تساؤلات حول صمت أميركي إزاء اتفاق نووي بين الصين وباكستان

محللون: أوباما ربما قبل صفقة مفاعلين مقابل تأييد بكين لعقوبات إيران

TT

أحيانا، تتشكل الدبلوماسية من إيماءات وإيحاءات، وليس اتفاقات مباشرة صريحة، وربما يفسر هذا الأمر الهدوء الذي التزمته إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما حيال صفقة تجارية صينية أبرمت مؤخرا وصفها خبراء نوويون بأنها تشكل تجاهلا صارخا للإرشادات الدولية. وفي خضم المفاوضات الجارية حول فرض جولة جديدة من العقوبات ضد إيران، التي تبدي الصين ترددا حيال مساندتها، أكدت بكين نبأ توقيع واحدة من الشركات التابعة للدولة اتفاقا يقضي بإمداد باكستان بمفاعلين نوويين جديدين. ويبدو الاتفاق الجديد، في حال تنفيذه، خرقا واضحا للإرشادات الدولية التي تحظر توجيه صادرات نووية للدول غير الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي أو لا تقر ضمانات دولية بالنسبة لمفاعلاتها. وقد وافقت الصين على هذه الإرشادات بانضمامها عام 2004 إلى المنظمة المعنية بمراقبة مثل تلك النشاطات التصديرية، وهي «مجموعة دول الإمدادات النووية» الـ46. من جانبه، دعا الرئيس أوباما بقوة لفرض قيود على انتشار التقنية النووية، لكن إدارته لم تعلق كثيرا على الصعيد العلني على الاتفاق الصيني - الباكستاني. وفي تلك الأثناء، أعلنت الإدارة، الثلاثاء الماضي، أن الصين، على الرغم من مخاوفها، انضمت إلى مؤيدي مسودة قرار داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يقضي بفرض عقوبات ضد إيران. ونفى مسؤولون أميركيون وجود صلة بين التطورين، لكن بعض المحللين يعتقدون أن الأمر ينطوي على مقايضة.

وقبل الإعلان، كتب مارك هيبس، خبير شؤون نووية لدى «معهد كارنيغي للسلام الدولي»، تحليلا حول القضية ذكر فيه أن أعضاء في «مجموعة دول الإمدادات النووية» «تتوقع قبول إدارة أوباما بقدر محدود من النشاط الصيني التجاري النووي الإضافي مع باكستان كثمن مقابل كسب تأييد الصين لعقوبات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضد إيران خلال الأسابيع القادمة». من ناحيتها، لمحت الصين إلى أن صفقة البيع أجيزت قبل انضمامها إلى المجموعة، بالنظر إلى أنها كانت تنجز العمل في مفاعلين سابقين داخل باكستان آنذاك. وفي هذا السياق، أعلن وانغ باودونغ، المتحدث الرسمي باسم السفارة الصينية في واشنطن، أن «الصين وباكستان تواصلان التعاون النووي المدني بينهما على نحو يتوافق تماما مع الالتزامات الدولية لكل منهما. ويتميز هذا التعاون بالشفافية ويرمي لخدمة أغراض سلمية فحسب ويخضع لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية». إلا أن قليلا من الخبراء الخارجيين فقط يتفق مع هذا الرأي. من ناحيتها، صرحت إدارة أوباما أن موقفها من صفقة المفاعلين لا يزال قيد المراجعة. وقال جيمس بي. ستينبرغ، نائب وزيرة الخارجية الأميركية الأسبوع الماضي: «لا يزال هذا الأمر قيد المناقشة بيننا جميعا. من الواضح أنه من المهم من وجهة نظرنا أن تلتزم جميع الدول بواجباتها». وأضاف أن مسألة ما إذا كانت الصفقة معفاة من القواعد الحالية «أمر لم نتوصل إلى قرار نهائي بشأنه بعد، حسبما أعتقد». وقال مسؤول رفيع المستوى في الإدارة، رفض الكشف عن هويته كي يتمكن من الحديث بحرية أكبر، إن الولايات المتحدة في انتظار تقديم الصين معلومات مفصلة حول كيفية عزمها المضي قدما في الصفقة. وأضاف: «لا يتوافر أمامنا قدر مناسب من الوضوح، وبالتالي لم تتضح معالم القضية أمام الحكومة». وأشار إلى أن أي ادعاء بأن المفاعلين النوويين معفيان من القواعد الراهنة «سيكون حجة من الصعب إقامة الدليل عليها»، لكن في إمكان بكين السعي للحصول على إعفاء رسمي من الالتزام بالإرشادات، نظرا لأنها أمر اختياري على أية حال. وما زاد الأمور تعقيدا فوز الولايات المتحدة عام 2008، بعد ممارستها جهود ضغط شديد، على إعفاء محدد في إطار «مجموعة دول الإمدادات النووية» لعقد اتفاق تجاري مع الهند، خصم باكستان المسلح نوويا. يذكر أن رغبة تراود باكستان منذ أمد بعيد في الحصول على إعفاء من الالتزام بهذه الإرشادات، لكن الولايات المتحدة رفضت ذلك. ومع ذلك، ربما لا تود واشنطن تعكير العلاقات مع إسلام آباد في وقت تبدو شراكتهما على صعيد مكافحة الإرهاب حيوية. وقال هيبس خلال مقابلة أجريت معه أول من أمس، إن الإدارة تواجه خيارين مرين؛ إما التحرك لتضييق الخناق على الصين داخل المجموعة لفشلها في الالتزام بالإرشادات، أو كبت غيظها والسماح بإتمام الصفقة. واستطرد موضحا أنه «في اعتقادي أن الخيار الثاني هو الأكثر احتمالا». يذكر أن «مجموعة دول الإمدادات النووية» من المقرر أن تعقد اجتماعا بحضور كامل أعضائها، وبرئاسة نيوزيلندا التي تعد من كبار أنصار الالتزام بالقواعد النووية. من جهته، قال داريل جي. كيمبل، المدير التنفيذي لـ«جمعية مراقبة الأسلحة»، إن الاتفاق الصيني - الباكستاني «يعد واحدا من تداعيات الاتفاق النووي المدني بين الولايات المتحدة والهند»، الذي تضمن إعفاء خاصا من الإرشادات النووية. كان الاتفاق مبادرة من جانب إدارة الرئيس السابق جورج بوش، لكنه حظي بتأييد قوي من أعضاء مجلس الشيوخ آنذاك باراك أوباما وجوزيف بايدن وهيلاري كلينتون.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»