استراتيجية واشنطن الأمنية الجديدة تتخلى عن عبارة «الحرب ضد الإرهاب»

أوباما يشدد على أهمية القوة الاقتصادية الداخلية والتعاون الدولي

آلاف الباكستانيين في مدينة كويتا الحدودية يتظاهرون أمس ضد نشر رسوم مسيئة للنبي في موقعي «فيس بوك» و«يوتيوب» (أ.ف.ب)
TT

كشف البيت الأبيض، أمس، عن استراتيجية الأمن الوطني الرسمية الأولى لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، التي يمزج فيها بين أهمية مواجهة «التطرف العنيف» والتخلي عن سياسات الإدارة السابقة التي أثارت الكثير من الاستياء الدولي ضد الولايات المتحدة. وتشكل الوثيقة المقدمة للكونغرس الأميركي خلاصة للسياسات الداخلية والخارجية التي تبناها أوباما منذ توليه الرئاسة بداية عام 2009، والتي تعتمد على التعاون الدولي ومواجهة التحديات الأمنية بأطر أوسع من السبل العسكرية البحتة. وبناء على إيمان أوباما بأن قوة الولايات المتحدة يجب أن تكون مزيجا من القوة العسكرية و«القوة الذكية» التي تدمج بين الدبلوماسية والتنمية، تشكل الاستراتيجية تغيرا مهما عن النهج الذي اتبعته إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش. وفي 52 صفحة، يضع أوباما رؤيته لمستقبل الولايات المتحدة والتهديدات التي تواجهها، مشددا على أهمية القوة الاقتصادية الداخلية وجعل الولايات المتحدة «قوية داخليا» من أجل مواجهة التحديات من الخارج. وأفادت وكالة «أسوشييتد برس» بأن أوباما كتب في مقدمة الوثيقة أن «استراتيجيتنا تبدأ بإقرار أن قوتنا ونفوذنا في الخارج تبدأ بالخطوات التي نتخذها في الداخل».

وبينما كانت إدارة بوش تركز على مواجهة «الإرهاب» وتنظيم القاعدة، معتبرة أنه يشكل التهديد الأكبر للبلاد ويجب مواجهته بالقوة العسكرية، تسعى إدارة أوباما إلى توسيع نطاق سبل مواجهة التهديدات المتعددة، من الإرهاب إلى الأزمة الاقتصادية.

وأضاف أوباما في المقدمة أن «ثقل القرن الجديد لا يمكن أن يقع على أكتاف أميركا وحدها»، مضيفا: «بل يريد خصومنا أن ننهك قوتنا من خلال التوسع الزائد». وتشدد الاستراتيجية الجديدة على الحذر من التوسع أكثر من قدرات الولايات المتحدة العسكرية والمالية والدبلوماسية. وهذا الحذر يعتمد على تعاون دولي من أجل تحمل المصاعب سوية، وهنا يأتي التفكير الأميركي بتوسيع مجموعة الدول الصناعية الثمانية لمجموعة العشرين. وقال أحد أبرز كتاب التقرير، نائب مستشار الأمن القومي بين رودز في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز»: «نحن ملتزمون جدا توسيع حلقة اللاعبين المسؤولين».

وأعلن أوباما في كلية «وست بوينت» العسكرية، السبت الماضي، الخطوط العريضة ومبادئ استراتيجيته الجديدة للأمن القومي، وهي وثيقة مطلوبة بحكم القانون من كل إدارة أميركية تقدم للكونغرس.

وقال أوباما خلال الخطاب: «بينما نخوض الحروب، علينا أن ننظر إلى الأفق إلى ما بعد هذه الحروب، لأن - على عكس الإرهابي الذي هدفه التدمير - مستقبلنا سيحدد حسب ما نبنيه»، وأضاف: «علينا أن نرى هذا الأفق، وكي نصله علينا أن نسعى إلى استراتيجية تجدد وطني وقيادة عالمية»، مؤكدا: «علينا أن نبني مصادر قوة الولايات المتحدة ونفوذها وبناء عالم أكثر سلما وازدهارا».

كما أشار أوباما، الذي يسعى جاهدا إلى إقالة الاقتصاد الأميركي من عثرته وخفض العجز المتزايد في الميزانية، إلى أنه سيؤكد من جديد العلاقة بين القوة الاقتصادية الأميركية والانضباط في الداخل واستعادة مكانة أميركا في العالم.

ويرجع كثيرون الفضل إلى أوباما في تحسين خطاب السياسة الخارجية الأميركية، لكنه ما زال يخوض غمار حروب لم تنته في أفغانستان والعراق، ومواجهات نووية مع إيران وكوريا الشمالية، وجهود السلام المتعثرة في الشرق الأوسط.

ويدخل العمل على منع «التطرف الداخلي» في الولايات المتحدة في استراتيجية الأمن الوطني وللمرة الأولى، وسط نقاش كبير حول استخدام القوانين الخاصة بالمقاتلين الأجانب لمن يتهم بالإرهاب ويحمل الجنسية الأميركية. ويأتي ذلك بعد الكشف عن عدد من الخطط الفاشلة لتوجيه ضربات إرهابية ضد الولايات المتحدة يقوم بها مشتبه فيهم يحملون الجنسية الأميركية، مثل المشتبه فيه بمحاولة تفجير ميدان «تايمز سكوير» في نيويورك فيصل شاه زاد.

وعلى الرغم من تأكيد أهمية الحرب في أفغانستان والتطورات في باكستان لمواجهة الإرهاب وتنظيم القاعدة، فإن الاستراتيجية الجديدة تتخلى عن عبارة «الحرب على الإرهاب». وكان جون برينان، كبير مستشاري أوباما لمكافحة الإرهاب والأمن الداخلي، قد قال أول من أمس: «لم نكن قط ولن نكون أبدا في حرب مع الإسلام». وبينما تتخلى إدارة أوباما عن استخدام عبارة «الحرب على الإرهاب»، المصطلح الذي اشتهر في عهد بوش، أوضح برينان في كلمته في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» بواشنطن أن الولايات المتحدة تخوض حربا، وليس على «الإرهاب» كعبارة، بل حربا فعلية ضد تنظيم القاعدة. وأضاف: «استراتيجية الرئيس لا لبس فيها في ما يتعلق بموقفنا.. الولايات المتحدة في حرب. نحن في حرب ضد (القاعدة) وروافدها الإرهابية». وعملت الإدارة الأميركية، أمس، على شرح استراتيجيتها على أوسع نطاق، إذ ألقت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون خطابا حول الجانب الدبلوماسي والتنموي للاستراتيجية، بينما كان من المرتقب أن يعقد مستشار الأمن القومي الجنرال جيم جونز مؤتمرا صحافيا مع ممثلي الإعلام الأجنبي لشرح الرؤية الأميركية للأمن.

ولاقت الاستراتيجية ترحيبا من قبل عدد من المعاهد الفكرية الأميركية. وقال الرئيس التنفيذي لمعهد «مركز الأمن الأميركي الجديد» (سيناس) ناثانيال فيك: «استراتيجية الأمن الوطني تجعل من الواضح أن القوة العسكرية هي فقط نتيجة واحدة من بين الكثير من العناصر التي تسهم في قوة الولايات المتحدة، من بينها نظام اقتصادي يساعد على النمو الصلب وسياسات هجرة تجعل الولايات المتحدة تجذب أفضل المواهب من حول العالم، بالإضافة إلى نظام تعليمي متفوق». وأضاف: «إذا استطعنا أن نضمن هذه الأساسيات فسيكون لدى الولايات المتحدة المصادر والقوة لهزم (القاعدة) ومكافحة انتشار الأسلحة النووية وبناء التحالفات الضرورية لمواجهة البيئة الأمنية المعقدة أمامنا». إلا أن أصوات جمهورية عدة انتقدت إدارة أوباما خلال الأيام الماضية، محذرا من أنه لا يواجه تهديد «الإرهاب» بالطريقة المناسبة. وكان بوش قد شدد على النهج العسكري في مواجهة التهديدات في استراتيجية الأمن الوطني التي قدمها عام 2002 وجددها عام 2006، وهي الأخيرة التي صدرت في الولايات المتحدة.