إذاعة الجيش الإسرائيلي تبث مقابلة قديمة مع جاسوسها الأشهر الذي أعدمته سورية

رسالة كشفت تفاصيل جديدة.. وتشويشه على السفارة الهندية أدى إلى اعتقاله

TT

كشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي، أمس، أن مواطنا سوريا بعث برسالة إلى إسرائيل قبل سنتين كشف فيها أسرارا كثيرة حول الجاسوس الإسرائيلي في سورية، إيلي كوهين.

وقد بث البرنامج مساء أمس، لمدة ساعة، بمناسبة مرور 45 عاما على إعدام إيلي كوهين (18 مايو/ أيار 1965) الذي لم يعرف بعد بدقة كيف جرى الكشف عنه.

وكوهين ولد في الإسكندرية، كابن لعائلة سورية الأصل، سنة 1924. هاجر إلى إسرائيل سنة 1957، بعد أن كان تجند للحركة الصهيونية وعمل على تهجير اليهود من مصر. بعد سنتين تزوج من ناديا، وهي يهودية من أصل عراقي، وأنجبا ثلاثة أولاد. عندما كانت زوجته حاملا في الشهر الثامن بابنهما البكر جنده «الموساد» (جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي). وأبلغه أنه يريده للخدمة في سورية. وتم إعطاؤه شخصية رجل أعمال سوري يعيش في الأرجنتين. وأرسل إلى بيونس أيريس للتدريب ثمانية شهور، اندمج خلالها مع الجالية السورية هناك. ثم سافر إلى سورية والتعليمات أن يتقرب من النظام الجديد (حزب البعث) بقيادة أمين الحافظ الذي ادعى كوهين أنه تعرف إليه في الأرجنتين (أمين الحافظ نفى ذلك تماما في مقابلات صحافية جرت معه قبل ثماني سنوات).

في دمشق عرف نفسه على أنه رجل الأعمال كامل أمين ثابت، يبحث عن سبل للاستثمار في الوطن. وقد أجرت إذاعة دمشق مقابلة معه آنذاك في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) 1962، أعادت إذاعة الجيش الإسرائيلي بثها أمس، في البرنامج المذكور، فسألوه عن سبب عودته إلى الوطن فقال: «في النوادي العربية هناك (في بيونس أيريس) كان يأتي إلينا أرجنتيون ويسألوننا عن سورية. وكنا نحرج ونخجل لأننا لا نعرف شيئا عنها. ونحن سوريون والدم العربي يغلي في عروقنا، فقلت لا بد أن أذهب إلى سورية.

والمعروف أن إيلي كوهين تعرف إلى شخصيات كثيرة رفيعة في سورية، بينها صلاح جديد، الذي أصبح فيما بعد رئيسا للجمهورية السورية بعدما انقلب على أمين الحافظ. وكاد يعين نائبا لوزير الدفاع السوري. ولكن أمره قد كشف وحكم عليه بالإعدام. وتدخلت قوى كثيرة في العالم لمنع إعدامه، بينها الرئيس الفرنسي شارل ديغول وملكة بريطانيا وبابا الفاتيكان بولس السادس. لكن الرئيس أمين الحافظ رفض، وقد أعدم في ساحة الشهداء في 18 مايو 1965.

ومنذ ذلك الوقت وإسرائيل تحاول معرفة كيفية اكتشافه ولا تفلح، حتى قبل سنتين، عندما وصلت رسالة إلى شقيق إيلي كوهين من سورية كتبها شخص رفض ذكر اسمه، ولكنه قال إنه عرف إيلي كوهين وتصادق معه هو وعدد من أفراد عائلته، الذين اعتقلوا في حينه معه. وروى في الرسالة قصة كوهين على سبع صفحات. ومما قاله إن كوهين (الذي أصر الكاتب على تسميته كامل) كان إنسانا رقيقا ومتواضعا، وأقام علاقات طيبة مع جيرانه وأصدقائه.

وكشف أن أصدقاءه السوريين كانوا يشكون في أنه ليس رجل أعمال كما قال لهم، وأن تصرفاته الغريبة توحي بأنه مليء بالأسرار. وقال له أحد الأصدقاء «أنت يهودي»، بسبب بخله، فغضب جدا. وسأله صديق آخر: لماذا لا تزور إسرائيل فأنت تحمل جواز سفر أرجنتيني، فقال إن الأشكناز هناك يضطهدون الشرقيين ويخشى من أن يضايقوه. وسافر مع أصدقائه إلى الجولان وراح يلتقط الصور فحاولوا منعه قائلين إن المخابرات ستحبسه، فرفض الانصياع. وعندها همس أحدهم بأذنه: «نحن نشك فيك. ولكننا لن نشي بك. واعلم أنه في حالة اعتقالك، سوف تمزقك المخابرات». (هنا روت العائلة أنه قام بآخر زيارة إلى الجولان في أكتوبر/ تشرين الأول 1964) وبدا عليه الخوف والقلق، ولكن يبدو أن مشغليه رفضوا إنهاء مهمته.

وقال كاتب الرسالة إنه يعتقد أن أحد أصدقائه ويدعى وليد أبلغ المخابرات بشكوكه. ولكن المشكلة الثانية التي وقعت له وساهمت في كشفه، هي عندما صعد أحد جيرانه إلى السطح وشاهد كوهين وهو منبطح أرضا ويستمع إلى جهاز ما، فسأله عن الخبر فأجابه أنه يصلح جهاز الالتقاط الإذاعي. لكن الجار لم يقتنع ويعتقد أنه وشى به.

والأمر الثالث الذي ساهم في كشفه هو أن تشويشات ظهرت في الالتقاط لأجهزة اللاسلكي في السفارة الهندية في دمشق، القريبة من مكان سكن كوهين. فأبلغ الحراس المخابرات. وأرسلت المخابرات السورية جهازا لاكتشاف مصدر التشويش فاهتدت إلى الشقة التي يسكنها كوهين، فتقرر القبض عليه.