تصريحات أميركية «تغازل» حزب الله اللبناني.. وقياديوه لا يرونها كافية

قماطي لـ«الشرق الأوسط»: البراغماتية الأميركية تعيد النظر في الأمور ولكن لا نعول عليها

جندي لبناني يراقب أمس، عبر الأسلاك الشائكة على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية، جنديا إسرائيليا يسير وراء سيارة عسكرية (رويترز)
TT

أوحت التصريحات الصادرة مؤخرا من جانب حزب الله والولايات المتحدة الأميركية بأن العلاقة بين الحزب، المصنف إرهابيا من قبل واشنطن، والدولة المصنفة إرهابية من قبل حزب الله، تشهد تقدما ما زال في مرحلة التبلور بشكل لا يُبنى عليه لحصول أي اتصالات مباشرة بين الطرفين على غرار تلك القائمة بين الحزب وبريطانيا التي تقسم نظرتها إلى الحزب بين جناحين، إرهابي وسياسي.

وكانت الخطوة التي قامت بها الإدارة الأميركية مؤخرا باتجاه حزب الله متقدمة، عشية زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى واشنطن في 27 الحالي وبعد يوم واحد من تسليمها مجلس الأمن مسودة مشروع عقوبات جديدة على البرنامج النووي الإيراني، حيث أعلن مساعد الرئيس الأميركي باراك أوباما لشؤون الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب جون برينان، أن «الإدارة الأميركية تدرس سبل تعزيز (العناصر المعتدلة) وتخفيف تأثير (المتعصبين) داخل حزب الله»، معربا عن ثقته بأن الحزب ليس «منظمة إرهابية بحتة».

فتح هذا الكلام الباب واسعا أمام التكهنات، لبنانيا، مما استدعى «توضيحا» من قبل الناطق بلسان السفارة الأميركية في بيروت لم يخفف من بريق كلام برينان باعتبار أنه لم ينفه.

وتزامن كلام المسؤول الأميركي مع استقبال مسؤول منطقة الجنوب في حزب الله الشيخ نبيل قاووق في مكتبه في مدينة صور وفدا كنسيا وحقوقيا أميركيا، أكد أمامه أن حزب الله «حريص على تطوير العلاقة مع الكنائس والمجتمع الأهلي في أميركا، وأنه ليس لدينا أي مشكلة مع الشعب الأميركي، وإنما مع الإدارة الأميركية بسبب موقفها العدائي تجاه قضايا المنطقة».

وأضاف برينان في تصريح ملفت في واشنطن، أن «حزب الله يشكل منظمة مثيرة جدا للاهتمام»، متوقفا عند تطوره من «منظمة إرهابية بحتة (بحسب التصنيف الأميركي) إلى ميليشيات فمنظمة تضم اليوم عناصر في البرلمان والحكومة». برينان، الذي زار لبنان مؤخرا حيث التقى عددا من المسؤولين اللبنانيين، أشار إلى أن «هناك عناصر في حزب الله يسببون القلق للولايات المتحدة والعالم». ولكنه شدد على ضرورة إيجاد السبل الكفيلة بتخفيف تأثير هؤلاء داخل الحزب ومحاولة تعزيز دور أولئك الأكثر «اعتدالا»، على حد تعبيره.

وفي لبنان، أوضحت السفارة الأميركية على لسان المسؤول الإعلامي ريان كليها أن «الكلام الذي أدلى به مستشار الرئيس أوباما حول (معتدلي حزب الله) هو كلام (مجتزأ)»، مؤكدة أن «موقفنا من حزب الله لم يتغير». وبالتزامن، كشفت مصادر مطلعة على أجواء زيارات المسؤولين الأميركيين مؤخرا إلى لبنان لـ«الشرق الأوسط»، عن أن «المناقشات التي تجري بالغة الأهمية والخطورة، خاصة لجهة النظرة الأميركية إلى المنطقة كلها واستراتيجيتها في لبنان، وهذا ما تبين خلال الندوة المغلقة التي عقدت مؤخرا في مركز عصام فارس بمشاركة مسؤولين أميركيين من أصل لبناني».

وتضع الولايات المتحدة حزب الله منذ فترة طويلة على لائحة المنظمات الإرهابية، ومنعت قبل فترة شخصيات مقربة منه من زيارتها وجمدت أرصدتهم في المصارف الأميركية. وقالت المصادر، إن «الولايات المتحدة تنظر إلى حزب الله على أنه الفريق الذي عطل مشروعها في الشرق الأوسط، لذلك فموقفها تجاهه صلب جدا، ولكن لأنها دولة عظمى فهي لا تستطيع أن تبقى في حالة جمود ولا تستطيع أن تفرض الحرب في هذه اللحظة ولا السلم، لذلك أتى موقف برينان في هذا السياق».

واعتبر نائب رئيس المكتب السياسي لحزب الله محمود قماطي أنه «من الجيد أن تصدر تصريحات كهذه من مسؤول في الإدارة الأميركية، ولكن لا نعول عليها كثيرا لأن الأميركي عندما يقترب فهو يقترب بحسابات وبحذر وأحيانا تكتيكيا لكسب الوقت تمهيدا لشيء قد يريد أن يقوم به في المستقبل». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن تصريحات كهذه تؤشر إلى محاولة أميركية للوصول إلى رؤية موضوعية للأمور بعدما أثبتت المقاومة أنها أمر واقع لا يمكن تغييره، ولا إضعافه ولا تطويقه، وأن تصنيفها بالإرهاب لم يعد يثمر»، مشيرا إلى أنه «في العقل الأميركي هناك شيء من البراغماتية والواقعية تعيد النظر في الأمور كل فترة». وكشف في هذا السياق عن «إشارة من الرئيس الأميركي إلى أحد المسؤولين اللبنانيين الذين زاروا واشنطن مؤخرا، أنه يكفي حزب الله هذا القدر من السلاح والمطلوب عدم تراكم السلاح بكميات أكبر مما حصل حتى الآن». مضيفا: «الأميركي تخلى عن موضوع نزع السلاح ويطالب بالاكتفاء بهذا القدر كما ونوعا، خصوصا بعد سقوط كل المقولات التي تحدثت عن أن طاولة الحوار ستنزع سلاح المقاومة، فتبين في الجلسة الأخيرة أنها ستناقش استراتيجية دفاعية لأنه من غير المقبول مناقشة سلاح حزب الله كمشكلة».

أما عضو كتلة المستقبل النائب أحمد فتفت فقرأ عبر «الشرق الأوسط»، في تصريح برينان «استمرارا للإشارات التي أرسلها قبله أوباما منذ وصوله إلى البيت، والتي لم نُرد نحن كعرب الاستفادة منها»، موضحا: «هناك تقصير كبير من الدبلوماسية العربية في الاستفادة من الإشكالية بين الولايات المتحدة وإسرائيل اليوم، التي تحدث لأول مرة في تاريخ العلاقات بين البلدين».