ابنة زعيم اليمين المتطرف في فرنسا تستعد لحمل رايته

مارين لوبان عانت في طفولتها ودخلت مرغمة السياسة وقد تحيد بالحزب قليلا عن نهج والدها

TT

حاولت مارين لوبان، قدر استطاعتها النأي بنفسها عن والدها والعمل السياسي، يدفعها في ذلك الخجل من إرثها الذي ظل يلاحقها أينما ذهبت. لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، إذ باتت الأقرب لخلافة والدها جان ماري لوبان في زعامة الجبهة الوطنية، حزب اليمين المتطرف الذي يدعو إلى نقاء فرنسا ويعارض الهجرة والاتحاد الأوروبي. وترغب مارين في اللحاق بعصر الإعلام، الأكثر من ذلك أنها صارت صوت الحزب في المناقشات التلفزيونية والحملات الوطنية.

وخلال مقابلة أجريت معها في مقر الحزب في الضاحية الباريسية التي يقودها الحزب الاشتراكي، قالت مارين: «من المذهل أن ترى تصاريف القدر في حياتنا في بعض الأحيان، فالسياسة التي حاولت النأي عنها طوال حياتي صارت عملي الرئيسي».

ومع تقاعد والدها، الذي يعيش عامه الواحد والثمانين، العام المقبل، تنوي مارين، 41 عاما، حمل لواء حزب الجبهة الوطنية في القرن الحادي والعشرين لتحارب مجموعة جديدة من الخصوم، بينهم الإسلام الذي تعتقد أنه يهدد فرنسا. من الصعب اعتبار مارين ضحية، لكن الجبهة الوطنية تحاول استمالة الناخبين الذين تعتبرهم ضحايا، لقوى غير طبيعية وتعرضوا للفقر على يد العولمة واكتسحهم المهاجرون الذين يشكل المسلمون عددا كبيرا منهم.

لكن طفولتها كما تقول كانت بائسة، فهي أصغر الشقيقات الثلاث لسياسي لم يلق سوى الازدراء بسبب أفكاره من الخوف من الأجانب والتعصب ومعاداة السامية، ودائما ما كانت مارين تجد نفسها منبوذة من الجميع.

كان مدرسوها ذوو الميول اليسارية يبغضونها. كانت ترغب في أن تنتهج سلك المحاماة لكن الكراهية الشديدة التي لقيها والدها حادت بها عن مسارها مرة أخرى. وكتبت في سيرتها الذاتية مفسرة التحول عن المحاماة عام 2006: «لم يكن أحد يرغب في أن يحصل على مساعدة اسمها مارين لوبان لأن ذلك ببساطة كان يعني انتحارا مهنيا، ولم تكن الحياة سهلة على الإطلاق، فقد ظللنا أبناء لوبان، ودأب الناس على جعلنا نشعر بالذنب».

لكنها اليوم تتحدث عن قرارها بحمل الراية عن والدها بأنه قدرها أو أمر أشبه بالمرض المعدي. فتقول: «السياسية فيروس لا تشفى منه أبدا. ربما يكون يدخل فترة من الكمون لكنه في النهاية يعود مرة أخرى والطريقة الوحيدة للشفاء منه التجاوب معه».

نشأت مارين بهذا المرض وتقول: «كان والدنا، يرضعنا ذلك الفيروس وتلك العاطفة تجاه الآخرين. فقد ولدت وتربيت وسط السياسة فأكلت على وقع السياسة ونمت على وقع السياسة أيضا. حاولت الفكاك من هذه الحياة لأنني كنت أرغب في أن تكون لي حياتي الخاصة، لكني في النهاية وجدت أنها الأمر الوحيد الذي جذبني».

كادت مارين تلقى حتفها جراء تلك السياسة. ففي عام 1976 عندما في السابعة من عمرها انفجر منزل العائلة، وأصابها الحادث بندبة، وتقول عن ذلك: «في ذلك الوقت لم تكن هناك أولية نفسية. كان ذلك انفجارا وعندما وقع أدركت حجم الأخطار التي أواجهها أنا وأبي وعائلتي».

الصدمة الأخرى التي واجهتها كانت طلاق والديها في أعقاب تلك الحادثة بثماني سنوات عندما انتقلت والدتها بييريت إلى الولايات المتحدة مع كاتب السيرة الذاتية لوالدها وطالبته بالنفقة. لكن والدها رفض وقال: «فلتعمل في تنظيف المنازل هناك». اتجهت الأم إلى العمل كعارضة في مجلة بلاي بوي. ووصفت مارين تأثير انتشار صور والدتها بأنه «كان صدمة شديدة الوطأة». وقالت عن خلافات والديها بأنها كانت أشبه بالانزلاق في الجحيم.

لكن مارين كانت الأولى التي حولت تعاسة الطفولة والانعزالية التي عاشتها إلى سياسة وتتحدث بنبرة خطابية قوية بليغة تختلف كليا عن والدها الذي استخدم أسلوبا اجتماعيا شعبيا.

تشغل مارين لوبان، تلك الشقراء، طويلة القامة والجميلة، منصب نائب المدير التنفيذي للتدريب والاتصال والدعاية، وهي عضو في البرلمان الأوروبي منذ عام 2004. طلقت مرتين ولديها ثلاثة أبناء» ابنة تبلغ من العمر 12 عاما وتوأم عمرهما 11 عاما، ولد وفتاة. وتحاول مارين الحفاظ على حياتها الخاصة بعيدا عن أعين الصحافة.

خلال وجودها مع والدها تتحدث بأدب جم ولا تصفه إلا بالرئيس أو باسمه الكامل. ويرى جان إيف كامو، أستاذ العلوم السياسية في معهد العلاقات الدولية في ستراسبورغ، والدها عائقا في جهودها لتغيير الحزب، وقال: «إنه عبء وربما لن تتمكن من التخلص من ذلك حتى يموت».

لا تشارك مارين والدها في عدائه للسامية أو إنكار الهولوكوست، لكنها عند نقطة ما ستضطر إلى إلقاء كلمة تعارض فيها النازيين الجدد داخل الجبهة الوطنية، تماما كما فعل غيانفرانكو فيني الذي تحول بعيدا عن الفاشية الجديدة. ويضيف كامو: «إنها حقا ترغب في لعب دور في الحياة السياسية الفرنسية. وقد قيل إن لوبان سعيدة بالتجاهل الإعلامي لها، لكنها على العكس من ذلك ترغب في أن تشكل تحالفا في يوم من الأيام مع اليمين الفرنسي المحافظ».

وتقول نونا ماير، العالمة السياسية في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي في حديث لصحيفة «ليبراسيون»: «إنها تجسيد للجيل الجديد الذي لم يعرف الحرب العالمية الثانية أو الحروب الاستعمارية التي حارب فيها والدها. لكنها ترغب في بث الروح في الحزب وتخفيف الهجوم عليه، ولذا فهي لا تمثل أقصى اليمين كما يفعل والدها. لكنها في الوقت ذاته تجذب الكثير من الناخبين التقليديين الذي تعرضوا للضرر جراء العولمة والتراجع الصناعي».

وقد حاول الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الحصول على أصوات الجبهة الوطنية كمرشح اليمين الوحيد لأنه كان يتخذ مواقف متشددة ضد النقاب على سبيل المثال وتقييد الهجرة. ويرى سيمون سيرفاتي، أستاذ السياسة الأوروبية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن أن الجبهة الوطنية لها تأثير سيئ على الأحزاب الكبرى، وتجبرها على التوجه نحو اليمين.

وتعتقد ماير أن الحزب فقد بعضا من دعمه في الآونة الأخيرة، لكن كامو يرى أن الحزب باق، مشيرا إلى أن العديد من أنصار الحزب صوتوا لصالح ساركوزي في انتخابات 2007 لكنهم عادوا إلى الجبهة الوطنية في الانتخابات الإقليمية.

تشارك مارين والدها معتقداته الأساسية مثل ضرورة وقف الهجرة ومنح المواطنة حسب مكان الميلاد، وتقترح ضرورة تبني سياسة تحول دون قدوم المهاجرين إلى بلدها، وترفع شعار «فرنسا أولا».

وتقول: لقد أخطأت فرنسا خطأ بالغا عندما حاولت دمج المهاجرين بدلا من ترحيلهم مرة أخرى. وتضيف: «عندما ترى أبناء المهاجرين في الضواحي وتسأل أحدهم هل أنت فرنسي، يرد بالقول: كلا أنا مسلم. تلك مشكلة. على الأجانب أن يندمجوا في المجتمع الوطني لأننا حضارة قديمة. هناك تحول إلى الاعتزاز بالهوية غير الفرنسية لأننا استنزفنا الهوية الفرنسية من مضمونها. لذا كيف يمكن لشخص أن يفخر بأنه مواطن فرنسي؟ لقد أمضينا حياتنا نتهم أنفسنا بأننا أوغاد ومحتلون وتجار رقيق».

وتتوقع مارين أن يؤول الاتحاد الأوروبي إلى ما آلت إليه إمبراطورية الاتحاد السوفياتي من الانهيار. وعندما سئلت عن آمالها بشأن أولادها، صمتت للحظات ثم قالت إنني أرغب أن يرث أبنائي بلدا ذا إرث ثقافي خالص، وأن يبلغوا ما يصبو إليه الجميع من تكوين العائلة والعيش بأمان والحصول على عمل يسمح لهم بحياة كريمة وأن ينقلوا إرثهم ذلك إلى أبنائهم. وأضافت: «إن فرنسا قدمت الكثير للحضارة الإنسانية، فهناك سمة خاصة تميز فرنسا، ولو أن النموذج الفرنسي اختفى فسيكون ذلك خسارة للعالم بأسره».

* خدمة «نيويورك تايمز»