الرياضيون ذوو الاحتياجات الخاصة في روسيا يتألقون.. رغم العقبات

تجاوزوا الأسوياء في عدد ميداليات الأولمبياد الشتوية.. ونجاحهم دفع الدولة للاهتمام بهم أكثر

شيلوف الحائز على ذهبيتين في الأولمبياد الشتوية الأخيرة: «لقد اعتدنا التحدي» («نيويورك تايمز»)
TT

لم تكن ثلوج العام الماضي قد ذابت بعد، لكن سيرجي شيلوف واصل التدريب استعدادا لفعاليات دورة الألعاب الصيفية، غير آبه بالاحتفال بالميداليتين الذهبيتين اللتين أحرزهما في فانكوفر هذا العام. ونظرا لمشاركة شيلوف (39 عاما) في أغلب بطولات ألعاب القوى الكبرى سواء الصيفية أو الشتوية منذ التسعينات، فقد أحرز هذا الرياضي عددا كبيرا من الميداليات. لكن على الرغم من ذلك فإن عددا قليلا من الأفراد المهتمين بهذه الرياضة سمعوا به.

شيلوف، المصاب بالشلل في الجزء الأسفل من الجسم، عضو في المنتخب الروسي لذوي الاحتياجات الخاصة، وتمكن على مدار سنوات من الهيمنة على البطولات العالمية على الرغم من تدني حظوظ المنتخب الروسي للأسوياء. على الرغم من حصول المنتخب الأولمبي الروسي على ثلاث ميداليات ذهبية فقط في دورة الألعاب الشتوية بفانكوفر ـ إلى جانب كثير من الإخفاقات ـ هيمن منتخب ذوي الاحتياجات الخاصة وحصل على 38 ميدالية منها 12 ذهبية دون الإسراف في الإنفاق الذي حظي به المنتخب الأساسي. هذا الإنجاز الكبير الذي حققه منتخب ذوي الاحتياجات الخاصة في بلد بعيد للغاية عن روسيا كان مبهرا بالنظر إلى الظروف العصيبة التي يعيشونها هنا في روسيا. فالافتقار إلى المصاعد والأماكن المخصصة في وسائل المواصلات العامة تعيق ذوي الإعاقات البدنية، عن مغادرة منازلهم ناهيك عن الالتزام بالنظام التدريبي الصارم ومواعيد السفر. وقال شيلوف: «لقد اعتدنا على التحدي، حتى نتمكن من التغلب على درج السلم والعقبات الأخرى». خلال تدريبهم الشهر الماضي كان على شيلوف ورفاقه في الفريق تجنب السيارات والمشاة الذين يتنزهون مع حيواناتهم الأليفة خلال قيامهم بالتمرين على كراسيهم المتحركة في المتنزه الذي يستخدمونه كمركز للتدريب للرياضات الصيفية. وحتى عقبات ممارسة التدريبات يمكن التغلب عليها، فالرياضيون الذين لا يملكون سيارات عليهم التغلب على عقبات صعود وهبوط سلالم محطات مترو الأنفاق. وتقول ناتاليا باخماتيلوفا، من مؤسسة «بريسيكتيفا» التي تدافع عن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة إن المحاولات التي قامت الحكومة الروسية خلال الأعوام الأخيرة فيما يتصل ببعض الأمور الضرورية لذوي الاحتياجات الخاصة «مثيرة للفزع». وأشارت إلى أن الأماكن المخصصة لسير الكراسي المتحركة على نواصي الشوارع وأمام الشركات، الكثير منها إما ضيق أو شديد الانحدار، إضافة إلى أن عدد الحافلات المزودة بمصاعد مخصصة للمسافرين على الكراسي المتحركة قليل جدا، وعادة ما يرفض سائقو تلك الحافلات تشغيلها.

ولم تتوقف معاناتهم عند هذا الحد؛ فمصاعد ذوي الاحتياجات الخاصة التي تم تزويد بعض محطات المترو بعدد منها إما مغلقة أو معطلة. وصافرات الإنذار أو الأجهزة الطنانة لتنبيه المكفوفين بإمكانية عبور الطريق لا تشكل فارقا كبيرا في مدينة لا يأبه الكثيرون فيها بإشارات المرور. وفي أعقاب النجاحات التي حققها فريق ذوي الاحتياجات الخاصة، تعهدت الحكومة الروسية ببذل المزيد من الجهود لتيسير الحياة بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة وستخضع هذه الجهود للتدقيق نظرا للاستعدادات الروسية لاستضافة الأولمبياد الشتوية في 2014 ودورة الألعاب الشتوية لذوي الاحتياجات الخاصة في منتجع سوتشي على البحر الأسود. وعلى الرغم من هذه العقبات ـ وربما بسببها ـ تمكن الفريق الروسي من النجاح. تمكن الرياضيون الروس من تحقيق التميز في الألعاب الشتوية في أعقاب سقوط الاتحاد السوفياتي وهو ما منحهم الفرصة للمرة الأولى لمغادرة البلاد للاشتراك في المسابقات الدولية. وشارك الفريق الروسي لذوي الاحتياجات الخاصة في دورة الألعاب الشتوية في ألبرفيل في فرنسا عام 1992 واحتل الفريق المركز الثالث في ترتيب الميداليات بعد الولايات المتحدة وألمانيا، ومنذ ذلك الحين لم يخرج الفريق عن المراكز الثلاثة الأولى في الألعاب الشتوية سوى مرة واحدة. خلال العقدين اللذين تليا سقوط الاتحاد السوفياتي كان شيلوف لا يزال شابا وتمكن من التأقلم على قضاء بقية عمره على كرسي متحرك بعد حادث السيارة الذي تعرض له. كان شيلوف يطمح طوال حياته أن يكون لاعب ألعاب قوى لكن في بلد تعشق القوى الجسدية كان ذوو الاحتياجات الخاصة يعتبرون لعنة ونادرا ما يرون في الشوارع ناهيك عن المنافسات الرياضية. وقد فتح انهيار الاتحاد السوفياتي الباب أمام هؤلاء الرياضيين للدخول إلى المنافسات، لكن دون دعم من الحكومة أو شركات راعية. وكان لاعبو منتخب ذوي الاحتياجات الخاصة يقومون بتوفير احتياجاتهم على نفقتهم الخاصة معتمدين على الكراسي المتحركة المستعملة والأدوات الأخرى من نظرائهم في أوروبا الغربية الذين التقوهم في المنافسات الدولية. دفع النجاح في نهاية المطاف الحكومة إلى الانتباه، وبعد حصول الفريق على المركز الأول في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لذوي الاحتياجات الخاصة في تورين بإيطاليا عام 2006 وقع رئيس الوزراء فلايمير بوتين، الذي كان يشغل منصب الرئيس الروسي آنذاك، بتقديم جوائز مالية للحاصلين على الميداليات الذهبية على قدم المساواة مع الأبطال الأولمبيين من الأسوياء. وزادت الحكومة الروسية في عهد بوتين، الذي يحمل الحزام الأسود في الجودو وجعل الرياضة أولوية وطنية، من الأماكن المخصصة للتدريب للرياضيين من ذوي الاحتياجات الخاصة والأموال المخصصة لسفرهم إلى الخارج. ورغم أن كثيرا من القادة الروس نظروا للأداء السيئ للفريق الأولمبي الروسي للأسوياء في فانكوفر هذا العام باعتباره مصدر إحراج وطني، فإن نجاح منتخب ذوي الاحتياجات الخاصة قدم مواساة غير متوقعة. وخلال الاحتفال الذي جرى في الكرملين للاحتفاء بلاعبي منتخب ذوي الاحتياجات الخاصة قال الرئيس ديمتري ميدفيديف: «كان أمرا طيبا أن شاهدناكم وهتفنا لكم. إنكم بكل بساطة رائعون». وأقر ميدفيديف بأن ذوي الاحتياجات الخاصة قد واجهوا مشكلات في روسيا، ووعد بتخصيص الأموال لتطوير مراكز إعادة التأهيل والبنية التحتية الرياضية. ومع ذلك، يعد موقف السيارات في موسكو كافيا بالنسبة لأخزانا أبديكريموفا، التي كانت تتعلم في الفترة الأخيرة كيف تستخدم الكرسي المتحرك للفريق في السباق. كان ذلك جلسة التدريب الثالثة لها مع الفريق، وهو ما سمح للأفراد الذين ليست لديهم خبرات رياضية، أمثال أبديكريموفا، بالحضور للتدريبات. وقالت: «بطبيعة الحال، إن هذا الشعور بالحرية أمر مثير للاهتمام في الواقع». وقبل أكثر من شهر واحد فقط، كانت أبديكريموفا (26 عاما) عاطلة عن العمل وتتساءل عما تفعل في حياتها. وقالت إنها سمعت عن نجاح الفريق في دورة الألعاب الأولمبية لذوي الاحتياجات الخاصة في فانكوفر، وقررت محاولة ممارسة الرياضة بتشجيع من والدتها. وقالت: «لقد قرأنا عن الإنجازات التي حققوها، وشعرنا بالسعادة لأجلهم. إن شاء الله، سيكون لي شيء أبتهج من أجله».

* خدمة «نيويورك تايمز»