أصوات تنتقد اتفاق إيران.. وتعتبره وصمة عار في مسيرة الرئيس البرازيلي

البعض قال إن الأمر أشبه بشخص يعبر الشارع للسير على قشرة موز على الرصيف المقابل

TT

منذ أسبوعين، توجه لويس إناسيو لولا دا سيلفا، الرئيس البرازيلي، إلى طهران على أمل نزع فتيل أزمة بدت معقدة حول البرنامج النووي الإيراني وسعيا لتعزيز سمعته كرجل دولة من الطراز العالمي.

إلا أنه في أعقاب إبرام البرازيل وتركيا اتفاقا مع إيران لتبادل اليورانيوم، عاد دا سيلفا إلى أرض الوطن مصطحبا معه موجة من الانتقادات من جانب الأصوات البارزة التي تسهم في تشكيل الرأي العام ومشرعين شككوا في أن المهمة التي اضطلع بها دا سيلفا اتسمت بسذاجة، أو ربما أضرت بمكانة البلاد.

وأعرب البعض عن اعتقادهم بأن إيران استغلته في كسب مزيد من الوقت لصنع أسلحة نووية، بينما أكد آخرون أنه أضر بعلاقات البرازيل مع الولايات المتحدة، وأن البرنامج النووي البرازيلي ربما يصبح الآن محط اهتمام وتفحص أكبر من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وبذلك يرى البعض أن الأمر الذي كان من الممكن أن يمثل واحدا من أكبر إنجازات دا سيلفا على الإطلاق كرئيس لدولة يصعد نجمها على الساحة الدولية تحول إلى خطوة خاطئة يمكن أن توصم تاريخ هذا الرئيس الذي يحظى بشعبية كبيرة.

في هذا الصدد، قال أماوري دي سوزا، المحلل السياسي في ريو دي جانيرو: «أفضل التفسيرات على الإطلاق أنه اتسم بالسذاجة. وفي لعبة سياسية كتلك، أن يوصف المرء بالسذاجة يعني أنه يتبع نهجا دبلوماسيا من الفئة الثالثة الرديئة». على الرغم من ذلك، استمر المسؤولون البرازيليون في الدفاع بحماس عن الاتفاق، مع إعلان وزير الخارجية سيلسو أموريم، الجمعة، أن الأوان لم يفت بعد. وأضاف: «لا يزال من الممكن تحقيق الكثير. وعلى الرغم من أن هذا صعب، لكن يبقى هناك مخرج ممكن (من الأزمة)».

ووصف مسؤولون برازيليون رد الفعل السلبي من جانب مسؤولين أميركيين بالنفاق. على سبيل المثال، صرح مستشار لدا سيلفا، الاثنين، بأنه خلال الأيام السابقة مباشرة لزيارة دا سيلفا لإيران، بعث الرئيس أوباما خطابا إلى نظيره البرازيلي يوضح «الكثير من النقاط التي كانت مشابهة للغاية للنقاط التي تضمنها الاتفاق في نهاية الأمر».

يذكر أن البرازيل، بمساعدة فرنسا، تعكف على بناء غواصة تعمل بالطاقة النووية. وبصورة عامة، يجري النظر إلى البرازيل باعتبارها ملتزمة بمعاهدة منع الانتشار النووي، وتسمح بعمليات تفتيش منتظمة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما حظرت البلاد في أحدث دستور أقرته بناء أسلحة نووية، لكنها رفضت التوقيع على بروتوكول إضافي لمعاهدة منع الانتشار النووي من شأنه السماح بمزيد من إجراءات التفتيش القوية.

حتى قبل زيارة دا سيلفا لطهران، قال وزير الخارجية البرازيلي السابق لويس فيليب لامبريا إن الجهود الدبلوماسية التي تبذلها بلاده فيما يتعلق بإيران «قد تسبب خسائر مادية وسياسية لا تقدر بثمن» وتثير الشكوك حول البرنامج النووي البرازيلي. وكتب في مقال له بصحيفة «أو غلوبو»: «إن الأمر أشبه بإقدام شخص ما على عبور الشارع عن عمد للسير على قشرة موز على الرصيف المقابل».

ومما زاد الوضع سوءا أنه في أعقاب توقيع الاتفاق مع طهران أعاد جوزيه ألينكار، نائب رئيس البرازيل، التأكيد على موقف اتخذه من قبل وهو ضرورة تمتع البرازيل بحق بناء سلاح نووي كـ«أداة للتثبيط». على الرغم من المخاوف، أشار الكثير من البرازيليين إلى أن دا سيلفا فرض نفسه على الساحة الدولية وجعل من نفسه أولوية أولى على رأس الأجندة الأميركية. في هذا السياق، قال باولو سوتيرو، مدير «معهد البرازيل» التابع لـ«مركز وودرو ويلسون»: «تجاهل الرئيس لولا النقاد وقرر أن البرازيل لها حق ومصالح مشروعة تخول لها المشاركة في هذه القضية بقدر ما تتمتع به الولايات المتحدة والعناصر الكبرى الأخرى المشاركة».

تجدر الإشارة إلى أن المحاولات البرازيلية لاستمالة الإيرانيين لم تأت دوما بالنتائج المرجوة على الصعيد الداخلي، فمثلا، في أعقاب إهداء وزير التجارة البرازيلي القميص الأصفر المميز لمنتخب كرة القدم البرازيلي إلى محمود أحمدي نجاد، الرئيس الإيراني، في طهران الشهر الماضي، كتب كلوفيس روسي، أحد كتاب الأعمدة الصحافية المرموقين، يقول إن القميص البرازيلي تغطيه دماء المنشقين الإيرانيين الذين قتلتهم الحكومة الإيرانية.

ومع ذلك، يبدو الكثير من البرازيليين فخورين برؤية دا سيلفا وهو يختلط بكبار قادة العالم. وأظهر استطلاع للرأي أجري في مارس (آذار) من جانب «سي إن آي» و«آي بوب» أن 48% من البرازيليين الذين شملهم الاستطلاع لا يتذكرون أمرا محددا فيما يتعلق بما كان يفعله دا سيلفا، لكن 46% تذكروا رحلاته إلى الخارج. وقال سوتيرو إن الاحتمال الأكبر أن تاريخ دا سيلفا مضمون. لكن بالنسبة للعلاقات البرازيلية - الأميركية، أشار إلى أنه «لا ندري حجم الضرر الذي أصاب العلاقات لبعض من الوقت».

* خدمة «نيويورك تايمز»

* نيل ماكفاركهر أسهم في هذا التقرير من نيويورك