ازدهار دور فرق الفن الشعبي والإسلامي في إحياء حفلات الزواج بغزة

بعد 5 سنوات كادت أن تتلاشى خلالها

TT

بعد تردد قليل تحرر الفتيان من حالة الخجل التي كانت تعتريهما بعدما لاحظا جلوس مدرس مادة الجغرافيا على أحد المقاعد أمامهما، وانطلقا ليشاركا في رقصة الدبكة الشعبية على أنغام الآلات الموسيقية المرافقة التي كان يعزف عليها أعضاء الفرقة الفنية. لم يكن للساحة التي توسطت الشارع الذي تم فيه إحياء حفل الزفاف في معسكر المغازي للاجئين، وسط قطاع غزة، أن تتسع للشباب الراغبين في المشاركة في «الدبكة»، مما جعل مجموعة منهم تشرع في إقامة حلقة أخرى خلف الكراسي، في الوقت الذي كان فيه المطرب الشعبي يصدح بالأغاني التي تناسب المقام.

وعلى الرغم من أن الصيف لا يزال على الأبواب، فإنه يمكن القول إن هناك مؤشرات واضحة على اتساع ظاهرة إحياء الحفلات بواسطة فرق ومطربين شعبيين؛ منها الحرص على استقدام هؤلاء المطربين. وكانت هذه الظاهرة قد تلاشت خلال الأعوام الخمسة الماضية.

لا يبالي محمد أبو صابر من تعنيف شقيقه الأكبر، الذي لم يرق له أن يدفع مبلغ 3500 شيكل (نحو 900 دولار) لقاء إحياء حفل زفاف نجله البكر. واعترف أبو صابر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه على الرغم من أن انتقاد شقيقه في مكانه، فإنه دفع المبلغ بطيب نفس لأنه يريد أن يحتفل بزفاف ابنه البكر بشكل طبيعي. وأضاف: «منذ زفافي قبل خمسة وعشرين عاما لم أذكر أنه جرى في هذا البيت حفلة، وعندما تحين هذه الفرصة فلن أجعل المتطلبات المالية هي العائق». وهناك نحو 20 مطربا شعبيا يحيون حفلات الأفراح في قطاع غزة. ويقول رامي عكاشة وهو أحد هؤلاء المطربين إن الأوضاع الأمنية ليست سيئة وتسمح بتنظيم هذه الحفلات وإن كانت الأوضاع في عهد حكم حركة فتح للقطاع أفضل. وفي العامين الأخيرين لحكومة أحمد قريع (2003 - 2006) تقلص إلى حد كبير نشاط الفرق الفنية الشعبية بسبب الاعتداءات التي شنتها مجموعات دينية على هذه الفرق، بالإضافة إلى تهديد القائمين عليها، مما حدا بهذه الفرق إلى تصفية أعمالها، في ظل حالة الفلتان الأمني التي عصفت بقطاع غزة خلال الأعوام الماضية.

القائمون على الفرق الفنية يقولون إنهم وقعوا لدى وزارة الداخلية على تعهد بمراعاة الأخلاق العامة عند إحياء الحفلات. من الواضح أن نمط إحياء حفلات الزواج بمشاركة فرق فنية يلائم العائلات الأقل تدينا في المجتمع الغزي، في حين أن العائلات المتدينة تحرص على استقدام فرق الفن الإسلامي التي تعاظم دورها بشكل كبير خلال العقد الأخير، ولم تتأثر بالأوضاع الأمنية، مما أوجد كثيرا من هذه الفرق.

ولا ينفك محمد سليم، مسؤول إحدى فرق الفن الإسلامي في غزة، عن الرد عبر هاتفه الجوال على الزبائن؛ إذ يبذل جهدا كبيرا لإقناع العائلات بأن جدول الالتزامات خلال الأسبوعين القادمين قد امتلأ وأن عليها الانتظار للأسبوع الثالث. اللافت أن الفروق بين الحفلات التي تحييها فرق الفن الشعبي آخذة في التلاشي بشكل واضح. ففي الماضي، لم يكن لأحد أن يلاحظ انخراط الشباب في الرقص في الحفلات الإسلامية، لكن حاليا لا ينفك الشباب عن الرقص على أنغام الأناشيد والزجل الذي يصدح به منشدو الفرق الإسلامية. وبما أن هذا يتم في غزة، فإنه من المستحيل ألا يتم صبغ حفلات الزفاف بالصبغة السياسية التنظيمية. ولأن معظم الذين يقيمون الحفلات التي تحييها فرق الفن الشعبي ينتمون لحركة فتح أو قوى اليسار، فإنه يطلب من المطربين ترديد الأغاني التي تمجد هذه التنظيمات، والعكس صحيح بالنسبة للحفلات التي تحييها الفرق الإسلامية، حيث يطلب من الفرق ترديد الأناشيد التي تمجد حركة حماس والجهاد الإسلامي. في الوقت نفسه، فإن الساحات والشوارع التي تقام فيها هذه الحفلات تتحول إلى مهرجان لهذا التنظيم أو ذلك، حيث تكتب الشعارات وتعلق اللافتات التي تشيد بهذا التنظيم أو ذلك.