استقالة الرئيس الألماني كولر من منصبه على خلفية تصريحات عن مهام الجيش

المستشارة ميركل عبرت عن أسفها.. وتفهمها للقرار

هورست كولر
TT

أعلن الرئيس الألماني هورست كولر، وهو الرئيس التاسع في تاريخ ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية، استقالته بشكل مفاجئ من منصبه، وذلك على خلفية تصريحات مثيرة للجدل أثارها قبل فترة حول إمكانية استخدام الجيش الألماني لحماية المصالح الاقتصادية الألمانية في الخارج.

وكانت زوجته أنا ليزا إلى جانبه وهو يقرأ إعلان استقالته بصوت تخنقه العبرات في العاصمة برلين يوم أمس في الساعة الثانية بعد الظهر. وذكر الرئيس أن سبب الاستقالة هو أنه، بعد كل النقد الذي وُجه إليه، صار يفتقد الاحترام الذي يتطلبه منصبه الرفيع. وأضاف كولر أن الادعاء بأنه يؤيد تنفيذ مهمات للجيش الألماني، مخالفة للدستور، من أجل تأمين المصالح الاقتصادية الألمانية، يفتقد لأي تبرير.

وذكر كولر في إعلانه من القصر الرئاسي «شلوس بيليفو» ببرلين أن البلد لن يعيش فراغا رئاسيا لأنه أبلغ رئيس مجلس الولايات الاتحادي (بوندسرات)، ينز بورنزن، بتقديمه استقالته. وسيتولى بورنزن، طبقا للدستور، منصب رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة لحين انتخاب رئيس جديد للبلاد. ومعروف أن رئيس الجمهورية الألماني يتم انتخابه، حسب الدستور، في اجتماع «للتجمع الاتحادي» يضم أعضاء البرلمان الألماني البوندستاغ وأعضاء المجلس الاتحادي (البوندسرات).

وكان كولر، في مقابلة مع راديو «دويتشلاند روندفونك»، سبقت زيارته الأخيرة لأفغانستان لتفقد الوحدة الألمانية العاملة هناك، قال إن دولة مثل ألمانيا تعتمد بشكل كبير على التجارة الخارجية يجب أن تعرف أنه «في حالات الطوارئ يكون التدخل العسكري ضروريا للحفاظ على مصالحنا مثل طرق التجارة الحرة مثلا، أو على سبيل المثال الحيلولة دون الاضطرابات الإقليمية التي قد يكون لها أثر سلبي على فرصنا فيما يخص التجارة والعمل والدخل».

وإذ أثارت تصريحات كولر انتقاد المعارضة الألمانية، وخصوصا في حزبي الخضر واليسار، لم يتلق الرئيس موقفا داعما من حزبه الديمقراطي المسيحي. ولم تعلق المستشارة أنجيلا ميركل بما يعبر عن وقوفها إلى جانب الرئيس في تبريراته لهذا التصريح، واكتفى روبريشت بولينز، المسؤول عن السياسة الخارجية في الحزب الديمقراطي المسيحي، بالقول إن الرئيس «لم يكن موفقا في صياغاته». وتراوحت ردود الفعل داخل الحزب الليبرالي الحليف بين «الأسف» و«عدم الارتياح»، رغم وصف يورغن تريتين، وزير البيئة السابق من حزب الخضر، تصريحات الرئيس بأنها عودة إلى «المَدَافع» للدفاع عن طريق التجارة الخارجية.

واضطرت دائرة الرئيس كولر آنذاك للقول إن الرئيس لم يقصد بتصريحاته التدخل العسكري الألماني في أفغانستان، وإنما عنى حماية طرق التجارة الخارجية من القرصنة، وحفظ مناطق العالم من الاضطرابات، كما هي الحال مع عملية «أطلانطا» الأوروبية عند القرن الأفريقي.

تعرض الرئيس، الملقب بـ«الرئيس الاستراتيجي»، لانتقادات صحافية شديدة وصفت تصريحاته بالخاطئة «تكتيكيا». ونشرت مجلة «دير شبيغل» المعروفة تعليقا على تبريرات الرئيس قالت فيه إن المقابلة، وكذلك السؤال الذي وجه إليه فيها، كانت خاصة بأفغانستان، وأنه لا مجال لوجود الخطأ في تأويل تصريحاته.

جرى ترشيح هورست كولر لمنصب الرئاسة عام 2004 من قبل الحزب الديمقراطي المسيحي، وكان حتى ذلك الوقت رئيسا للبنك الدولي في الولايات المتحدة. وعرف عنه عدم اهتمامه بالعمل السياسي رغم انتمائه إلى حزب المحافظين منذ عام 1981. وجدد «التجمع الاتحادي» انتخابه عام 2009 وفاز بدورة رئاسية أخرى بفضل غالبية المحافظين والليبراليين في البرلمان والمجلس الاتحادي.

ويصف معظم متابعي الشأن السياسي الألماني فترة حكم الرئيس كولر بالـ«روتينية» وتركيزها على المهمات البروتوكولية. ولم يعرف عن كولر، رغم خبرته الاقتصادية الطويلة، اهتمامه بالشؤون السياسية والاقتصادية، وهو ما ميز الرئيس الأسبق ريشارد فون فايتسيكر، الذي عرف بتضامنه مع المهاجرين والأجانب، وما ميز أيضا الرئيس السابق يوهانيس راو الذي بذل جهودا كبيرة لتقريب وجهات النظر في قضية الشرق الأوسط.

وإذ عبرت المستشارة الألمانية ميركل عن أسفها لاستقالة الرئيس، وقالت إنها تتفهم موقفه، كتب المحلل السياسي رولاند نيليس في «دير شبيغل» يقول إن تصريحات الرئيس بخصوص تدخل الجيش الألماني كانت محاولة «غير ناجحة» منه لإضفاء شيء من الاهتمام السياسي على فترة رئاسته المتهمة بـ«الروتينية».