أكسفورد تتخلى عن أحد أبرز تقاليدها

إحدى أعرق كلياتها تسقط «اختبار الكلمة الواحدة» للملتحقين الجدد

(من اليمين) السير كريستوفر رين، وتي إي أورانس (لورانس العرب)، وجوزيف ستيغليتز الحائز على نوبل في الاقتصاد، والكاتب هيلاير بيلوك
TT

بدا الامتحان بسيطا، لكنه كان عصيبا، حيث كان يتعلق بكلمة واحدة مثل «ماء» أو «تحيز». كان يتعين على الممتحنين على مدار ثلاث ساعات وضع هذه الكلمة في مقال متناغم. وكان اجتياز هذا الاختبار واحدا من شروط القبول لدى «أول سولز كوليدج»، وكان يرمي إلى اختبار مدى سرعة الخاطر والبديهة. إلا أنه بدا في بعض الأحيان اختبارا للقدرة على التظاهر بالذكاء في وقت لا يدلي فيه المرء بقول ذي أهمية حقيقية.

وسبق أن وصف المؤرخ روبن بريغز أسلوب صياغته مقالا عن «البراءة» عام 1964 خلال اجتيازه هذا الاختبار بقوله: «إنه اختبار في مدى براعة تجنب الرد على السؤال». وجاءت إجابة بريغز بمثابة جولة افتتحها بالحديث عن أوبرا «داس رينغولد» لفاغنر، ثم انتقل إلى عناصر أخرى بينها أبطال رواية «ستيندهال» والفظائع التي انطوى عليها معسكر الأسرى في رواية «فري فول» (السقوط الحر) لويليام غولدنغ.

لكن شباب أكسفورد لن تتاح أمامهم بعد الآن فرصة إظهار مهاراتهم الفكرية البهلوانية على هذا النحو، حيث قررت «أول سولز كوليدج»، إحدى كليات جامعة أكسفورد، على مضض إلغاء امتحان الكلمة الواحدة.

عند استعراض تاريخ الامتحان، نجد أنه ظل يعقد سنويا منذ عام 1932 (وعلى نحو متقطع قبل ذلك) كجزء من مجموعة من الاختبارات المرهقة التي كانت تستمر لعدة أيام في صور متنوعة، وجرى عقدها منذ عام 1878، وحازت لقب أصعب اختبار في العالم. وكانت لحظة الكشف عن الكلمة الواحدة التي يدور حولها الاختبار في وقت من الأوقات حدثا بالغ الإثارة لدرجة أن غير المتقدمين للالتحاق بالكلية كانوا يحتشدون خارج أبوابها سنويا في انتظار الحصول على أنباء عن فحوى الاختبار. وكان الممتحنون أنفسهم يتعرفون على الكلمة محل الاختبار من خلال فتح ورقة مطوية حيث توجد بها الكلمة مطبوعة حيث تقف بمفردها أشبه بآلة حرق بالغة الضآلة.

لكن هذا الوقت ولى الآن. وقال السير جون فيكرز، عميد الكلية: «لعدد من السنوات أخفق الاختبار القائم على كلمة واحدة في إثبات أنه طريقة ذات قيمة توضح نقاط القوة لدى المرشحين للالتحاق بالكلية».

داخل جامعة تعج بالكليات التي تختص كل منها بتقاليد مميزة لها، لا تزال «أول سولز كوليدج» تحتل مكانة متميزة لما تقدمه من ثراء فكري وما تمثله من إلهام. تأسست الكلية عام 1438، ولا تضم سوى طلاب الدراسات العليا (ماجستير ودكتوراه). تضم الكلية حاليا 76 زميلا ينتمون إلى المراتب العليا من الأكاديميين والشخصيات رفيعة المستوى من الحياة العامة. وقد جاء السماح لغالبيتهم بالانضمام إلى الكلية بناء على قوة الإنجازات التي حققوها ومؤهلاتهم العلمية الرفيعة.

ومن بين الزملاء السابقين للكلية السير إيساياه برلين والسير كريستوفر رين وويليام غلادستون وتي. إي. لورانس (لورانس العرب). ويقال إن هيلاير بيلوك وجون بوشان فشلا في الالتحاق بالكلية. وفي السنوات الأخيرة، ضمت قائمة الزملاء أحد الفائزين بجائزة نوبل والكثير من الوزراء وعضوا متقاعدا بارزا بمجلس اللوردات ووزير عدل.

إضافة إلى ذلك، يجري سنويا اختيار اثنين من العلماء الشباب من طلاب أكسفورد الذين تخرجوا حديثا بأعلى نتيجة أكاديمية ممكنة. يطلق على هؤلاء لقب «زملاء اختبار»، ويمنحون الكثير من المزايا منها توفير غرفة للإقامة ووجبات كاملة و14783 جنيها إسترلينيا (قرابة 21 ألف دولار) سنويا لفترة تستمر سبع سنوات، إضافة إلى الدخول في نقاشات واسعة المعرفة خلال مآدب يحضرها أقرانهم.

إلا أنه يتعين عليهم أولا خوض الاختبار الذي يتألف من كتابة مقالات على مدار 12 ساعة خلال يومين. يتناول نصف المقالات التخصص الأكاديمي للمتقدمين للالتحاق بالكلية، بينما يتناول النصف الآخر موضوعات عامة، مع طرح أسئلة مثل: «أليس هناك ما يخشاه الأبرياء؟» أو «أليس ارتفاع درجات حرارة الأرض أفضل من انخفاضها؟» أو «كم عدد الناس الذين ينبغي وجودهم في الحياة؟» و«هل يتبدل الوضع الأخلاقي لحفل ما إذا ارتدى المشاركون الزي الرسمي للنازيين؟».

ورغم صعوبة هذه الأسئلة، فإن اختبار الكلمة الواحدة (المعروف باسم اختبار المقال) هو الذي يبقى عالقا في أذهان الخريجين لعقود تالية. ومن بين الكلمات التي دار عنها هذا الاختبار «الأسلوب» و«الرقابة» و«الإحسان» و«التناسل» و«الحداثة» و«الفوضى» و«الرحمة».

لم يكن هذا اختبارا لأي شخص، حيث شرح بريغز، الذي يتولى تدريس التاريخ المعاصر منذ فترة بعيدة في أكسفورد، أن «الكثير من المرشحين للالتحاق بالكلية، وبعضهم كان من أفضل أبناء عصره، بدوا في حيرة من أمرهم في مواجهة هذا الاختبار».

ومع ذلك، وجده آخرون مبهجا. فعلى سبيل المثال، وصف ماثيو إدوارد هاريس، أحد المتقدمين سابقا للالتحاق بالكلية، في مقال مؤخرا في صحيفة «الديلي تليغراف» البريطانية اختبار المقال بأنه «متعة ذكية»، مشيرا إلى الاختبار الذي خاضه عام 2007 عن «التناغم». وقال إنه قبل خوضه الاختبار عقد العزم على أنه بغض النظر عن الكلمة التي سيلقاها، سيطرح إجابته على نسق الجدلية الهيغلية، وخلال الامتحان تحول لاحقا إلى مناقشة كتابات كانط. وفشل هاريس في اجتياز الاختبار.

والمثير أن هاري ماونت، خريج أكسفورد ومؤلف كتاب «كاربي ديم: أدخل قليلا من اللاتينية إلى حياتك»، فشل هو الآخر في اجتياز الاختبار. ودار الاختبار الذي خاضه عام 1994 عن «المعجزات». وعن إجابته، قال ماونت: «تحدثت عن تماثيل السيدة العذراء الباكية في أيرلندا ومثل هذه الأمور. تناولت إجابتي المعركة بين الإيمان والشك. كنت أنا شخصيا من المشككين ولم أكن أؤمن بالمعجزات، وربما كان هذا موقفا سلبيا. وكنت قد فرغت لتوي من قراءة كتابات كارل بوبر ونظريته حول التزييف. لذا، كنت متأثرا بها».

من ناحيته، قال جاستين والترز، مؤسس ورئيس شركة «إنفستيس»، وهي شركة خدمات اتصال عبر شبكة الإنترنت، إن كتابة مقال عن «الفساد» «لم يرق لنصف مستوى صعوبة الاختبار الشفوي الذي خضته بعد ذلك بعدة أسابيع في مواجهة صف طويل من الزملاء على الجهة المقابلة من طاولة كنت أجلس عليها». وأشار إلى أن أحد الزملاء الممتحنين سأله: «والترز، لقد طرحت بعض النقاط المثيرة في مقالك، هل أنت على استعداد للدفاع عنها؟». للأسف، لم تكن في ذاكرته سوى صورة مشوشة عما كتبه في الاختبار. لكن لا بد أنه فعل أمرا ما صائبا لأنه نجح في الاختبار.

يذكر أن السير جون، العميد الحالي للكلية، سبق له العمل في وظيفة كبير الخبراء الاقتصاديين في بنك أوف إنغلاند وكان رئيسا لـ«الجمعية الملكية الاقتصادية»، من بين وظائف أخرى تقلدها. ولم يفصح عن الكثير مما خاضه في اختبار المقال عام 1979 وكان عن «التحول». وقال: «تنتابني قشعريرة لدى التفكير فيما كتبته».

* خدمة «نيويورك تايمز»