الناشط السياسي جورج إسحاق لـ «الشرق الأوسط»: الوضع الطائفي في مصر مخيف ومحتقن للغاية

أول منسق عام لـ «كفاية» يحذر البرادعي من مصير حركة كفاية ويؤكد رفضه للاستقواء بالخارج

جورج إسحاق مؤسس الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) («الشرق الأوسط»)
TT

أكد جورج إسحاق أول منسق عام للحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) أن علاقته بالحركة المعارضة لم تنتهِ، وإن كان ابتعد عن المناصب التنظيمية، نظرا للخلافات الداخلية في الحركة، التي فجرتها زيارته الأخيرة لأميركا لحضور مؤتمر تحالف المصريين الأميركيين، وعبر إسحاق رفضه للاستقواء بالخارج، مضيفا أنه مع الاستقواء بالشعب المصري في الداخل والخارج.

وكشف إسحاق، في حديث أجرته معه «الشرق الأوسط»، في شرفة منزله الواقع على بعد 200 متر من مقري البرلمان والحكومة بشارع قصر العيني بوسط القاهرة، عن خطابات رسمية بين نشطاء سياسيين ووزير بالحكومة المصرية أقر فيه بإمكانية إعداد كشوف جديدة للناخبين اعتمادا على الرقم القومي مع اعتماد التوقيع الإلكتروني في الانتخابات لضمان نزاهتها، وأن الوزير قال إنه يمكن إعداد ذلك خلال أسبوع واحد ولكن لا توجد إرادة سياسية.

* ما تفاصيل الخلاف داخل حركة كفاية، الذي تصاعدت أحداثه بعد زيارتك الأخيرة لأميركا؟

- زيارتي الأخيرة لأميركا شاركت خلالها في مؤتمر نظمه تحالف المصريين الأميركان، فاتهموني بالاستقواء بالخارج، وتلك كانت فكرة غير صحيحة لأننا من أول لحظة لتأسيس كفاية اتفقنا على عدم الاستقواء بالخارج أو بأي قوة خارجية، وأن اعتمادنا كله على الشعب المصري، وهذا موقف ثابت نصرّ عليه دائما، وهو أننا نستقوي بالشعب المصري في الداخل والخارج.

وخلال تلك الزيارة لأميركا لم ألتقِ بأي مسؤول أميركي أو بأي من منظمات المجتمع المدني الأميركية رغم أن من بينها الكثير من المنظمات التي تؤيد قضايانا وتهتم بها، ولكننا تقابلنا مع الجالية المصرية، وهذا حقنا. هناك مليونا مصري يعيشون في أميركا لهم ملايين الأقارب في مصر، فكيف ننقطع عن هؤلاء؟ كفاية خلطت الأمر بين الاستقواء بأميركا أو الاستقواء بالمصريين في الخارج، فالاستقواء بأميركا غير وارد لأن أميركا مصالحها مختلفة معنا، فكوندوليزا رايس (وزيرة الخارجية الأميركية السابقة) سبق أن قالت إن الاستقرار أفضل من الديمقراطية، هي وبلادها يبحثون عن مصالحهم ونحن نبحث عن مصالحنا مع أولادنا في الخارج، ولكن أن يستغل البعض في كفاية هذه الزيارة لترويج اتهامات سخيفة فهذا غير مقبول، ودفعني إلى إصدار بيان أعلنت فيه موقفي وأغلقت به هذا الملف تماما.

* وماذا حدث في مؤتمر تحالف المصريين الأميركيين؟

- وجّه إلي التحالف دعوة لحضور المؤتمر ولكني رفضتها، إلا أن أحد أصدقائي وهو عضو بالتحالف اسمه الدكتور شريف نصر ضغط علي وقال لي إنهم نظموا لي لقاءات أخرى بخلاف المؤتمر مع المصريين في أميركا، لذلك ذهبت لأن عملي هو أن أتواصل مع الناس وألتقي بهم في كل مكان، كما لبيت دعوة وجّهت إلي من مجموعة من المصريين في ولاية نورث كارولينا، فوجدتهم شبابا رائعا، ونظموا لنا ندوة في مقر جامعة نورث كارولينا حضرها نحو 55 مصريا ومصرية وكلهم من الشباب، أسسوا ما يسمى بـ«الجمعية المصرية من أجل التغيير»، وهم لا علاقة لهم بالجمعية التي أسسها البرادعي. ونحن لم نتحدث إليهم بصفتنا أعضاء في الجمعية الوطنية ولكن بصفتنا نشطاء سياسيين مصريين، وهم يعملون حاليا على توثيق جمعيتهم ليعملوا بشكل رسمي ومنظم. وطلبنا منهم نقطتين، الأولى أن يضغطوا في سبيل منحهم حق التصويت في الخارج في الانتخابات المصرية القادمة، والثانية أن يقدموا خدمات لوطنهم الأم مصر، الطبيب ينشئ مركزا طبيا في بلده، والمهندس يبني مشروعات، وهكذا.

وخلال وجودنا في أميركا حضرنا تأسيس فروع في ست ولايات أميركية للجمعية المصرية من أجل التغيير التي أسسها مصريون مهاجرون يعيشون في أميركا.

* كيف ترى المشهد السياسي في مصر؟

- المشهد السياسي محتقن للغاية، وأنا أرى أن القبض على 7 أو 8 من أعضاء جمعية البرادعي في دمنهور (180 كيلومترا شمال القاهرة) لأنهم يجمعون التوقيعات على بيان الجمعية الوطنية للتغيير، أبلغ دليل على أن حالة الطوارئ ستطبق على السياسيين وليس تجارة المخدرات والإرهابيين فقط، وفي رأيي أن تلك الواقعة هي أول تطبيق لقانون الطوارئ بعد موافقة البرلمان على المد الأخير له بعد التعديل الذي أصفه بأنه «نيو لوك». وحتى الاعتصامات والاحتجاجات أمام مقري البرلمان والحكومة لم يحتملها الأمن واشتبك مع العمال، وفي رأيي أن هذا الأمر خطير للغاية، وقد يكون بداية الشرارة التي ستحرق، إن لم تتفهم الحكومة ما يحدث من المعتصمين أمام مقري البرلمان والحكومة، فهي في غيبوبة بالفعل.

* في رأيك، إلى أي مدى يمكن أن تحقق الانتخابات المقبلة قدرا من النزاهة؟

- نحن طالبنا بانتخابات حرة وسليمة ونزيهة، والرئيس المصري حسني مبارك أعلن أن الانتخابات القادمة ستكون انتخابات حرة، وقال كلاما مرسلا دون أن يعلن كيف سيكون ذلك، فالانتخابات الحرة لها آليات، منها تنقية كشوف الانتخابات، وأن يكون التصويت بالرقم القومي والتوقيع إلكترونيا في كشوف الناخبين، ووجود رقابة محلية ورقابة دولية، كل ذلك لم يتحقق، مع أن الدكتور سمير عليش، وهو أحد الناشطين السياسيين، أرسل إلى الدكتور أحمد درويش وزير التنمية الإدارية يسأله عن إمكانية إعداد قوائم انتخابية جديدة تعتمد على الرقم القومي، فأجابه أن ذلك يستغرق أسبوعا، فراسله ثانية يسأل عن إمكانية تطبيق التوقيع الإلكتروني فأجاب الوزير أن ذلك يستغرق أسبوعا أيضا، وكل هذا مثبت في خطابات رسمية نحتفظ بها، وعندما سأل عليش الوزير عن المانع الذي يحول دون ذلك أجابه قائلا: «لا توجد إرادة سياسية». أنا أريد أن نلغي الإرادة السياسية ونستبدل بها الإرادة الشعبية، وهذا هو ما نسعى إليه في الجمعية الوطنية من أجل التغيير، وهو تكوين كتلة التغيير، عن طريق النزول إلى المحافظات والقرى، فالتغيير لن يتم إلا بالشعب المصري.

* كيف تقيم تجربة الدكتور البرادعي منذ بدايتها وحتى الآن؟

- التجربة في بدايتها كانت تسير بسلاسة وسهولة، وعندما أصبح لها هيكل تنظيمي بدأت تتعرقل، ولذلك أنا أرى أن الطريقة التي نعمل بها من تشكيل لجان ومنسقين وما شابه هي طريقة من العصور الوسطى، الطريقة الأنسب هي طريقة الشباب الذي عمل مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في حملته الانتخابية، وبالفعل مصر مليئة بشباب عظيم يمكنه القيام بهذا الدور، هذا هو الشكل الجديد الذي يجب أن نتبناه.

وفي الوقت نفسه، أنا أخشى على الجمعية الوطنية من نفس مصير حركة كفاية، ومن الخلافات والانشقاقات لأن القوى الوطنية في مصر ليست معتادة على العمل بشكل جماعي، فقد تظهر النعرات الحزبية وأمراض الأحزاب السياسية، وهي نفس الأمور التي قضت على كفاية.

* شعار كفاية وقت أن تأسست كان «لا للتمديد، لا للتوريث»، كيف ترى سيناريو التوريث في مصر من الرئيس حسني مبارك إلى نجله جمال؟ هل ما زال قابلا للتطبيق؟

- التوريث يختفي ولم يعد بنفس القوة لأن الناس بدأت تكتشف عدم صلاحية ذلك السيناريو، كما أن ظهور الدكتور البرادعي قلب الموازين وكان نقطة تحول مهمة. أعتقد أننا في فترة نهاية نظام مع اقتراب نهاية الفترة الحالية للرئيس مبارك.

* العنف الطائفي بين المسلمين والمسيحيين في مصر، ما تشخيصك لهذه الظاهرة المتنامية؟

- حل الاحتقان الطائفي السائد في مصر بسيط للغاية، وهو تشريع قانون لبناء دور العبادة وتطبيق القانون على من أخطأ أيا كان دينه، بدلا من عمل مجالس صلح عرفية تعمل كمسكّن لتخطي الأزمة، لأن ما يحدث الآن من سجال في القنوات الفضائية بين رجال الدين المتشددين من الطرفين شيء خطير. أنا كمسيحي لا أطيق أن أشاهد برنامجا للقس زكريا بطرس لخمس دقائق، وكذلك الأمر للشيوخ المسلمين ذوي الآراء المتطرفة. الحل يجب أن يكون بدايته من التعليم، التعليم لا بد أن يعلم الأطفال المواطنة وتقبّل الآخر، وهناك نقطة أخرى مهمة، وهي أن يخرج المسيحيون من كنف الكنيسة. أنا أقدر البابا شنودة الثالث بابا المسيحيين الأرثوذكس وأعترف له بالزعامة الدينية، لكنه لا يجب أن يتكلم باسم الأقباط، الوضع الطائفي في مصر مخيف ومحتقن للغاية.

* دائما ما كنت ترفض أن تتحول كفاية إلى حزب سياسي، كيف ترى واقع الأحزاب السياسية في مصر؟

- لكي توجد أحزاب سياسية في أي بلد لا بد أن تتوافر أولا حياة سياسية سليمة بالمعنى المفهوم، الأحزاب الموجودة حاليا تفتقد كل المقومات المطلوبة، وضعيفة، وتنتظر فتات الموائد.

* وماذا عن دور جماعة الإخوان المسلمين في الحياة السياسية في مصر؟

- الإخوان المسلمون يجب أن يكون لهم خط واضح، وأن يفصحوا عما يريدون بالضبط، ولا يكفي ظهور رموزهم في المظاهرات، يجب أن يخرجوا بجماهيرهم لتأكيد وجودهم على الساحة، نحن نعرف حجمهم وفرصتهم، ولا أعرف لماذا لا يستطيعون الانطلاق بالقوة المفترضة لهم. أنا مختلف معهم خلافا شديدا - رغم علاقة الصداقة التي تجمعني بعدد من قياداتهم - بسبب برنامج حزبهم الذي قالوا فيه إن المسيحيين والمرأة لا يتولون الولاية الكبرى (رئاسة الدولة). الأخوان قوة لا يمكن تجاهلها أو تجنبها ولا يستهان بوجودها في الساحة.

* كمدرس لمادة التاريخ، كيف ترى الفترة الحالية من تاريخ مصر؟ وهل لها مثيل في فترات تاريخية سابقة؟

- هي فترة متردية على كل المستويات، وأرى أن شعار الحزب الوطني (الحاكم) الذي رفعه مؤخرا، وهو «من أجلك أنت» صحيح تماما، فمن أجلك أنت التعليم لا يصلح، ومن أجلك أنت لن تجد علاجا، ومن أجلك أنت المعاملة سيئة في أقسام الشرطة. وأرى أن الفترة الحالية تشبه تردي الأوضاع في فترة نهاية حكم المماليك، ولكني أرى في الأفق أملا أن مصر ستنهض مرة أخرى من الكبوة الحالية، مصر الآن تشبه مريضا حالته صعبة ويرقد في العناية المركزة، ولكنه سيشفى.

جورج إسحاق

* أحد مؤسسي الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية)، وتولى منصب المنسق العام لها بعد البيان التأسيسي لأول مؤتمر عقدته الحركة في سبتمبر (أيلول) 2004، وحتى يناير (كانون الثاني) عام 2007، حين خلفه في هذا المنصب المفكر الكبير الراحل عبد الوهاب المسيري.

* بدأ حياته بالعمل مدرسا للتاريخ، ثم خبيرا تربويا، ثم تقلد منصب مدير المدارس الكاثوليكية بمصر لفترة طويلة، وبعدها عُين مستشارا إعلاميا لها.

* تم اعتقاله في 9 أبريل (نيسان) 2008، على خلفية اتهامه بالتحريض على قيام إضراب 6 أبريل، وقد تم الإفراج عنه لاحقا.

* يعد نموذجا حيا للأقباط المعتدلين، فهو يعترف بحق الإخوان المسلمين في الوجود والمشاركة السياسية.

* تخرج في قسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1964.