تشنج في علاقة واشنطن وأنقرة بسبب اختلاف موقفيهما من الملف الإيراني

أوباما يبلغ أردوغان بمواصلة العمل على عقوبات جديدة ضد إيران رغم جهود تركيا

TT

يظهر تشنج في العلاقات الأميركية - التركية مع تباين موقف البلدين في ما يخص الملف النووي الإيراني، مما يثير تساؤلات حول تلك العلاقة في الإطار الأوسع. وبعد أن قامت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بالاتصال بنظيرها التركي أحمد داود أوغلو الأسبوع الماضي للتأكيد على الموقف الأميركي من الملف النووي الإيراني، اتصل الرئيس الأميركي باراك أوباما برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لبلاغه بعدم ثقته في النوايا الإيرانية في ما يخص برنامجها النووي.

وأفاد البيت الأبيض بأن أوباما «أقر بجهود تركيا والبرازيل» بعد أن سعتا للتوصل إلى اتفاق مع طهران حول إرسال اليورانيوم الإيراني المنخفض التخصيب خارج البلاد. لكن في الوقت نفسه، أوضح أوباما ثغرات في الاتفاق لأردوغان، منها إعلان الحكومة الإيرانية عزمها مواصلة تخصيب اليورانيوم بنسبة نحو 20 في المائة. وجاء في بيان من البيت الأبيض أن «الرئيس (أوباما) شدد على قلق المجتمع الدولي المستمر والأساسي حول البرنامج النووي الإيراني الكلي، بالإضافة إلى فشل إيران في الالتزام بتعهداتها الدولية». وأضاف البيان أن أوباما ابلغ أردوغان بأن «المفاوضات حول قرارات جديدة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ستستمر». واعتبر أوباما أن «رفض إيران المتواصل للقاء مع (ممثلي) دول (5+1) حول البرنامج النووي الإيراني، والرفض الأخير لوقف تخصيب اليورانيوم بنسبة نحو 20 في المائة لا يبني الثقة».

وعامل بناء الثقة عامل أساسي يشير إليه مسؤولون أميركيون في الحديث عن مقترح نقل اليورانيوم خارج إيران لتخصيبه بدرجة عالية من أجل تزويد مفاعل طهران للبحوث العلمية بالوقود. فهذا الطرح لا يحل كل القضايا المتعلقة بالملف النووي الإيراني، بل هو مخرج مؤقت لبناء الثقة بين أعضاء مجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة الذرية من جهة، وإيران من جهة. وأوضح الخبير في الشؤون التركية وشؤون الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية، ستيفن كوك، أن هناك عاملا أساسيا يفرق بين الولايات المتحدة وتركيا في ما يخص إيران، وهو قناعة كل طرف حول برنامج طهران النووي. وشرح لـ«الشرق الأوسط»: «هناك سياسة مختلفة، لأن واشنطن وأنقرة تريان الموضوع بطريقتين مختلفتين وتريد كل منهما نتيجة مختلفة»، موضحا أن واشنطن تريد فرض العقوبات الجديدة على إيران بينما «تركيا تريد أن تتاجر مع إيران وهي أحد أهم شركائها الاقتصاديين» بصفقات في قطاعي الطاقة والتجارة قيمتها 11 مليار دولار. وأضاف «هناك موقف براغماتي من الأتراك في ما يخص التجارة، لكن أيضا هناك موقف مبدئي مبني على محاولة إعطاء الإيرانيين فرصة».

وتتعامل تركيا مع الولايات المتحدة من موقف قوة بسبب موقعها الاقتصادي وتجارتها، في رأي الكاتب التركي سيدات لاسينر، الذي قال في مقال رأي في «تركيش ويكلي» أمس «اليوم تركيا دولة أقوى، عندما يذهب رئيس بلدها للولايات المتحدة لم يعد الأتراك يطلبون من واشنطن تغطية تكاليف السفر، فنحن نتحدث عن 16 أكبر اقتصاد في العالم.. بالطبع قوة اقتصادية مثل هذه ستكون لديها سياسة خارجية تناسب اقتصادها». واعتبر لاسينر أن «الدولة التي لا يمكن أن تقف على قدميها لا يمكن لها أن تحدد محورا في سياستها الخارجية». وأضاف «تركيا تلعب دورا قياديا في الكثير من القضايا الإقليمية أكثر من وسيط، في ما يخص حل المشكلات وتسهيل التعاون. تركيا لا تنتظر دعوة من دول أخرى، أو تنتظر دولة غربية لأخذ المبادرة».

وبعد يوم من إعلان تركيا والبرازيل عن التوصل إلى اتفاق في اللحظة الأخيرة مع إيران ، سلمت الولايات المتحدة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مسودة قرار يوسع نطاق العقوبات على إيران. وتعتبر واشنطن العقوبات أساسية لوقف ما تشتبه أنه برنامج إيراني لتخصيب اليورانيوم لإنتاج قنبلة نووية. وكان مسؤولون أميركيون قالوا إنهم سيعتبرون تصويت أنقرة بالرفض أو امتناعها عن التصويت في مجلس الأمن الدولي خذلانا من جانب حليفة وصفها الرئيس الأميركي أوباما بأنها شريك استراتيجي حيوي خلال زيارته لتركيا العام الماضي. واعتبر كوك أن «المسؤولين الأميركيين يجدون أنفسهم الآن يحاولون إدارة تلك العلاقات بدلا من الاستفادة منها». وأضاف «الإدارة الأميركية تقول لتركيا إنها تقدر جهودها، لكنها تعمل في الوقت نفسه على إبقاء تركيا على مسار محدد بدلا من السماح لتركيا بأن تضعف من جهود واشنطن». وتابع أن مسؤولين أميركيين «يشعرون بأن تصرفات الأتراك تقوض عملهم، خاصة مع تاريخ الإيرانيين في محاولة تقسيم مجلس الأمن». وتحاول تركيا أن تلعب دورا أكثر نفوذا في الشرق الأوسط لإبراز أهميتها الاستراتيجية. وكتب الكاتب التركي سميح اديز أن رفض إيران الأولي للوساطة التركية «بدأ يغضب بعض المسؤولين في أنقرة»، مما وتر العلاقات التركية - الإيرانية. إلا أن موافقة طهران في النهاية على الاتفاق وزيارة أردوغان لطهران للإعلان عن انفراج سياسي بوساطة تركيا جعل الأتراك يعتقدون «اننا وصلنا إلى مرحلة انتصار لسياسة تركيا تجاه إيران» بحسب اديز. وأضاف اديز في مقال رأي في صحيفة «حريت» التركية أمس «كان هناك عدم صبر جدي في الغرب حول الموقف التركي»، معتبرا أن «تركيا كانت سببا في التوصل إلى اتفاق على قضية دولية ذات أهمية كبرى، ولن يمر ذلك من دون اهتمام».

وهناك ترقب وتخوف في إسرائيل من الاتفاق الأخير الذي أشرفت عليه تركيا والبرازيل، خاصة مع تدهور العلاقات التركية - الإسرائيلية على خلفية حرب غزة قبل أكثر من عام. وعبرت مديرة مشروع الحد من التسلح والأمن الإقليمي في معهد الدراسات الأمنية الوطنية في جامعة تل أبيب، إيميلي لانداو، عن المعارضة الإسرائيلية للاتفاق. وقالت في مقال نشرته صحيفة «جروزاليم بوست» أمس «الاتفاق كله مرتبط بالاقتصاد والمواقف السياسية، فبدلا من العمل كوسيط بين الغرب وإيران حول القضية النووية - الهدف المعلن للبرازيل وتركيا في جهودهما - الوثائق الناتجة تدل على أن الدولتين عملتا أكثر كممثلتين لإيران في مواجهة ضغوط الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا».

وبينما تنتقد إسرائيل علنا الاتفاق الذي مهدت له تركيا، تحاول واشنطن عدم إغضاب الأتراك علنا بسبب المصالح الأخرى التي تربطهما، خاصة في ما يخص ملفات أخرى مثل العراق وأفغانستان والسلام في الشرق الأوسط. وهناك نقاش في الأوساط السياسية الأميركية حول إمكانية التوصل إلى نقاط توافق مع الأتراك حول الملف الإيراني ومدى تأثيره على التعاون في المجالات الأخرى التي تشغل الإدارة الأميركية. واعتبر كوك أنه «لا توجد استراتيجية أميركية واضحة للعلاقات مع الأتراك.. نحن نحاول عدم إغضاب الأتراك والتركيز على أنهم شريك استراتيجي، وأهمية التعاون معهم، لكن نقضي وقتنا الآن في محاولة معالجة العلاقات».

وبينما تنتظر الولايات المتحدة الحصول على نسخة من الاتفاق الرسمي حول اليورانيوم الإيراني، تستمر الاتصالات الأميركية – التركية. وكان من المرتقب أن يلتقي نائب وزيرة الخارجية الأميركي جيمس ستاينبرغ مع نائب رئيس الوزراء التركي كميل تشيتشيك في مقر وزارة الخارجية الأميركية في اجتماع مغلق أمس، بينما زار نائب رئيس العلاقات الخارجية لحزب العدالة والتنمية سعاد كينكيلغو واشنطن للتأكيد على وثاقة العلاقات بين البلدين. وعقد كينكيلغو، وهو رئيس مجموعة الصداقة التركية – الأميركية في البرلمان التركي، سلسلة من اللقاءات في واشنطن هذا الأسبوع لتوضيح الاستراتيجية التركية في المنطقة وسياسة «الجوار الصالحة».