووافقتم عليه مع دول 5 + 1، فلماذا تشتكون الآن بعدما حصلت أنقرة على الموافقة الإيرانية التي فشلتهم أنتم في الحصول عليها؟».

- دعيني أعود إلى ما قلته سابقا: نحن لا نعرف ما هو ذلك الاتفاق بعد، ولهذا فإننا سنعلق الحكم عليه إلى أن نراه. نريد من إيران أن تتوجه إلى وكالة الطاقة الذرية وتعطيها الاتفاق وتوضح ما هو ذلك الاتفاق تفصيلا. بعد ذلك سنوضح وجهة نظرنا فيه بشكل دقيق ومحدد. قبل أن نرى أي وثيقة رسمية لا يمكننا تحديد رأينا بدقة في الاتفاق.

* عندما ترسل إيران الاتفاق لوكالة الطاقة. فما هي الخطوة الأولى التي تريد أميركا أن ترى طهران تخطوها؟ - لقد قلنا إننا نريد الحوار مع الإيرانيين، وبالتحديد نريد استئناف الاتصالات بين دول 5 + 1 كي نحدد رأيا في الاتفاق النووي.

* هل ما زلتم تدعمون اتفاق التبادل النووي مع إيران (أي اليورانيوم مقابل الوقود النووي). فقد سمعت خبراء يقولون إن صفقة التبادل النووي هي «صفقة سيئة من الأساس بالنسبة لأميركا» لأن الاتفاق يقول إن على إيران أن ترسل 1200 كليوغرام من اليورانيوم المخصب للخارج مقابل حصولها على الوقود النووي، فيما لا ينص الاتفاق على وقف التخصيب على الأراضي الإيرانية. وبعض هؤلاء الخبراء قالوا إنه كان ينبغي على أميركا والغرب «سحب ذلك الاتفاق من على الطاولة منذ أشهر» وأن المشكلة الآن أن أميركا تركت اتفاقا سيئا على الطاولة إلى أن وافق عليه الإيرانيون فجأة ووضعوا أميركا في وضع حرج. - دائما ما أثار اهتمامي الكم الهائل للخبراء في الشأن الإيراني.

* إحدى صديقاتي قالت لي يوما «إيران مكدونالد الجديد» (إيران إز ذي نيو ماكدونالد). دائما تمر عليه في الطريق. - حقا. فجميعنا يتحدث عن وكالة الطاقة الذرية وآلات الطرد المركزي والتخصيب، لكنني لست واحدا من هؤلاء الخبراء (ضاحكا). لكن يجب القول إننا في الإدارة لم نتحدث أبدا عن سحب اتفاق أكتوبر من على الطاولة. طبعا من حق الخبراء أن يتفقوا أو يختلفوا حول إذا ما كان الاتفاق سيئا أو جيدا. لكن من وجهة نظرنا الاتفاق عرض جيد، وكان أملنا أن يستجيب له الإيرانيون بطريقة إيجابية أكثر مما فعلوا.

* عندما تولى الرئيس أوباما الحكم كان من الأهداف التي أعلنها محاولة غلق صفحة الماضي بين إيران وأميركا وبدء صفحة جديدة. كما أنك تحدثت عن آمال مماثلة عندما توليت منصبك كنائب لمساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون إيران. لكن على الرغم من ذلك فإن من ينظر إلى علاقات البلدين يرى أنها ساءت مثلا عما كانت عليه قبل عام. لماذا يبدو من الصعب جدا حدوث تحسن في علاقات البلدين؟ - هذا سؤال جيد. طبعا أنت محقة. فالرئيس أوباما أراد أن يغير هذه العلاقة، حتى أنه قال ذلك خلال حملته الانتخابية وانتقد كثيرا على ذلك، إلا أنه ظل ملتزما بالمبدأ. فلماذا أي شيء متعلق بإيران أصعب مما نتصور؟ ويأخذ وقتا أطول مما نتصور؟ ربما يعود الأمر إلى عدم الثقة والشك بين إيران وأميركا خصوصا وبين إيران والغرب عموما. لدينا 30 عاما من المعاناة والحساسيات والاتهامات المتبادلة بين الطرفين. هذا لا يمكن حله بخطاب واحد أو بمصافحة واحدة أو بزيارة واحدة. هذا سيأخذ بعض الوقت.

* ما هي الخطوة الأولى التي تعتقد أن على إيران اتخاذها من أجل إظهار حسن نيتها للمجتمع الدولي؟ - أولا يجب أن توضح للمجتمع الدولي ما هو بالضبط الذي اتفقت عليه مع الأتراك والبرازيليين. وأن تظهر للمجتمع الدولي رغبتها في احترام الالتزامات الدولية المفروضة عليها. وربما الأهم من وجهة نظري الشخصية هو إطلاق سراح الأميركيين الثلاثة المعتقلين في إيران منذ نحو 9 أشهر.

* هل تعتقد أن التفاوض مع الإيرانيين بالذات صعب لأنهم يعتبرون أنفسهم أقلية ولا يثقون بسهولة في الآخرين؟ - لا أحب ذلك النوع من التعميمات، والكلام عن «شخصية» ذلك البلد أو هذا البلد. أو القول بأن الإيرانيين كلهم على هذه الشاكلة، أو المصريين كلهم على هذه الشاكلة أو الأميركيين بهذه الطباع أو البريطانيين بهذه الطباع. لكن هناك تاريخا من المعاناة والحساسيات، بعضها حقيقي وبعضها نتاج أوهام. وإيران ترى نفسها (وهذه حقيقة ليست متعلقة بالدين حصريا على الرغم من أن الدين قد يكون جزءا منها) لكن إيران ترى نفسها كضحية. إلا أن إيران ليست الدولة الوحيدة التي ترى نفسها كضحية. وهي أمامها خياران: إما أن تواصل ذلك وتعيش في الماضي وتغذي معاناتها وحساسياتها، وإما أن تفعل شيئا بناء وأكثر إيجابية من ذلك. الرئيس أوباما أشار لهذا في آخر رسالة للإيرانيين، في مارس (آذار) الماضي بمناسبة عيد النوروز، قال: انظروا أنتم لديكم حساسيات حيالنا ونحن لدينا حساسيات حيالكم، لكننا يجب أن نتجاوز ذلك.

* ما هو حجم الأهمية التي تعطيها إدارة أوباما للتوصل إلى تسوية بخصوص الملف الإيراني أخذا في الاعتبار أن البعض يعتبر أن تعطل عملية سلام الشرق الأوسط وتلكؤ بعض الأطراف مرتبط بجمود تحقيق تقدم في الملف الإيراني. فهناك آراء أن الملفين مرتبطان وأوباما لا يستطيع دفع الجانب الفلسطيني أو الإسرائيلي نحو المفاوضات، إذا لم يحل الملف الإيراني. هل ترى علاقة بين الملفين؟ - لست واثقا من الصلة. يمكننا دائما أن نجد أسبابا لعدم التقدم. من الواضح أن كل المشكلات في المنطقة تربطها ببعض علاقات ما. لكن إذا قلنا إننا لن نحسن أبدا علاقاتنا مع إيران حتى تحل باقي المشكلات، أو لن نحل ملف السلام إلا إذا تم حل الملف الإيراني. فهذا سيصبح عذرا كي لا نفعل أي شيء.

* البعض داخل إيران يتحدث حول لماذا نتفاوض مع الأميركيين ولماذا نتفق على صفقة التبادل النووي فنحن أقوياء في العراق، والحكومة العراقية الجديدة ستكون أكثر ولاء لإيران منها لأميركا وموقفنا جيد في أفغانستان ولبنان ومناطق أخرى. فما هو ردك؟ - دعيني أعود للجانب الإيراني من هذه الحجة. فهذا سؤال طرحه مشروع. فهناك أشخاص من قلب النظام السياسي الإيراني يرددون ما قاله آية الله الخميني فيما يتعلق بالحوار مع أميركا وهو: لماذا علينا الحوار مع أميركا؟ لماذا يتحاور الذئب مع الحمل؟ الذئب ليس مهتما بالحوار مع الحمل. الذئب يريد أكل الحمل. إذا كان هذا هو أساس المنطق الإيراني اليوم، فسيكون أمامنا وقت صعب جدا فيما يتعلق بالتفاوض. ما أعتقد أنه ينبغي إدراكه هو أن الحوار وفي الخلفية كل هذا التاريخ والعداء والشكوك، سيكون صعبا. وهذه إحدى النقاط التي تتضح من اتفاق أكتوبر الماضي حول صفقة التبادل، ومفادها هو أننا يمكن أن نتوصل إلى اتفاق يفيد الطرفين. وعندما تقول أميركا نعم. ويقول الإيرانيون نعم في نفس الوقت لنفس الشيء فإن السماء لن تنطبق على الأرض.

* لكن هل تعتقد أن أزمة الانتخابات الإيرانية في يونيو (حزيران) الماضي وكل ما نتج عنها من تحولات في الداخل الإيراني أثر على إمكانية الحوار الأميركي - الإيراني. فقبل الانتخابات كان الانطباع أن إيران لديها نظام سياسي نصف ديمقراطي، على أساس أن هناك انتخابات كل 4 سنوات. لكن بعد انتخابات يونيو استخدم النظام الإيراني أساليب شديدة لقمع المعارضين ورأينا قتلى واعتقالات وتعذيبا وخرجت أسماء إصلاحية كبيرة من طهران وقم تقول إن حكومة أحمدي نجاد غير شرعية. فهل أثر ذلك على واشنطن وعلى مساعيكم للتواصل مع حكومة في طهران ليست شرعية في أعين الكثير من الإيرانيين؟ - يجب علينا أن نفعل شيئين في نفس الوقت، وأعتقد أننا نستطيع ذلك، أعتقد أن دبلوماسيتنا جيدة بما يكفي للقيام بالمهمتين. الأولى: نحن نسعى للحوار مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليست حكومة مثالية. لكننا نتحدث مع الكثير من الحكومات حول العالم أقل من مثالية فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان. هذا جانب من الموضوع. الجانب الآخر هو أننا سندافع عن الحقوق العالمية لكل الناس، بما في ذلك الإيرانيون. فكل الناس لديها حق التعبير عن الرأي ومحاسبة حكوماتها والتظاهر سلميا دون تعذيب أو إطلاق نار أو سجن أو تخويف. وأعتقد أن الدبلوماسية الأميركية جيدة ويمكنها إنجاز المهمتين. مرة أخرى الرئيس أوباما أشار لهذا في كلمته في أوسلو لقبول جائزة نوبل للسلام، فعندما قبل جائزة نوبل للسلام تحدث عن الحاجة إلى تحقيق الهدفين في سياساتنا.

* هل لديكم في وزارة الخارجية الأميركية وجهات نظر متباينة فيما يتعلق بالتعامل مع إيران؟ - بالطبع لدينا. لكن الرئيس الأميركي هو الذي يحدد السياسات، وقد قال بوضوح إن أميركا تحتاج للحوار مع إيران، فثلاثون عاما من العداء فترة طويلة جدا ونريد أن تنتهي. فهل سيكون الأمر سهلا؟ الإجابة: لا. هل سيكون الأمر بسيطا ومباشرا؟ لا. هل لدينا وجهات نظر مختلفة؟ بالطبع لدينا. فواشنطن مثل لندن، هناك فاعليات وأنشطة كل يوم في مراكز أبحاث وجامعات ومقالات وطروحات في الصحف حول إيران. هناك أفكار من اليمين إلى الشمال. فهذا موضوع خلافي جدا.

* هل «تغيير النظام الإيراني» أحد مكونات سياساتكم أو استراتيجيتكم حول إيران؟ - لا. الإدارة الأميركية لا تتحدث عن تغيير النظام. فنوع النظام الإيراني مسألة تخص الشعب الإيراني ونأمل في أن تتاح له فرصة اتخاذ القرار فيما يتعلق بالنظام الذي يحكم.

* آخر تقديرات لأجهزة الاستخبارات الأميركية هو أن إيران إذا واصلت التخصيب بالمعدلات الحالية فإنها يمكن أن تطور سلاحا نوويا عام 2015 إذا أرادت. فهل هذا تقديركم اليوم؟ - ليس لدي معلومات خاصة حول تقديرات الاستخبارات. لكن هذا مصدر نقاش واهتمام وقلق. وأحد أسباب القلق هو أن إيران بأفعالها وعدم الالتزام بواجباتها الدولية وتحدي قرارات مجلس الأمن، عززت ذلك القلق، والسؤال عن هدف برنامجها النووي. إيران تقول إنه لدواع سلمية. وأرجو أن يكون هذا هو الحقيقي. تقول إيران إن برنامجها لتوليد الطاقة للاستخدام السلمي، وأتمنى أن يكون هذا حقيقيا. إذا كان ذلك صحيحا، فإن أميركا ستوافق عليه. لكن من الواضح أن الإيرانيين يفعلون شيئا عزز المخاوف والقلق ليس فقط الأميركي، لكن مخاوف المجتمع الدولي أيضا. فأنت لا تعاقب بقرار إدانة من مجلس الأمن الدولي باتفاق دولة واحدة، أنت تعاقب بموافقة الدول الخمس الأعضاء الدائمين، بما في ذلك روسيا والصين. (اتخذ مجلس الأمن 3 قرارات بعقوبات ضد إيران بسبب برنامجها النووي حتى الآن).

* تحدثت وزيرة الخارجية الأميركية قبل نحو أسبوعين عن نزع أسلحة الدمار الشامل من الشرق الأوسط. وقالت إن هدف أميركا النهائي هو نزع أسلحة الدمار الشامل من المنطقة، إلا أن الشروط لتحقيق ذلك ليست على الأرض. فما هي هذه الشروط؟ - لا يتعلق الأمر فقط بالشرق الأوسط، بل بالعالم كله. وقد تحدث الرئيس أوباما عن نزع أسلحة الدمار الشامل والتخلص من الأسلحة النووية على نطاق أوسع. ليس في وسعي حقيقة أن أدخل في تفاصيل ذلك الموضوع، لكن من الواضح من أوضاع منطقة الشرق الأوسط أن هذا لن يحدث سريعا أو بسهولة. تماما مثل هدف تحسين العلاقات الإيرانية - الأميركية، فهذا لن يتحقق بسرعة أو بسهولة، لكن مع ذلك لا يعني ذلك التخلي عن الهدف.

* منذ أشهر لم تسمح إيران للمفتشين الدوليين بزيارة المواقع النووية لديها، كما أن طهران قلصت من وجود الصحافة الدولية على أراضيها، وقيدت على الصحافة المحلية، وهناك شح كبير في الأخبار الواردة من إيران، سواء التطورات الداخلية أو الخلافات بين النخبة الحاكمة وهي كلها عناصر تؤثر على إمكانيات التفاوض بين إيران وأميركا. فكيف تعرفون ماذا يجري في طهران؟ ما هي مصادركم للمعلومات حول إيران؟ - (ضاحكا) هل تريدين أن أعطيك معلوماتنا السرية، لا يمكنني هذا. لكن أنت محقة في صعوبة المعلومات من إيران. وأحد الأسباب هو أنه ليس لدينا وجود دبلوماسي في طهران منذ أن كنت هناك في سفارتنا بطهران قبل 30 عاما. لكن يجب أن يكون هناك وجود دبلوماسي أميركي في طهران ووجود دبلوماسي إيراني في واشنطن. لا يجب أن نكون أصدقاء كي نفعل هذا، يمكننا أن نفعله بحكم الضرورة. لقد كان دائما صعبا معرفة معلومات من إيران وما زال الأمر صعبا بسبب غياب الاتصال المباشر وأننا لا نتحدث مع بعضنا البعض. وبسبب هذا فإن صورة كلينا عن الآخر تتعرض للتشويه. هناك أيضا وسطاء يمكن أن يعطوا معلومات، لكن أحيانا يغيرون هذه المعلومات نوعا ما لتحقيق أهدافهم الخاصة. إذن الأمر صعب، لكن هناك شيئا واضحا بالنسبة لي وهو أن في إيران مجتمع حيوي صغير السن، مبدع، وجيد التعليم. وهذا شيء جديد، هذا شيء لم أره مثلا بنفس الدرجة عندما كنت في سفارتنا في طهران قبل 30 عاما. هذا من ناحية، لكن من ناحية أخرى لديك دولة خائفة من شعبها، وأعلنت الحرب على مثقفيها وصحافييها ومترجميها وصانعي أفلامها وأساتذة جامعاتها ومرتادي الإنترنت فيها. وتتقلص اطرادا قاعدتها الاجتماعية، وتتزايد باطراد الهوة بين الشعب من ناحية والسلطات من ناحية ثانية، حتى ليبدو الأمر كأنه لا علاقة تربط بينهما. ولست واثقا إلى متى يمكن أن يستمر الوضع بهذا الشكل. هذه معلومات غير مباشرة، من أشخاص يعرفون ما يجري، فأنا لم أزر إيران منذ 30 عاما، لكن هذا هو الواقع.

* وصف النظام في إيران اليوم بـ«ديكتاتورية عسكرية» هل هو أدق وصف؟

- لا أدري. بالطبع، النظام في إيران اليوم لديه بعض خصائص «الديكتاتورية العسكرية»، لكنني سمعت وصف «سلطنة رجال الدين»، وقد أعجبني، لأنه يتضمن الجانب الديني، الملالي، الذي ما زال أحد سمات النظام الإيراني. كما يتضمن وصف «سلطنة رجال الدين» عنصر الجمهورية وعنصر الديكتاتورية العسكرية. ولا بد أن نتذكر أن إيران كانت ديكتاتورية عسكرية لمدة 30 أو 40 عاما تحت حكم النظام البهلوي، فأبو شاه إيران قبل أن يصبح شاها كان قائدا عسكريا، وكان يلقب بـ«رضا مكسيم» وذلك في إشارة إلى أسلحة مكسيم لأنه كان خبيرا في تلك الأسلحة. أن تعود ديكتاتورية عسكرية فهذا لن يكون شيئا جديدا.

* خلال الثورة الإيرانية عام 1979.. هل ساندتها؟ - بالطبع.. حسنا. فكرت مثل الكثير من الناس وأصدقاء إيرانيين أن هذه الثورة ستأتي بشيء أفضل للإيرانيين وتخلق علاقات صحية أكثر بين إيران والولايات المتحدة الأميركية. لأننا مع نظام الشاه أصبحنا أقرب من اللازم، ولم تكن علاقة صحية.

* هل ما زالت تربطك علاقات بأشخاص في إيران بعد الثورة؟ - الكثير منهم غادروا لأنهم فقدوا أوهامهم حول الثورة ولأنهم رأوا أن ما تمنوه من الثورة، وهو الانفتاح، لن يحدث، وأن الثورة بدلا من ذلك خلقت ديكتاتورية بشكل جديد.