السودان: اعتقال زعيم معارض آخر لساعات.. وعودة الرقابة على الصحف

نجل الترابي لـ«الشرق الأوسط»: والدي في سجن انفرادي.. لا يشرب ماء كافيا ليتفادى طلب الذهاب للحمام

صحافيون سودانيون خلال مشاركتهم في مسيرة احتجاجية في الخرطوم أمس (رويترز)
TT

اعتقلت السلطات السودانية أمس ولعدة ساعات، فاروق أبو عيسى، أحد زعماء المعارضة البارزين في السودان، الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب، إثر اقتحام مجموعة أمنية لمنزله واقتياده إلى جهة غير معلومة. في وقت يتواصل فيه اعتقال زعيم المؤتمر الشعبي المعارض الدكتور حسن الترابي، الذي قال نجله (صديق) لـ«الشرق الأوسط»، إنه زار والده في سجن كوبر، بالخرطوم، وقال إن أوضاعه سيئة لوجوده في سجن انفرادي، وإنه لا يشرب ماء كافيا ليتفادى طلب الذهاب إلى الحمام. وحملت المعارضة السودانية بشدة على الحكومة، أمس، واتهمتها بالتضييق على الحريات بقيام «أجهزة زورت الانتخابات»، بإغلاق الصحف وفرض الرقابة القبلية (قبل الطبع).

وقالت عائلة فاروق أبو عيسى، 77 عاما، وهو الناطق الرسمي باسم تحالف قوى جوبا، الذي ينضوي تحت أكثر من 15 حزبا معارضا إضافة إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان، إن مجموعة من أفراد جهاز الأمن الوطني والمخابرات اعتقلت أبو عيسى في الثالثة من ظهر أمس بالتوقيت المحلي (الواحدة بتوقيت غرينتش) من منزله بحي الرياض بالخرطوم، لتقوده إلى جهة غير معلومة. وأعربت عن قلقها على سلامة أبو عيسى أو تعرضه لمعاملة سيئة لا سيما أنه يعاني من أمراض كثيرة. واطلقت السلطات سراحه بعد اعتقاله لعدة ساعات. يذكر أن أبو عيسى من أبرز القيادات الناشطة ضد حكومة عمر البشير، وكان يشغل في السابق منصب الأمين العام للمحامين العرب، وأصبح مساعدا للأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي (تحالف المعارضة بالمنفى). وبعد توقيع اتفاق القاهرة بين المؤتمر الوطني والتجمع، عين نائبا في البرلمان الذي انتهت ولايته بإجراء الانتخابات التي شككت فيها المعارضة ووصفتها بالمزورة، كما شغل منصبا وزاريا بحكومة الرئيس الأسبق الراحل جعفر نميري في بداية سبعينات القرن الماضي.

إلى ذلك، قال صديق الترابي (نجل الأمين العام للمؤتمر الشعبي حسن الترابي) إنه زار والده يوم أول من أمس بسجن كوبر بعد أن سمحت له السلطات بزيارته، ووصف حالة والده بالسيئة، في اتصال أجرته معه «الشرق الأوسط». وأشار صديق إلى أن والده يقبع في سجن انفرادي وينام فوق سرير قديم ولا يخرج من الزنزانة حتى إلى الحمام إلا بعد أن يطرق على باب الزنزانة طالبا الإذن. ويقوم الحراس بالتأكد من عدم وجود سجين آخر قرب المكان حتى لا يرى الترابي أحدا أو يراه أحد. ونوه إلى أن والده الكبير في السن مريض بالرطوبة في وقت يسجن فيه في مكان مكيف الهواء يعمل من غير ضبط. وذكر أن والده يتجنب شرب الماء حتى لا يذهب للحمام لأن هذا يحتاج إلى طلب وقرع الباب.

من جهتها أعلنت صحيفة مقربة من الحركة الشعبية، الحاكمة في الجنوب، عن توقفها عن الصدور يوم أمس بسبب قيام أجهزة الأمن بإلغاء نشر عدد من الموضوعات والمقالات بالصحيفة، لأسباب قالت إنها «أمنية». ونظم العشرات من شباب الصحافيين مسيرةً احتجاجية إلى المجلس القومي للصحافة والمطبوعات ودعوه للتدخل لوقف الاعتداء على الحريات.

وأصدرت صحيفة «أجراس الحرية» المقربة من الحركة الشعبية، بيانا صحافيا يوم أمس ذكرت فيه أنها احتجبت عن الصدور بسبب فرض «الرقابة القبلية» (قبل الطبع) عليها ابتداءً من مساء الأربعاء، وأشار البيان إلى أن 3 من ضباط الأمن الوطني والمخابرات أبلغوا قيادة الصحيفة بقرار الأمن بفرض الرقابة عليها، وعلى صحيفة «الصحافة» المستقلة. وأشارت الصحيفة إلى أن ضباط الأمن نزعوا مواد تغطي 7 صفحات ساعة تجهيزها للطباعة، ووصفت القرار بأنه «انتقائي ولا يشمل بقية الصحف»، وركز الضباط (حسب الصحيفة) على موضوعات الرأي وأخبار تتحدث عن اعتقال الترابي، وعن إيقاف صحيفة «رأي الشعب» الموالية له، وحول اعتقال 3 من الصحافيين، بالإضافة إلى موضوعات أخرى عن علاقة الدين بالدولة، والانتخابات.

واعتبرت الصحيفة أن ما تتعرض له الحريات بعد الانتخابات يعد «أشرس هجمة منذ 5 سنوات».

يذكر أن الرئيس عمر البشير كان قد ألغى الرقابة القبلية في سبتمبر (أيلول) الماضي، حيث ظل ضباط الأمن ولفترة طويلة يقومون بجولات ليلية على الصحف للاطلاع على ما تكتبه قبل الذهاب إلى الطباعة، ويقوم الضباط بتحديد المواد الصالحة للنشر، ويحذفون التي لا تتوافق مع توجهات الحكومة.

وفي السياق ذاته نظم عشرات من الشباب الصحافيين مسيرة احتجاج وقدموا مذكرة إلى رئيس المجلس القومي للصحافة والمطبوعات علي شمو. ووصفت المذكرة الأوضاع بأنها «انتكاسة كبرى وتراجع عن الحريات المنصوص عليها في الدستور الانتقالي واتفاقيات السلام المتعددة»، مما يزيد من شكوك القاعدة الصحافية في مصداقية الحكومة وأجهزتها التي تعهدت بصيانة حرية الصحافة، برفع الرقابة القبلية عن الصحف.

وأضافت المذكرة، «تواصلت تعديات وانتهاكات جهاز الأمن، باعتقال نائب رئيس تحرير صحيفة (رأي الشعب)، أبو ذر علي الأمين، والمحرر العام أشرف عبد العزيز والمدير العام ناجي دهب ومشرف الطباعة أبو بكر السماني. الأمر الذي نعتبره تعديا خطيرا على حرية الصحافة والتعبير والنشر». وطالبت المجلس بالقيام بمسؤوليته «التاريخية في التصدي لوقف الرقابة الأمنية السابقة للنشر التي أعاد جهاز الأمن فرضها على الصحف منذ مساء الأربعاء».

من جانبه قال الأمين العام لمجلس الصحافة والمطبوعات، العبيد أحمد مروح، لـ«الشرق الأوسط»، إن مجلسه تسلم المذكرة، وأضاف «نحن لا نوافق على عودة الرقابة القبلية ومصادرة صحيفة (رأي الشعب)»، مشيرا إلى أن المجلس ليس جزءا من تلك الخطوات، وكشف عن اتصالات يجريها مجلسه مع مؤسسة الرئاسة وجهاز الأمن والمخابرات لتفهم دواعي ودوافع ما حدث للوصول إلى حل للأزمة في أسرع فرصة ممكنة. وقال إن هناك اجتماعا يوم الأحد المقبل للجنة «ميثاق الشرف الصحافي» الذي يضم المجلس القومي للصحافة والمطبوعات، ممثلين من دور النشر ورؤساء تحرير الصحف واتحاد الصحافيين وجهاز الأمن والمخابرات، للنظر في هذه التطورات. وقال إن صحيفة «الصحافة» أبلغته كتابة عن الرقابة التي حدثت أمس وأن صحيفة «أجراس الحرية» أبلغته شفاهة.

وأكد المروح أن الرقابة على الصحيفتين ربما تستمر، بحسب ما فهمه من السلطات الأمنية، لكن الرقابة لن تشمل الصحف الأخرى، وقال «وجدنا تطمينات من قبل جهاز الأمن والمخابرات ونحن لسنا سعيدين بالرقابة حتى الانتقائية وليس هناك قرار بعودتها»، مشيرا إلى أن هناك اتهامات متبادلة بين الصحف والأجهزة الأمنية، وتابع «سنناقش كل ذلك في الاجتماع المقرر الأحد المقبل لأن الرقابة لا نقبلها»، مؤكدا عدم الاتجاه للجنة جديدة وميثاق جديد.

إلى ذلك، استنكر نائب الأمين العام للحركة الشعبية، ياسر عرمان، قرار السلطات بعودة الرقابة القبلية على الصحف، ونوه عرمان في مؤتمر صحافي إلى أن اعتقال صحافيين وتوقيف صحيفتهم وفرض الرقابة على الصحف جاء بعد الانتخابات مباشرة. واعتبر ذلك دليلا على أن الأجهزة ذاتها التي تقوم بالتضييق على الحريات هي التي قامت بالتزوير في الانتخابات، ورأى أن الحكومة القديمة توجت نهايتها بأفعال سيئة لتهديها إلى الحكومة الجديدة.

وأدان عرمان التعدي على الحريات في وقت وصف فيه تبرير السلطات اعتقال الترابي لأسباب غير سياسية بأنه (نكتة الأسبوع). ومن جهتها طالبت القيادية في حزب الأمة القومي مريم الصادق المهدي القوى السياسية بالتحرك لحماية الحريات من التغول الكبير الذي تمارسه السلطة، وسخرت من أن التحرك ضد الحريات جاء بعد إعلان فوز الوطني بنسبة أكثر من 90%، فيما اعتبر المسؤول السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر عبد السلام أن «الوقت مناسب للقيام بثورة للإطاحة بحكومة الرئيس البشير».