أردوغان يبعث برسائل إلى قادة 26 دولة من بينها دول الخليج.. وينصح إيران بانتهاز الفرصة

اتصالات تركية عالية المستوى بوكالة الطاقة الذرية ومجلس الأمن > طهران تسلم الاتفاق إلى الوكالة اليوم

السفير الايراني في نيودلهي سيد مهدي نبيزاده خلال الاحتفال أمس بترميم نسخة ضخمة من القرآن الكريم عمرها أكثر من مئتي عام وتزن طنا ونصف الطن كانت قد تضررت جراء السيول في أحمدأباد عام 2005 (أ ف ب)
TT

في إطار وضع اللمسات الأخيرة على إرسال إيران لاتفاق تبادل الوقود النووي لوكالة الطاقة الذرية الذي رعته تركيا والبرازيل، بعث رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان برسائل شخصية إلى 26 من قادة ورؤساء دول في مجلس الأمن ودول عربية يوضح فيها أسس السياسة التركية في الملف النووي الإيراني. كما اتصل أردوغان بالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أمس لمناقشة الخطاب الإيراني لوكالة الطاقة. وستتجه الأنظار إلى فيينا اليوم، حيث سيسلم سفير طهران لدى الوكالة علي أصغر سلطانية النسخة الرسمية الكاملة من اتفاق الوقود النووي. وقال بيان صحافي من مكتب أردوغان إن رئيس الوزراء التركي قال لأحمدي نجاد خلال الاتصال التليفوني بينهما أمس: «نحن على أعتاب مرحلة هامة عندما تسلم رسميا الاتفاق النووي مع إعلاننا المشترك لوكالة الطاقة الذرية. هذا الاتفاق تترتب عليه آثار واسعة ليس فقط فيما يتعلق ببلداننا، بل بالعالم كله. البيان الإيجابي الذي أصدرته يساهم في تلك العملية»، كما عبر أردوغان لأحمدي نجاد عن إيمانه بأن إيران «ستستفيد من تلك الفرصة بأفضل طريقة ممكنة».

وسيكون أمام وكالة الطاقة الذرية واحدة من أصعب مهامها، فبعدما تتسلم العرض الإيراني ستعكف على دراسته وتقرير ما إذا كان كافيا لطمأنة العالم إلى نوايا طهران، أم لا. كما أن عليها أن ترسل مفتشين للمواقع النووية الإيرانية للوقوف بدقة على حجم المخزون الإيراني الحالي من اليورانيوم منخفض التخصيب وذلك بحسب ما قال مسؤولون غربيون لـ«الشرق الأوسط»، موضحين أن رد الوكالة الذرية على العرض الإيراني «لن يكون فوريا بالرغم من تسارع الأحداث». وأشار مسؤول بارز في بروكسل لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «هناك تفاهما بين دول 5+1 ووكالة الطاقة الذرية على أن تأخذ الوكالة زمام المبادرة في الملف وتدعو طهران لمباحثات جديدة».

وقالت الوكالة في آخر تقرير لها في 18 مايو (أيار) الماضي إن إيران بات لديها 2065 كيلوغراما من اليورانيوم منخفض التخصيب. ويقول خبراء بالوكالة إن تلك الكمية قد تصل الآن إلى 2300 كيلوغرام من اليورانيوم، مما يجعل لدى إيران 1100 كيلوغرام فائض من اليورانيوم منخفض التخصيب، إذا ما أرسلت 1200 كيلوغرام بموجب إعلان طهران. وتكفي الـ1100 كيلوغرام لتصنيع قنبلة نووية. وإذا ما توصلت الوكالة إلى قناعة مشابهة فإنه من المؤكد أن تدخل هي بنفسها تعديلات على نص الاتفاق وتطلب من الإيرانيين الموافقة عليه، بضغط من تركيا والبرازيل.

وبذلت الدبلوماسية التركية جهودا محمومة قبل نحو 24 ساعة من إرسال طهران للاتفاق لوكالة الطاقة، فقد اتصل أردوغان ووزير خارجيته أحمد داود أوغلو بمسؤولين إيرانيين على رأسهم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ووزير خارجيته منوشهر متقي، كما اتصلا بمدير وكالة الطاقة الذرية يوكيا أمانو، وبعثوا برسائل إلى قادة 26 دولة، من بينها دول الخليج ودول مجلس الأمن دائمة ومؤقتة العضوية وهي: السعودية وقطر وسورية وسلطنة عمان والعراق والكويت وليبيا ولبنان والإمارات والبحرين، بالإضافة إلى ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا واليابان والمكسيك والنمسا وأذربيجان والبوسنة وبلغاريا وجورجيا والغابون ونيجيريا وأوغندا. وقال مسؤولون أتراك ودبلوماسيون غربيون إن رسالة أردوغان لقادة الـ26 دولة تضمنت أولا: أن تركيا من حيث المبدأ ضد الأسلحة النووية، وترى أن منطقة الشرق الأوسط يجب أن تتخلص من أسلحة الدمار الشامل. ثانيا: أكد أردوغان في رسالته أن الدبلوماسية والحوار هما أفضل وسيلة لمعالجة الملف الإيراني. ثالثا: قال إن تركيا ستواصل سياساتها الخارجية القائمة على الحوار والعدالة والنزاهة.

أما في اتصاله الهاتفي مع أحمدي نجاد فقد شدد أردوغان على أن تسليم اتفاق طهران للوكالة يشكل بدء «مرحلة هامة»، معبرا عن ثقته في أن تستفيد طهران من تلك الفرصة بأفضل طريقة ممكنة. فيما قال الرئيس الإيراني إن بلاده «تقبل كل البنود الواردة في إعلان طهران». وأضاف: «سوف نبلغ وكالة الطاقة الذرية بالاتفاق وسوف نعلن استعدادنا للتعاون. نحن نعتبر هذا الإعلان فرصة كبيرة جدا لنا جميعا. نحن نعتبر هذه العملية الجديدة أحد أشكال تحولات العالم الجديد. هذا اتفاق جديد وبداية مناخ دولي جديد. أريد أن أركز على أن تركيا والبرازيل لعبتا دورا هاما جدا في إعلان طهران».

وقبل اتصال أردوغان بأحمدي نجاد اتصل وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو بنظيره الإيراني منوشهر متقي، حيث قيما آخر التطورات المتعلقة بالاتفاق النووي. كما ناقشا الخطاب المقرر أن ترسله إيران لوكالة الطاقة الذرية، وذلك كما كشف مسؤولون ودبلوماسيون مطلعون. أيضا اتصل أوغلو بمدير وكالة الطاقة الذرية يوكيا أمانو وبحث معه الخطاب الإيراني المتوقع. وبحسب مصادر مطلعة فقد طلب داود أوغلو من أمانو أن «يظهر قدرته على القيادة ويساهم في تقدم العملية التفاوضية بأسرع وقت ممكن».

وتريد تركيا عبر تحركاتها الدبلوماسية أن تؤجل إقرار عقوبات على إيران إلى أن يتم «استكشاف آفاق الاتفاق النووي». ودافعت صحيفة «زمان» التركية النافذة والمقربة من حكومة العدالة والتنمية عن إعلان طهران ووساطة تركيا، ورفضت الحجج التي تقول إن تركيا خرجت من «المحور الغربي» إلى «جبهة جديدة»، وإنها لم تتشاور مع واشنطن حول الخطوة ونقلت دولتين هامتين من الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن، وهما تركيا والبرازيل، إلى المحور الإيراني. وقالت صحيفة «زمان» أمس إن تركيا ترفض «التصنيفات» وترى أن الخطوة حيال طهران «هي المسار الصحيح». وقال مسؤول تركي رفيع لـ«زمان»: «ليس من حق أحد احتكار الدبلوماسية. من حقنا أن نسأل هل من الأفضل المساعي التي تصعد في وضع متوتر، أم الأفضل المساعي التي تحاول تهدئة وضع متوتر. أيهما مناسب أكثر.. إذا كان هناك مسار يجب الانحياز إليه، فيجب أن يكون المسار التركي». وتابع المسؤول التركي: «تركيا لا تلعب دورا كي تكون قائدة دول معينة. إذا كنا نقول كلاما مختلفا لدى كل معسكر حول المسألة النووية، يكون من حق الآخرين أن يطلقوا علينا الأوصاف. لكن لا. نحن نقول لكل الأطراف نفس الشيء».

من ناحيته قال وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير بعد محادثات مع القادة الأتراك إن ملف البرنامج النووي الإيراني «توضح قليلا». وشرح أحمد داود أوغلو في إسطنبول بالتفصيل لكوشنير تفاصيل المفاوضات التي استمرت 18 ساعة في طهران. وانتقد كوشنير الإعلان الإيراني حول مواصلة التخصيب بنسبة 20 في المائة، رابطا بينه وبين تحركات دول مجلس الأمن لفرض عقوبات. وقال كوشنير إنه سواء كان البرازيليون والأتراك «محقين أو مخطئين، فقد قاموا بعمل جيد»، مشيرا إلى أن باريس أوصت دائما بالحوار وتشعر بالامتنان حيالهم. وأضاف أن «التاريخ لن يقول إنه كان يجب تجنب إبرام» هذا الاتفاق الثلاثي، بل سيقول «إنهما حاولتا» الذهاب بالجهود إلى أبعد حد لرفع سقف العرض الإيراني. وقال كوشنير متسائلا «هل تمنع الخطوة البرازيلية التركية قرارا من مجلس الأمن الدولي؟ لا أعتقد. هل ستسرع ذلك؟ ربما. لكنني واثق بأمر واحد هو أن الأمر يتوضح قليلا».

ويأتي ذلك فيما قال الزعيم الإيراني المعارض مير حسين موسوي أمس إن العقوبات الجديدة من الأمم المتحدة ستضر الإيرانيين العاديين، وألقى باللوم على الحكومة الإيرانية في استفزاز القوى العالمية لتتخذ إجراء. وقال موسوي في تعليقات نشرت بموقعه كلمة على الإنترنت «في الأيام القليلة الماضية أثير موضوع العقوبات ضد أمتنا. رغم أننا نعتقد أن هذا الوضع نشأ من سياسات خارجية تعوزها اللباقة وتحفها المخاطر.. فإننا ضده لأنه سيؤثر على حياة الناس». وقال موسوي إن إيران تواجه أزمة اقتصادية لم يتضح أثرها الكامل بعد. وأضاف أن انخفاضا بمقدار نصف نقطة مئوية في نمو الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي إلى 1.8 في المائة -حسب أرقام البنك الدولي- «يشبه التعرض لهجوم شامل من أعداء خارجيين». وتابع «الضغط نتيجة هذا الانخفاض يقع على رجال الأعمال وسوف تعقبه بطالة ثقيلة وفقر... التحول تجاه الناس هو الحل الوحيد وحينئذ سترون مرة أخرى أنه توجد خلفية من الأمل».

ويقول المحللون الإيرانيون إنه يمكن فقط في حالة حدوث معاناة اقتصادية كبيرة أن تضعف قبضة أحمدي نجاد على السلطة. وستبدأ الحكومة في وقت لاحق هذا العام في رفع الدعم عن الوقود والمواد الغذائية وهو ما قد يخاطر برفع التضخم ويثير عدم قبول على المستوى الشعبي، رغم أن السياسة تتضمن مدفوعات نقدية مباشرة لمساعدة الناس على التوافق مع ارتفاع الأسعار.

وفي واشنطن قال ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية، مركز بارز للأبحاث في واشنطن، إن جهود إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لفرض عقوبات جديدة على إيران لن تؤثر كثيرا على طموحات طهران النووية. وقال هاس إن «الخبر الجيد هو أن الولايات المتحدة والدول الأربع الأخرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن تمكنت أخيرا من الاتفاق على قرار».

وأضاف في مذكرة نشرت على موقع المركز على الإنترنت أن «الخبر السيئ هو أن لا شيء في التاريخ الحديث يدل على أن عقوبات محدودة مثل تلك المتوقعة يمكن أن تبعد المسؤولين الإيرانيين عن أهدافهم».

لكن هاس لم ير أن هذه الخطوة غير مجدية. فقد قال إن «إيران سعت خلال الجزء الأكبر من الأسبوع الماضي لتطويق مشروع العقوبات باقتراحها خطة بديلة». وأضاف أن «إيران لا تريد أن ترى هذا القرار يمرر» في مجلس الأمن. وهو يكرر بذلك تصريحات وزير الدفاع الأميركية روبرت غيتس الذي قال الخميس «إذا كان القرار لا تأثير له فعلا، فلماذا بذل الإيرانيون كل هذه الجهود لمنع تبنيه؟».

وقال المحللون إنه إذا أقر مجلس الأمن سلسلة جديدة من العقوبات فسيمهد الطريق لإجراءات عقابية أخرى من جانب الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي. وأكد هاس أن «هذه العقوبات أيضا قد لا تحقق هدفها». ورأى أنه سيكون على الأسرة الدولية أن تقرر ما إذا كانت تفضل العيش مع إيران وهي تمتلك سلاحا نوويا أو مع إسرائيل والولايات المتحدة وهما تقصفان المواقع النووية الإيرانية، إلا إذا «غيرت إيران رأيها» أو حكومتها.