«الشاباك» يبتز مرضى غزة ويساومهم على التخابر لحسابه

لا يستثني أحدا حتى كبار السن

TT

كان ياسر ينتظر هذا اليوم بفارغ الصبر، فقد بذل جهدا كبيرا واضطر للتوجه لكثير من الجهات من أجل مساعدته في الحصول على تصريح للتوجه من غزة إلى القدس لإجراء عملية جراحية لإنقاذ عينه اليسرى من تقرحات أصابتها. لكن فرحة ياسر وئدت في مهدها. فهو عندما توجه من بيته في مدينة غزة إلى معبر «إيرز» العسكري، الذي يقع على الحدود الفاصلة بين شوال شرق قطاع غزة وإسرائيل، طلب منه أحد الجنود الإسرائيليين أن يرافقه إلى أحد المكاتب في المعبر.

وفي المكتب وجد ياسر نفسه في مواجهة أحد ضباط جهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلية (الشاباك)، الذي أبلغه بعد أخذ ورد أن عليه أن يصبح مخبرا للسلطات الإسرائيلية وأن يقدم معلومات عن تحركات رجال المقاومة في قطاع غزة قبل أن يسمح له بالتوجه للقدس لإجراء العملية الجراحية في عينه. وطبعا رفض ياسر العرض بقوة، فغضب ضابط «الشاباك» وتوعد بألا يدعه يغادر قطاع غزة.

ولم يكن ياسر، الفلسطيني الوحيد الذي يتم التعامل معه على هذا النحو من قبل «الشاباك»، فمعظم الفلسطينيين الذين يحصلون على تصاريح للتوجه إلى إسرائيل أو الضفة الغربية ويمرون عبر معبر «إيرز» تجري مساومتهم بهذا الشكل المذل.

فهناك أيضا السيدة الفلسطينية من جنوب القطاع التي تعاني من مرض السرطان، وحصلت على تحويلة لإجراء عملية جراحية في أحد المستشفيات الإسرائيلية. وتوجهت هذه السيدة قبل أسبوعين إلى معبر «إيرز» في طريقها إلى المستشفى، وبالطريقة نفسها ساومها ضابط «الشاباك» على القبول بالعمل كمخبر للسلطات الإسرائيلية مقابل السماح لها بالتوجه لإجراء العملية.

ومما لا شك فيه أن إحدى أكثر محاولات الابتزاز الإسرائيلي للمرضى مأساوية، هو ما تعرض له أستاذ جامعي فلسطيني تجاوز السبعين من عمره كان يعاني من مرحلة متقدمة من السرطان، وكان من المقرر أن تجرى له عملية جراحية في أحد المستشفيات الإسرائيلية. وعندما توجه هذا الأستاذ الذي طلب عدم ذكر اسمه، إلى «إيرز»، فوجئ بأنه يقاد إلى أحد المكاتب ليكون وجها لوجه مع ضابط «شاباك» لا يتجاوز السادسة والعشرين من العمر، يساومه بين السماح له بالمرور لتلقي العلاج وبين موافقته على العمل كمخبر، وعندما حاول المريض أن يشرح له مكانته العلمية والعملية وعمره المتقدم، وقبل ذلك مكابدته مرضا في مراحل نهائية، سخر منه ضابط المخابرات، وأبلغه أنه سيكون لديه ما يمكن أن يسهم به في ضرب المقاومة الفلسطينية إن أراد، وعندما رفض العجوز العرض، لم يتردد الضابط في نهره وطرده من المكتب ليعود إلى غزة، حيث فارق الحياة بعد أسبوعين فقط.

وحسب مصدر أمني في غزة تحدثت إليه «الشرق الأوسط» فإنه من خلال استجواب الفلسطينيين الذين يمرون عبر المعبر تبين أن ضباط «الشاباك» لا يضيعون فرصة، ويبذلون كل جهد لابتزاز الناس لإقناعهم بالتخابر لحسابه. وأضاف المصدر أن الأجهزة الأمنية تعكف على استجواب جميع الناس الذين يمرون عبر المعبر، للتعرف على طابع الأسئلة التي يوجهها ضباط «الشاباك»، وفي الوقت نفسه لتحذيرهم من مغبة التجاوب معهم، على اعتبار أن هذا يمثل جريمة وطنية.

وحسب المصدر، فإن الأجهزة الأمنية تنطلق من افتراض مفاده أن هناك عددا من المواطنين يقبل بعروض «الشاباك» تحت وطأة الظروف والابتزاز، مشيرا إلى أنه تبين من خلال التحقيق أن «الشاباك» جند بالفعل عملاء من خلال مرورهم عبر «إيرز».

في هذه الأثناء توعد وزير الداخلية والأمن الوطني في الحكومة المقالة بغزة فتحي حماد، العملاء بحرب شرسة في حال لم يسلموا أنفسهم خلال فترة التوبة التي أعلنتها حكومته وتنتهي في العاشر من يوليو (تموز) القادم. وفي تصريحات للصحافيين الليلة قبل الماضية أوضح حماد أن التحقيقات التي أجرتها الأجهزة الأمنية أظهرت الدور الخطير الذي يقوم به العملاء في «كشف المقاومة الفلسطينية وتزويد سلطات الاحتلال بمعلومات تفصيلية عنها».

ويأتي هذا التصريح في الوقت الذي تواصلت فيه الحرب النفسية التي تشن على العملاء من أجل إقناعهم بتسليم أنفسهم؛ إذ تقوم الإذاعات المحلية بتخصيص أيام بث مفتوحة لمطالبة العملاء بتسليم أنفسهم، تستضيف فيها رجال دين ونوابا في المجلس التشريعي لحث العملاء على التوبة وتسليم أنفسهم.