أميركا توزع المال في أفغانستان لمحاربة «طالبان»

من بينها محفزات اقتصادية وبناء طرق

TT

داخل هذه الرقعة من الأرض الواقعة جنوب أفغانستان، تتضمن استراتيجية الولايات المتحدة لتحجيم خطر «طالبان» محفزات اقتصادية، حيث يتقاضى آلاف الرجال أموالا لتطهير قنوات الري. ويحصل مزارعون على بذور وأسمدة مقابل سعر زهيد أدنى بكثير من التكلفة الحقيقية، إضافة إلى حصول الكثيرين على جرارات حديثة. وعلى مدار الصيف، من المقرر بناء عشرات الطرق المغطاة بالحصباء ومستودعات تخزين الحبوب، وجميعها بتمويل من الحكومة الأميركية.

الملاحظ أن ضخ أموال إعادة التعمير في مناطق الحروب شكل منذ أمد بعيد جزءا من الجهود الأميركية في مجال مكافحة التمرد، إلا أن ضخ الأموال في ناوا أثمر تدفقا للأموال على السكان المحليين بمعدل أكبر وأسرع بكثير عن أي من المناطق الأفغانية الأخرى. من جانبه، يرمي البرنامج الزراعي التابع للوكالة الأميركية للتنمية الدولية إلى إنفاق ما يتجاوز 30 مليون دولار في غضون تسعة أشهر داخل هذه المقاطعة الريفية التي تعج بمنازل مصنوعة من الطمي ومزارع صغيرة. إضافة إلى ذلك، ترمي مبادرات أميركية أخرى لجلب ملايين الدولارات الإضافية إلى المنطقة على مدار العام القادم. ونظرا لوفرة المساعدات في ناوا - لدرجة أنه يبدو أن كل من يرغب في العمل تتوافر لديه بالفعل فرصة عمل - قرر الكثير من الرجال الشباب التوقف عن حمل السلاح لحساب «طالبان» مقابل أجر. على خلاف الحال مع مارجا المجاورة، التي لا تزال هجمات المتمردين من الأحداث اليومية بها، ظلت الأجزاء المركزية من ناوا خالية من العنف في معظمها خلال الأشهر الستة السابقة. كما كان من شأن تدفق الأموال بغزارة على المنطقة لإطلاق العنان لتداعيات غير مقصودة وربما تثير القلق، ذلك أن هذه الأموال تأجج توترات وعداءات جديدة داخل المجتمع المحلي، وتثير المخاوف من أن البذور التي تقدم على نحو شبه مجاني وقنوات المياه المتدفقة ربما يؤديان في نهاية الأمر إلى توافر قدر من المحاصيل أكبر مما يمكن للمزارعين بيعه. كما يثير هذا الوضع توقعات المواطنين بالحصول على إعانات لن تتمكن الحكومة الأفغانية من توفيرها بمجرد انحسار التبرعات الأميركية.

في هذا الصدد، أعرب إيان برفيز، الخبير البريطاني الإنمائي الذي أنجز مؤخرا مهمة عمل لمدة عام كمستشار لحلف شمال الأطلسي (الناتو) لشؤون تحقيق الاستقرار في ناوا، عن اعتقاده أنه «لقد أغدقنا على ناوا قدرا هائلا من الأموال باسم مكافحة التمرد من دون التأني في دراسة تداعيات ذلك». من ناحيتهم، أكد مسؤولون أميركيون معنيون بالسياسة الأفغانية أن المبادرة الجاري تنفيذها في ناوا تعد جزءا من جهود تعتمد على 250 مليون دولار لزيادة الإنتاج الزراعي عبر جنوب أفغانستان. وجرى تصميم هذه الجهود كدفعة قصيرة الأمد لإحياء الاقتصاد وخلق فرص عمل مستدامة. وأوضحوا أن المخاوف حيال الإفراط في الإنفاق في غير محلها، مشيرين إلى أنه بعد سنوات من ظلم الأفغان في ما يخص المساعدات التنموية، فإنهم عقدوا العزم على تفضيل تقديم قدر من المساعدات مفرط في الزيادة أفضل من أن يوفروا قدرا مفرطا في ضآلته. في هذا السياق، قال روري دونهو، مدير البرنامج الزراعي التابع للوكالة الأميركية للتنمية الدولية: «هدفنا هو إعادة الحياة إلى طبيعتها في ناوا، ودفع الناس لمزاولة حياتهم اليومية القائمة على الزراعة، الأمر الذي يستلزم مجهودا كبيرا».

من بين النقاط التي تثير قلقا بالغا من جانب بعض الإخصائيين الإنمائيين قرار الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إنفاق مبلغ الـ250 مليون دولار برمته خلال عام واحد على أجزاء من مقاطعتين فقط، هما هلمند وقندهار. داخل ناوا، التي يقترب عدد سكانها من نحو 75.000 نسمة، يعني ذلك حصول كل رجل وامرأة وطفل على قرابة 400 دولار. في المقابل، يبلغ إجمالي الناتج الداخلي بالنسبة إلى الفرد على مستوى البلاد قرابة 300 دولار سنويا. وعلق أحد المسؤولين الإنمائيين الأميركيين في جنوب أفغانستان على ذلك بالقول: «هذا مجهود هائل لكسب الناس بحيث لا يقدمون على قتالنا». الواضح أن الإنفاق الجاري هنا يشكل خطوة تمهيدية لما ترغب إدارة أوباما في إنجازه على مستوى أكبر. وتشير الأرقام إلى أن «معدل الحرق» الخاص بالوكالة الأميركية للتنمية الدولية داخل أفغانستان - أي حجم الأموال التي تنفقها - يبلغ نحو 300 مليون دولار شهريا، وربما سيظل على هذا المستوى لمدة عام على الأقل.

وقد طلب البيت الأبيض من الكونغرس مؤخرا 4.4 مليار دولار إضافية لصالح برامج إعادة الإعمار والتنمية في أفغانستان بهدف زيادة فرص العمل وتعزيز النمو الاقتصادي بمناطق تعاني تحت وطأة أعمال التمرد. على الرغم من أن جزءا من هذه الأموال سيجري توجيهها عبر الوزارات الحكومية الأفغانية ومنظمات الإغاثة المحلية لتمويل مشروعات يصممها ويديرها أفغان، فإن الجزء الأكبر سيخصص لشركات إنمائية توجد مقارها بالولايات المتحدة لديها القدرة على الاستعانة بكثير من العمال وإنفاق الكثير من الأموال بسرعة.

من بين البرامج التي من المقرر تمويلها برنامج بقيمة 600 مليون دولار لتحسين مستوى أداء الحكومات البلدية عبر البلاد وتعزيز جهود توفير الخدمات الأساسية لسكان المناطق الحضرية. ومن المفترض أن يضم البرنامج مشروعات تستلزم الاعتماد على أيد عاملة كثيفة لجمع القمامة وزرع أشجار، ويدعو البرنامج المقاولين إلى تنفيذ أنظمة موازنة تعتمد على الأداء في غضون عامين، الأمر الذي تفتقر إليه معظم المدن الأميركية. كما تنوي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إنفاق 140 مليون دولار للمساعدة في تسوية النزاعات على الممتلكات. ومن بين الإنجازات التي تأمل الوكالة تحقيقها تدريب الأفغان على تثمين وتقييم الأراضي.

في المقابل، شكك بعض الخبراء الإنمائيين فيما إذا كانت أفغانستان ستتمكن من استيعاب هذا الفيض من الأموال، أم أن نسبة كبيرة منه ستهدر جراء الفساد وغياب الكفاءات والمشروعات المشكوك في جدواها التي يجري تمويلها للالتزام بمواعيد زمنية نهائية فرضتها واشنطن. بوجه عام، يعد البرنامج الزراعي الذي تبلغ ميزانيته 250 مليون دولار الجهد الرئيس الذي تبذله إدارة أوباما لخلق وظائف وتحسين مستوى المعيشة داخل إقليمين تركز خلالهما القوات الأميركية جهودها بمجال مكافحة التمرد هذا العام. وجرى تصميم البرنامج بغية تناول ما اعتبره مسؤولون بارزون في الإدارة، خاصة المبعوث الرئاسي ريتشارد سي هولبروك، مبادرات مشتتة وتعاني نقص التمويل على امتداد الأعوام الثمانية الأولى من الحرب ترمي إلى مساعدة المزارعين الذين يشكلون النسبة الأكبر من قوة العمل في البلاد.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»