واشنطن تجذب جنود طالبان للتخلي عن القتال

9 آلاف متمرد تخلوا عن أسلحتهم.. وتعهدات بإلحاقهم في صفوف مجندي الشرطة

TT

جرى اقتياد السير الشاب المنتمي لجماعة طالبان معصوب العينين إلى خيمة عسكرية شديدة الحر، حيث جلس بين 17 من كبار الزعماء في قريته، ثم أزيحت العصابة من على عينيه ليجد نفسه في مواجهة من يوجه له اتهامات ملوحا بوثيقة تحمل توقيعات أكابر قريته أو بصمات إبهامهم.

وأخبر كابتن سكوت إيه. كومو، من قوات مشاة البحرية الأميركية (المارينز) الذي تولى التحقيق، السجين: «هذا الخطاب هنا عبارة عن تعهد من جميع كبار الشخصيات في قريتك تحمل قسما بأنهم سيدفعون كفالة عنك، وأنك لن تعاود قط مناصرة طالبان أو القتال في صفوفها».

بعد محاكمة استمرت نصف الساعة، أعلن الكابتن حكم المجموعة على السجين الصامت جمعة خان (23 عاما) الذي ألقت قوات المارينز القبض عليه بعد العثور على متفجرات وذخائر وأفيون مدفونة في فناء منزله. وضمت المجموعة والد خان وجده اللذين يعدان من كبار شخصيات القرية التي ينتمي إليها. وقال كابتن كومو: «من أجل السلام وأسرتك وجدك، سنطلق سراحك».

هكذا جرى تطبيق العدالة في مساء سبت قريب في قلب معقل طالبان المتمثل في وادي نهر هلمند، حيث تقف نظرية ضرورة بذل جهود أميركية «لإعادة دمج» العدو في المجتمع في مواجهة واقع غامض من حرب استمرت على امتداد قرابة عقد.

من جهته، اعترف كابتن كومو (23 عاما) الذي تخرج في لونغ آيلاند، بأن أخطارا تتكشف بمرور الوقت فيما يتعلق بمثل تلك المحاكمات داخل أفغانستان. وعلق بقوله: «هل أنا على يقين من أن جمعة خان لن يحنث عهده ويعاود الانضمام إلى طالبان؟ لا». ورغم ذلك، تمضي هذه الجهود الأميركية قدما.

في الوقت الذي تدور مناقشات بين واشنطن وكابل حول خططهما للتوصل إلى تسوية مع كبار أعضاء طالبان، يعمد القادة العسكريون داخل الميدان في أفغانستان إلى إعادة دمج جنود المشاة التابعين لطالبان بالاعتماد على أنفسهم. وأوضح كابتن كومو أن السبب وراء ذلك بسيط، وهو: «بينما تلقت قوات المارينز تدريبات على القتال، فإنها غير مدربة على معارك العقل. وتكمن مشكلة القتال في أنه لا يحقق استقرارا في الوطن».

بعد 6 أيام من إطلاق سراح خان في الأول من مايو (أيار) ، تلقى قائد آخر بقوات المارينز، كابتن جيسون سي. بريزلر، تعهدات من 25 متمردا سابقا بالالتحاق في صفوف مجندي الشرطة داخل قرية سروكانو الواقعة شمال إقليم هلمند. بعد ذلك بأسبوع في مارجا، حيث لا تزال صدامات مستمرة بين المارينز وطالبان في أعقاب حملة الهجوم التي شنتها القوات الأميركية هنا في فبراير (شباط)، أطلق لفتنانت كولونيل بريان كريسماس سراح شابين اعترفا بتورطهما في القتال لصالح طالبان، بعد توقيع الشابين واثنين من كبار زعماء المنطقة التي ينتمون إليها على تعهدات بعدم قتالهما في صفوف طالبان مجددا. يعمل القادة العسكريون في ظل إرشادات عسكرية ترمي لإقناع مقاتلي طالبان من الرتب الدنيا بالتخلي عن أسلحتهم. وفي خضم ذلك، يرفع القادة العسكريون شعار أن الولايات المتحدة لن تقضي على طريقها إلى النصر في أفغانستان، مؤكدين أن حروب مكافحة التمرد ترمي للفوز بتأييد السكان، وأن إعادة دمج العناصر المقاتلة في المجتمع عنصر جوهري نظرا لتعمق روابط طالبان داخل النسيج الاجتماعي بالبلاد.

في هذا الصدد، قال كابتن كومو خلال مقابلة أجريت معه بعد إطلاق سراح خان: «يمكنني تفهم الأسباب التي دفعتهم للانضمام إلى طالبان. إنها رغبتهم في الانتماء إلى أي كيان».ووصف قادة عسكريون جهود إعادة الاندماج التي جرت حتى الآن بالتشتت على أفضل تقدير، ورأوا أنها جهود مؤقتة تسبق عملية تحمل طابعا رسميا أكبر يأملون في أن تقرها الحكومة الأفغانية خلال اجتماع قمة سياسية في كابل في غضون الأسابيع القادمة.

العام الماضي، وفي إطار جهود أفغانية سابقة لتوفير فرص عمل للعناصر المنشقة عن طالبان، أعلنت حكومة كابل أن 9.000 متمرد على الأقل تخلوا عن أسلحتهم. وقال ميجور جنرال ريتشارد بارونز، القائد بالجيش البريطاني في كابل الذي ساعد في الإشراف على جهود المصالحة، إن التقديرات الحالية للحكومة الأفغانية تشير إلى أن 40.000 مقاتل سيجري دمجهم مجددا في المجتمع، بينهم 1.000 على الأقل من الرتب العليا في طالبان، بينهم زعيم طالبان الملا محمد عمر، وهو أهم هذه العناصر. في المقابل، اعترف مسؤولون عسكريون أميركيون بأنه لا تتوافر لديهم فكرة واضحة عن عدد مقاتلي طالبان الذين جرى دمجهم في المجتمع من جديد حتى الآن، لكنهم يعتقدون أن الأعداد في مجملها ضئيلة. من ناحيتها، أقرت واشنطن حتى الآن خططا أفغانية للمصالحة مع بعض أعضاء طالبان، لكنها حددت بحزم الخطوط العامة للتفاوض مع الملا عمر. (تعمد واشنطن وكابل لاستخدام لفظ «المصالحة» مع قيادات طالبان و«إعادة الدمج» مع جنود المشاة). على كلا الوجهين، تحمل هذه الخطط أصداء لسياسة التعامل مع «حركة الصحوة» بالعراق، حيث تمردت زعامات الأقلية السنية ضد تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين وانضمت إلى صف الأميركيين. إلا أن هناك اختلافات كبيرة بين العراق وأفغانستان، خاصة التاريخ الأفغاني الطويل على صعيد تبديل المقاتلين لولاءاتهم، أحيانا أكثر من مرة.

جرى غرس بذور «محاكمة» خان الصيف الماضي، عندما تحركت قوات المارينز إلى داخل قرية ميان بوشته، في إطار تصعيد مبدئي صدرت أوامر بتنفيذه في ربيع 2009 من جانب الرئيس أوباما. بحلول مطلع هذا العام، كانت قوات طالبان بالمنطقة إما قتلت أو طردت بعيدا أو حصلت على وظائف. وأعادت قوات المارينز فتح الأسواق ووجهت مئات الآلاف من الدولارات إلى برامج العمل وشرعت في خطط لبناء مدرسة ومستوصف طبي.

بعد ذلك، شرع الجنود الأميركيون في بناء علاقات مع قبائل البشتون في المنطقة. ونفذ جنود المارينز دوريات في قرى المنطقة يوميا، حتى باتوا معروفين لدى سكان القرى. ومنحوا زعامات المنطقة مكافآت في صورة مشاريع تشييد وبناء وعرضوا عليهم على امتداد ساعات طويلة صورا لكل المقاتلين الذين التقوهم داخل ميادين القتال.

وحرص المارينز على جمع المعلومات التي حصلوا عليها في قاعدة بيانات كومبيوترية ضخمة. وبحلول أبريل (نيسان)، أخبر أحد القرويين قوات المارينز بأمر خان الذي كان قد عاد مؤخرا إلى ميان بوشته من باكستان. وبالفعل، أغارت قوات المارينز على منزله، حيث عثروا على ذخائر ومتفجرات ومخدرات.

* خدمة «نيويورك تايمز»