نائب الرئيس الأميركي: الانسحاب في موعده وإن لم تتشكل حكومة عراقية جديدة

بايدن يقول إنه كان محقا عندما دعا لتقسيم العراق إلى 3 أقاليم لكنه يعترف بأن الوضع تغير

عنصران من الشرطة يستعرضان مهاراتهما خلال احتفال بتخرج دفعة جديدة من رجال الشرطة في بغداد أمس (رويترز)
TT

وصف الرئيس الأميركي باراك أوباما العراق بأنه حرب الاختيار لدى سلفه. والآن هي حرب الخروج لديه، وبصورة سريعة. والتحدي الذي يواجه أوباما، الذي ساعدته معارضته لغزو العراق على الفوز بالانتخابات الرئاسية، يتمثل في التمسك بالجدول الزمني الذي وضعه لانسحاب الجيش الأميركي من البلاد على الرغم من تصاعد العنف واستمرار الخلافات بين السياسيين العراقيين حول من يقود البلاد.

ويدير هذا الانسحاب الحساس نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي يقول إن الجيش الأميركي سيخفض مستوى القوات لديه في العراق إلى 50 ألف جندي خلال الصيف الحالي، حتى ولو لم تتشكل حكومة عراقية جديدة. وقال بايدن في مقابلة أجريت معه في مكتبه في الجناح الغربي من البيت الأبيض واستمرت لمدة 40 دقيقة، «سيكون الأمر صعبا؛ سينطوي على مزيج من الأمور السيئة والحسنة. بيد أنني أعتقد أن النتيجة النهائية ستكون أننا سنكون قادرين على الوفاء بالتزامنا».

ويقول مسؤولون بالبيت الأبيض إن العراقيين يعتمدون إلى حد كبير على السياسة، بدلا من العنف، في معالجة النزاعات، مما يقوض الحاجة إلى وجود القوات الأميركية. بيد أن الوضع على الأرض يوضح أن العراق لا يزال يعاني التمزق.

ولم تستطع الفصائل المتناحرة حتى الآن تشكيل حكومة جديدة، بعد ما يقرب من 3 أشهر من الانتخابات الوطنية، وبدأ السياسيون يحذرون من فراغ في السلطة في الوقت الذي تحاول فيه الجارة إيران التأثير على النتيجة. وحث عادل المهدي، أحد نواب الرئيس العراقي، جميع الأطراف، الشهر الحالي، على الاتفاق سريعا على قائد جديد، وذلك لدرء محاولات «العصابات الإرهابية استغلال الظروف الراهنة في البلاد للإضرار بالشعب العراقي والقوات المسلحة».

ويعد بايدن، الذي كان في السابق من بين أبرز القلقين بشأن تورط الولايات المتحدة في العراق، في الفترة الراهنة من بين أشد المتحمسين في البلاد. ويسعى إلى دفع إدارة أوباما تجاه مغادرة العراق وسط مخاوف متنامية بين بعض الناقدين المحافظين من أن الظروف الراهنة تجعل الانسحاب الأميركي السريع من البلاد خطيرا للغاية. ويعارض مسؤولون بارزون في الإدارة الأميركية القول بأن الديمقراطية الوليدة في العراق، التي تدافع عنها الآن قوات الأمن المحلية، أصبحت قوية بما فيه الكفاية لحل المشكلات التي تواجهها البلاد في ظل وجود عدد أقل من القوات الأميركية.

بيد أن بعض أنصار الإدارة يقولون إن هذا التحليل يستند بصورة أكبر إلى المطالب المتنامية للحرب في أفغانستان – التي من المتوقع أن يصل مستوى القوات الأميركية بها إلى 100 ألف جندي بنهاية الصيف الحالي – أكثر من استناده إلى تقييم محايد للتقدم في العراق. تدعو خطة الانسحاب إلى خفض عدد القوات الأميركية في العراق من 92 ألف جندي إلى 50 ألف جندي بنهاية شهر أغسطس (آب) المقبل، بالمقارنة بنحو 170 ألف جندي عام 2007. ومن المقرر أن تنسحب الدفعة الأخيرة من القوات الأميركية من العراق بنهاية عام 2011.

وفي تعليق نُشر عام 2006 في صحيفة «نيويورك تايمز»، حذر بايدن من أن «العراق يتجه نحو التقسيم على أسس طائفية وعرقية، وذلك بسبب الأخطاء الاستراتيجية والعميقة في التقدير لدى إدارة بوش». وكتب يقول: «إن الرئيس بوش ليست لديه استراتيجية لتحقيق النصر في العراق» وأمله الوحيد هو «الحيلولة دون وقوع الهزيمة وتمرير المشكلة إلى من سيخلفه».

وتكمن المشكلة الآن في بايدن، الذي جعله أوباما الرجل الأول في العراق فورا بعدما تولى الحكم في البلاد. ويعقد نائب الرئيس جلسة مراجعة شهرية في غرفة العمليات في البيت الأبيض، على غرار الجلسة التي يعقدها أوباما حول أفغانستان. ويؤكد المساعدون في البيت الأبيض أن موضوع العراق يتردد كثيرا في الاجتماعات الأسبوعية التي يعقدها الرئيس ونائبه.

بيد أن اختيار بايدن لإدارة السياسة في العراق أرسل رسالة غير مقصودة لبعض المراقبين خارج الإدارة. وقال ستيفاني سانوك، الباحث البارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الذي عاد في شهر ديسمبر (كانون الأول) إلى البلاد بعد عام قضاه في العراق، «إن ذلك يعطي انطباع الأولوية الثانوية، ليس فقط بالنسبة إلى الشعب العراقي، لكن أيضا بالنسبة إلى المنظمات غير الحكومية وفرق الأمم المتحدة التي تعمل هناك. ويسأل هؤلاء الأفراد: لماذا لا يوجد الرئيس في هذه اللحظة المهمة؟ لماذا لا نحصل على الدعم على أرقى مستوى؟ نائب الرئيس بايدن رجل قوي للغاية، لكنه ليس أعلى شخصية».

وبصفته رئيسا سابقا للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ لفترة طويلة، فإن لدى بايدن تاريخا من العلاقات الشخصية مع القادة العراقيين، وهو الشيء الذي استفاد منه في مساعدتهم على التعامل مع القضايا المقلقة. وقال مستشار بارز إن بايدن أوضح أن أوباما يصغي إليه كلما أراد ذلك. وفي الخريف الماضي، وأثناء الخلاف حول قانون الانتخابات الجديد الذي أثار الشكوك حول الانتخابات البرلمانية، زار بايدن بغداد ومدينة أربيل الكردية، على أمل الوصول إلى اتفاق. إلا أنه أخفق في ذلك. لذا عاد إلى أوباما، وطالبه بأن يتصل بمسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان، ليطالبه بدعم التسوية السياسية. وبعد يوم واحد من المحادثة الهاتفية مع أوباما، التي استمرت 20 دقيقة، فعل بارزاني ذلك.

واقترح بايدن في مقالة الرأي، التي كتبها عام 2006 مشاركة مع ليزلي إتش غيلب، إنشاء «3 مناطق تحظى بالحكم الذاتي مع حكومة مركزية قوية في بغداد»، وهو النظام الفيدرالي الذي قال عنه إنه على وجه التحديد شكل النظام الحالي. ومع ذلك، أُجبر بايدن خلال حملة عام 2008 على الدفاع عن الفكرة، التي قال عنها خصومه السياسيون إنها تدعو إلى تقسيم العراق. وقال بايدن إنه اليوم يشعر بأنه كان على حق إلى حد كبير، لكنه يقر بأن العراق تحرك «إلى أبعد مما كنت أفكر فيه في ذلك الوقت» لأن الأحزاب العرقية والطائفية المتعددة، على حد قوله، ترى أن هناك أهمية في المشاركة في السياسة.

ويقول بايدن: «إن الأمر الذي يوحد البلاد هو النفط. هناك الكثير من النفط، وهناك دلائل على زيادته في المستقبل، وهناك الكثير من الغاز الطبيعي، الذي ينتشر في جميع أنحاء البلاد. ويرى الجميع أن الحصول على نصيب شرعي من هذه الكعكة الكبيرة يعد بمثابة صفقة جيدة للغاية». ويؤكد أنه على ثقة بأن القادة العراقيين سيوافقون على حكومة يقبلها الناخبون قبل نهاية شهر أغسطس المقبل.

وحتى إذا لم تنجح الأطراف في ذلك، فإن الحكومة المؤقتة في العراق تعمل بصورة جيدة. ورفض بايدن التكهنات بتصاعد أعمال العنف، مثل تلك التي صاحبت الأزمة التي اندلعت بشأن قانون الانتخابات وغيرها من القضايا التي حلها القادة العراقيون. وقال بايدن إن الجنرال راي أوديرنو، القائد العسكري في العراق، لم يطلب قط من الإدارة تأجيل الجدول الزمني للانسحاب الكلي من البلاد. وصرح وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس للصحافيين الخميس الماضي بأن أوديرنو «أجل بعض خطط الانسحاب لفترة قصيرة» بعدما تم تحديد موعد الانتخابات العراقية في شهر مارس (آذار)، لكن غيتس قال إنه «يتوقع بأننا سنصل إلى مستوى الـ50 ألف جندي بحلول الأول من سبتمبر (أيلول)».

وقال بايدن: «لا أرى أي شيء في نطاق الاحتمالية من شأنه أن يجعلنا نفكر في أننا نحتاج إلى مزيد من الوقت، وأخمن أنك بمقدورك طرح أحد السيناريوهات، لكن لا أستطيع أن أفكر في أي سيناريو عقلاني قائم على ما هو موجود في الواقع. وبالمناسبة، الـ50 ألف جندي يعني عددا كبيرا من القوات». وفي الشهر المقبل، سيدير بايدن جلسة تركز على التحول السريع في العلاقة بين الحكومة الأميركية والحكومة العراقية من علاقة يغلب عليها الطابع العسكري إلى علاقة مدنية، بما في ذلك التدريب المكثف للشرطة وغيره من البرامج المصممة لتقوية الدولة العراقية.

وقال بايدن: «لقد استثمرنا على المدى الطويل للعمل من أجلهم، ولم نستثمر على المدى الطويل لكي نوصف بأننا محتلون. إنها عملية سحب الجيش، وتعزيز الخطاب المدني مع العراقيين».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»