ليبيا: «الجماعة المقاتلة» تشن حربا لفضح أفكار «القاعدة»

أعلنت نبذ العنف وأدانت الهجمات على المدنيين

TT

بدأت حياته كمقاتل، حينما لبى النداء إلى الحرب المقدسة، وانتهت داخل سجن في وطنه ليبيا. بين بداية تلك الحياة ونهايتها شن سامي السعدي هجمات ضد نظام الزعيم الليبي معمر القذافي، لينتقل فيما بعد ليكون ضمن الدائرة المقربة من أسامة بن لادن وصديقا لمحمد عمر زعيم طالبان. وقد أفرج عن السعدي الذي يعرف باسم (أبو منذر الساعدي) وعدد آخر من قادة الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة في مارس (آذار) بعد نبذ العنف ونشر مراجعات الجماعة، ويشنون الآن حربا فكرية لاجتثاث الفكر المتطرف وبيان زيف «القاعدة».

ودعا سيف الإسلام القذافي لدى إطلاق سراح السعدي إلى نبذ هذه الحقبة من تاريخ ليبيا بالقول: «دعونا نطرح هذا الفصل الأسود في تاريخ ليبيا خلفنا». وقد انضمت ليبيا، التي صنفت في السابق بأنها إحدى الدول الراعية للإرهاب، إلى عدد قليل، ومتنام في الوقت ذاته، إلى الدول العربية والأفريقية التي استخدمت برامج التأهيل القائم على الدين لعزل «القاعدة» وتحصين المسلمين من أفكار أسامة بن لادن. وقد أفرج عن العشرات من هؤلاء المقاتلين بموجب هذا البرنامج. ويقول المسؤولون الأميركيون إنهم يراقبون لبيان إمكانية استخدام هذه النماذج كأسس لمحاربة التطرف في وقت لا تزال «القاعدة» تعتبر تهديدا استراتيجيا بعيد المدى.

ويقول روهان غونارانتا، رئيس المركز الدولي للعنف السياسي وأبحاث الإرهاب في سنغافورة: «إنها جبهة جديدة في الحرب ضد الإرهاب». بيد أن التجربة الليبية تبرز أيضا قصور الجهود في إصلاح الإسلاميين الذين ألقوا باللائمة على السياسات الأميركية وقضوا شبابهم في محاربة ما اعتقدوا أنه ضد تعاليم الإسلام. في لحظة ما، بدا السعدي، الذي كان يعتبر رئيس اللجنة الشرعية للجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة وأحيانا أخرى نائبا لأمير الجماعة ومتحدثا رسميا باسم الجماعة في بعض الأحيان، قادرا على تشكيل بداية جديدة، وقال: «ربما نتمكن من إقناع (القاعدة) بعدم مهاجمة الغرب»، وعبر عن شكوكه في القدرة على القيام بذلك بالقول: «لا أعتقد أن بن لادن ينادي بقتل مدني واحد».

ينتمي السعدي إلى عائلة متدينة ثرية، ترك الجامعة عام 1988 ليشارك في الجهاد ملبيا مستجيبا لدعوات أطلقها رجال دين لتحرير أفغانستان من السوفيات. وقال إنه سافر في البداية إلى السعودية ثم إلى باكستان مع عشرات من المقاتلين الليبيين، ثم فيما بعد إلى أفغانستان حيث التقى أسامة بن لادن في معسكر التدريب وتأثر بشخصيته. بعد انسحاب الجيش السوفياتي من أفغانستان أسهم السعدي في تأسيس «الجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة». وكان هدفها الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي وتحويل ليبيا إلى إمارة إسلامية، وفي نهاية التسعينات شنت الجماعة عشرات الهجمات في ليبيا من بينها ثلاث محاولات لاغتيال القذافي. وقال السعدي وهو يجتر ذكريات الماضي، وابتسامة باهتة تلوح على وجهه: «لم يكن هناك سبيل سوى مواجهة النظام بالقوة». وأوضح السعدي واثنان من قادة الجماعة في أول لقاء مطول لهم مع صحافيين منذ الإفراج عنهم في مارس (آذار) من العام الحالي أن الجماعة ازدهرت في ظل حكم جماعة طالبان وكونت روابط قوية مع قادة النظام الأصولي. لكنها انقسمت بشأن «القاعدة». وخلال اللقاءات الكثيرة التي سبقت هجمات 11 سبتمبر (أيلول) حث بن لادن المقاتلين على الانضمام إليه في قتال الغرب، خاصة الولايات المتحدة.

لقيت الفكرة معارضة من بعض المقاتلين الذين حذروا من أن الولايات المتحدة سترد الضربة على طالبان. وقال خالد الشريف القائد العسكري للجماعة: «لم يكن لدينا تطلعات بنقل القتال خارج ليبيا». لكن عددا آخر من المقاتلين تبنوا رأي بن لادن في الجهاد العالمي. ولعل المثال الأبرز على ذلك، أبو يحيى الليبي، الزعيم الروحي لفرع «القاعدة» في شمال أفريقيا، المعروف بـ«القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، والتي شنت سلسلة من التفجيرات الانتحارية وقتل الرهائن الغربيين.

بعد 11 سبتمبر (أيلول) فر الكثير من قادة «القاعدة» الليبيين إلى أفغانستان وقام عملاء الاستخبارات الأميركية والباكستانية باعتقال الشريف في بيشاور عام 2003 واعتقل السعدي في الصين عام 2004. وتم اعتقال أمير الجماعة عبد الله الصادق في بانكوك عام 2004. وتم تسليم قيادات الجماعة الثلاثة إلى القوات الأميركية التي سلمتهم بدورها إلى السلطات الليبية، وقال مسؤولون ليبيون إن الرجال بمجرد وصولهم إلى طرابلس وضعوا في زنزانات صغيرة.

وفي أواخر عام 2008 وصل العرض من سيف الإسلام القذافي: «انبذوا العنف واحصلوا على حريتكم». شكل انضمام الليبيين إلى «القاعدة» في بلاد المغرب العربية في دولة الجزائر المجاورة مثار قلق للحكومة الليبية.

وكان العرض نادرا في العالم العربي، حيث استخدمت الأنظمة الوحشية في قمع المعارضة السياسية، وعارض مسؤولو الأمن الليبيون هذه الخطوة، لكن سيف الإسلام أقنع والده بأن هذه الجماعة لم تعد تشكل تهديدا. وقال سيف الإسلام، الذي لا يشغل منصبا رسميا في الحكومة، لكنه برز كصوت نافذ في تعزيز المصالحة الوطنية: «أريد أن تكون ليبيا مكانا آمنا». كانت الخيارات محدودة بالنسبة للمقاتلين المعتقلين، فقد عانت جماعتهم من خسائر عسكرية بالغة. ودخل المفكر الإسلامي المعتدل علي الصلابي على خط الوساطة وقام بعقد حوارات دينية مع المقاتلين المعتقلين. وعقد الصلابي جلسات مستقلة مع قادة الجماعة الذين يتوقع أن يقوموا بتوجيه المقاتلين تحت إمرتهم. وبتشجيع من سيف الإسلام كتب قادة الجماعة بيانا من 400 صفحة أعلنوا فيه نبذ العنف وتحدوا فلسفات «القاعدة» وأدانوا الهجمات على المدنيين الغربيين في البلاد الإسلامية. لكن بعض القادة الذين انشقوا عن الجماعة الأصلية أعلنوا انضمام الجماعة لـ«القاعدة». وأعلن الكثير من المقاتلين السابقين أنهم لا يزالون يؤمنون بشن حرب ضد القوات الأميركية في العراق وأفغانستان، كما يرون في العمليات التي تجري داخل المناطق الفلسطينية والصومال حيث يقاتل الإسلاميون الحكومات المدعومة من قبل الولايات المتحدة أشكالا من الجهاد. وقال عبد الله الصادق، أمير الجماعة: «عندما تغزو القوات الأميركية بلدا ما فإن التمرد يكون أمرا مشروعا وقانونيا. ومن وجهة نظر دينية يجوز لنا دعمهم. وإن السياسات الأميركية في إسرائيل والأماكن الأخرى تضيف الزيت إلى النار».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»