حكومة التحالف البريطانية تعرض خطتها التاريخية للإصلاح متحدية المتشككين

كليغ: برنامجنا للحكومة يعرف بـ3 كلمات «الحرية والإنصاف والمسؤولية»

نائب رئيس الوزراء البريطاني نيك كليغ يستمع إلى رئيس الوزراء ديفيد كاميرون خلال تدشين الحكومة برنامج وثيقة اتفاق التحالف في لندن أمس (أ.ب)
TT

في تحد لكل من شككوا في إمكانية تأدية مهامها نتيجة للانقسامات الداخلية، كشفت حكومة التحالف التي شكلها حزبا المحافظين والديمقراطيين الأحرار عن الوثيقة «التاريخية» التي تألفت من 34 صفحة في عرض صاخب في وزارة المالية بدعم من وزيرها جورج اوزبورن ووزيرة الداخلية تيريزا ماي والأعمال فينس كيبل، لكنها لم تتضمن أي مفاجأة.

وقال نائب رئيس الوزراء الجديد زعيم حزب الديمقراطيين نيك كليغ إن الوثيقة التي أعدت في 9 أيام «فريدة» وتشكل «برنامجا لخمسة أعوام من الحكم». وأضاف كليغ أن الاتفاق الجديد، وعنوانه «التحالف - برنامجنا للحكومة»، يمكن أن يعرف بـ3 كلمات «الحرية والإنصاف والمسؤولية».

وأوضح كليغ أن حزبي المحافظين والديمقراطيين متفقان على أن محاربة العجز هي أولويتهم الأولى. وتحتوي الوثيقة الجديدة على التفاصيل التي تم الاتفاق بشأنها مع كبار موظفي الخدمة المدنية في مجالات البنوك، والحريات المدنية، والدفاع، والبيئة، والعلاقة مع أوروبا، والهجرة، والرعاية الاجتماعية والإصلاح السياسي.

ويذكر أن حزبي المحافظين والديمقراطيين عبرا عن وجهات نظر متباينة بشأن بعض هذه القضايا في مراحل سابقة. واعترف كاميرون بإسقاط الكثير من تعهدات حزبه المحافظين لإرضاء الديمقراطيين الأحرار. ولكنه أصر على أن ترحيب المحافظين بتلك الصفقة الشاملة ستكون نتيجتها «حكومة قوية ومستقرة».

وتتضمن الوثيقة الجديدة خططا لضخ استثمارات خاصة في خدمة البريد البريطانية (رويال ميل)، على الرغم من التعهد بأن تظل شبكة مكاتب البريد ضمن الملكية العامة. كما تعهدت الوثيقة بعدم زيادة ضريبة المجالس البلدية في إنجلترا لمدة عام. وأشاد كاميرون وكليغ بالاتفاق، مضيفين «لقد صار من الواضح بالنسبة لنا أن هناك أرضية مشتركة (بين الحزبين)، على الرغم من وجود خلافات».

والخطة كما أوضحها كليغ، ستلغي عددا من قوانين «الدولة المربية» وأنظمة المراقبة والهيئات الإدارية غير المنتخبة - التي كانت غالبيتها نتاجا لفترة حكم حزب العمال خلال الـ13 عاما الماضية - التي يقول منتقدوها إنها أعاقت الحريات الفردية ووسعت من سلطات الدولة إلى درجة تخطت بها المجتمعات الأكثر ديمقراطية الأخرى، حسب تقرير لـ«نيويورك تايمز».

وتعهد كليغ بأن ينهي التحالف ثقافة التجسس على المواطنين، وإلغاء إصدار نظام بطاقات الهوية التي أنفق عليها حزب العمال مبالغ ضخمة وتجميد الجيل الجديد من جوازات السفر البيومترية التي ستحتفظ بأرشيف ضخم من البيانات الشخصية للمسافرين. إضافة إلى ذلك سيكون هناك قيود جديدة على حق الحكومة في اعتراض أو احتجاز الرسائل الإلكترونية وتخزين بيانات الحامض النووي الشخصي من الأشخاص الذين أدينوا في أي جريمة.

وقال كليغ إن التغيرات ستشمل قيودا جديدة على عشرات الآلاف من الدوائر التلفزيونية المغلقة الموضوعة في الأماكن العامة - وهو مجال يقول منتقدو الحكومة البريطانية إنها كانت الدول الأولى في العالم فيه - التي تستخدمها الشرطة لتتبع المشتبه بهم والضحايا في مراكز التسوق وشوارع المدينة والمستشفيات ومحطات الوقود والأماكن العامة الأخرى، والتي لم تثبت فاعلية كبرى في خفض معدلات الجريمة على مدار السنوات السابقة.

وأضاف كليغ: «من المثير للغضب أن يعامل المواطنون الملتزمون بالقوانين والمحترمون كما لو أن لديهم ما يخفونه».

تتضمن الخطة أيضا إنشاء مجلس للوردات منتخب بالكامل والقضاء على الوراثة والميزة السياسية كجواز للسلطة والتعهد بإجراء استفتاء حول تغيير نظام التصويت في مجلس العموم. وبموجب نظام التصويت البديل المقترح سيتوجب على المرشحين الحصول على 50% من الأصوات أو غالبية الأصوات في دوائرهم الانتخابية لضمان الانتخاب، سيعمل ذلك على التخلص من سياسات المقاعد البرلمانية الآمنة التي منحت الكثير من نواب البرلمان وظيفة شبه دائمة مدى الحياة.

إضافة إلى ذلك ستتبنى الخطة سحب الثقة من أعضاء البرلمان، التي ينتهجها مجلس النواب الأميركي، وهو ما يفتح الطريق أمام الناخبين بإسقاط عضوية النواب الفاسدين عبر توقيع 100,000 من دائرتهم الانتخابية على التماس. وتقديم قوانين جديدة لتنظيم صناعة جماعات الضغط السياسي البريطانية التي تنفق سنويا 3.5 مليار دولار. كما ستحدد دورة انعقاد مجلس النواب بخمس سنوات وسيقترن بتشريع آخر يجيز إسقاط الحكومة بـ55% من أعضاء البرلمان. وأشارت حكومة التحالف إلى أن هذا الإجراء يهدف إلى تثبيط الأحزاب السياسية من إقرار الانتخابات لأسباب حزبية محضة.

سيتم تغيير قوانين التشهير التي تقف إلى صالح أحد أطراف الدعوى الساعي إلى إخفاء النشاطات الخاصة والمهنية بعيدا عن أعين وسائل الإعلام، فقد وصفت لندن خلال السنوات الأخيرة، على حد قول كليغ، بأنها عاصمة دعاوى التشهير في العالم للمشاهير مثل نجوم السينما وأقطاب الصناعة، في رفع دعاوى القذف في المحاكم البريطانية التي تنحاز إلى الحرية الشخصية على حريات الصحافة.

ستعمد التغيرات الجديدة إلى لامركزية الكثير من السلطات التي تقع في أيدي حكومة لندن التي جعلت من بريطانيا، على حد قول كليغ، أكثر الحكومات المركزية في أوروبا، عدا مالطا. وأشار إلى أن حكومة التحالف ستتخلى عن مبدأ حكومة العمال في أن التغيير في مجتمعنا يجب أن يتم إقراره من المركز، والسماح للمجتمعات بأن يكون لها مساحة أكبر من الحرية في إدارة المستشفيات وقوات الشرطة المحلية والمشاريع الأخرى. وقال كليغ: «نحن واثقون بشأن التخلي عن السلطة».

وإجمالا، أشار كليغ إلى أن خطة الإصلاح هي البرنامج الأكثر طموحا للتمكين من قبل الحكومة البريطانية منذ قانون الإصلاح الكبير لعام 1832 الذي مد الحقوق الدستورية إلى ما وراء الطبقات العليا. وهو ما سيكون «ثورة إصلاح شامل وفوري» وإعادة ترسيخ للعلاقة بين الدولة والمواطن تضعهم في السلطة.

وقد واجه البرنامج انتقادات فورية من المنتقدين الذين وصفوه بأنه محفوف بالمخاطر ومبالغ فيه، ناهيك عن كونه أسلوبا دفاعيا لإخفاء القضايا التي يختلف عليها شركاء التحالف من المحافظين والديمقراطيين الأحرار. أما مناصرو البرنامج الجديد فقالوا إن تطبيقه قد يتطلب سنوات على افتراض أنه سيتغلب على المعارضة من المؤسسات السياسية التي اعتادت على السلطات التنفيذية المطلقة إلى حد بعيد.

جانب من هذه المعارضة جاء من آلان جونسون الذي كان حتى سقوط حكومة حزب العمال الأسبوع الماضي وزيرا للداخلية ويحظى بسلطات واسعة للإشراف على الأمن والشرطة والمؤسسات التشريعية الأخرى، حيث اتهم جونسون كليغ بالغلو في الاتهامات وأشار إلى أن تشريعات القانون والنظام التي قام بها حزب العمال كانت تحظى بدعم شعبي كبير.

لكن المؤيدين أثنوا على تحدي كليغ، فالمعتقد الأساسي في الكثير من الدوائر البريطانية عبر التاريخ الحديث في أن بريطانيا «أم الديمقراطية» لا يزال مثلا يحتذى به في الكثير من باقي بلدان العالم الديمقراطي. فعلى مدار الأعوام الـ200 الماضية كان رؤساء الوزراء المدعومون من أغلبية برلمانية موالية والمتحررون من القيود المكتوبة للدستور يحظون بسلطات لا يمكن أن يحسدهم عليها سوى الرؤساء الأميركيون والرؤساء الآخرون.

وأشار كليغ إلى أن الحكومة تعرف أنها ستواجه بشكوك واسعة «فكل السياسيين سيقولون إننا نرغب في منح المواطنين المزيد من السلطة على حياتهم. وأن تلك الحكومة هي من سيحقق ذلك».

بيد أن ذلك متوقف على قدرة التحالف البريطاني على التماسك في وجه الضغوط الداخلية في كلا الحزبين خاصة الضغوط من الجناح اليميني في حزب المحافظين الذي يتوقع أن يبدي قلقا تجاه هذه التغيرات السياسية واسعة النطاق.

ويذهب رأي آخر إلى أن ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء عن حزب المحافظين استخدم التحالف كوسيلة لا لإجراء تغييرات في بريطانيا فحسب بل على مستوى حزب المحافظين أيضا. ويرى بعض المعلقين أن التحالف مع الديمقراطيين الأحرار أطلق يد كاميرون في الحكم بطرق تناسب ميوله الليبرالية الخاصة.