صدمة عالمية.. وأصدقاء إسرائيل وأعداؤها ينتقدونها.. ومطالبات بفتح تحقيق دولي

إدانة أوروبية واستدعاء سفراء.. ودعوات لتجميد اتفاق الشراكة مع إسرائيل.. وكوشنير يؤكد: لا أجد مبررا للحادث

TT

أثينا: عبد الستار بركات لندن: «الشرق الأوسط»

* أطلقت إغارة إسرائيل على قافلة سفن مساعدات متجهة إلى غزة موجة من الغضب الدولي أمس وفجرت انتقادات الأصدقاء والأعداء على حد سواء وأدت إلى تأزم العلاقات مع تركيا التي ألغت مناورات عسكرية مشتركة. وطالبت عدة دول أوروبية بفتح تحقيق دولي في الحادث، وقامت باستدعاء السفراء الإسرائيليين لديها، في وقت سرت فيه مطالبات أوروبية بتجميد اتفاق الشراكة مع إسرائيل.

وأدان الاتحاد الأوروبي، سواء من خلال المؤسسات الاتحادية، أو الدول الأعضاء، أو الرئاسة الدورية، عملية الاقتحام الإسرائيلي للسفن، ومقتل النشطاء. وعبرت الرئاسة الحالية للاتحاد التي تتولاها إسبانيا، عن القلق العميق تجاه العملية الإسرائيلية، واعتبرت ما حدث «انتهاكا خطيرا للقانون الدولي»، وأكدت أن مدريد استدعت السفير الإسرائيلي وطالبته بإعطاء تفسيرات لما حدث. وقال متحدث باسم المفوضية الأوروبية في بروكسل إن مبعوثي الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي التقوا أمس، لمناقشة الهجوم الدامي على سفن المساعدات.

ودعت المفوضية الأوروبية لإجراء تحقيق دولي، وحثت إسرائيل على السماح بحرية وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق الفلسطينية. وقال بيان صدر عن مكتب الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، أن الاتحاد يطالب إسرائيل بإجراء «تحقيق متكامل» حول ما حدث، ويشدد مرة أخرى على ضرورة فتح القطاع بشكل «غير مشروط» أمام حركة التجارة والمساعدات الإنسانية. وأعلنت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون أنها اتصلت بوزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان لمطالبة إسرائيل بفتح تحقيق في الهجوم الدامي. وصرحت أشتون للصحافيين في وارسو «تحدثت صباحا إلى وزير الخارجية الإسرائيلي وأعربت خلال المحادثة الهاتفية عن قلقي العميق للمأساة التي حصلت. قلت له إننا بحاجة إلى تحقيق حول ظروف الهجوم الذي شنته إسرائيل» على الأسطول. وأضافت «استفدت أيضا من المناسبة للتأكيد على أهمية نقل المساعدات الإنسانية وضمان حياة أفضل للأفراد من تلك التي رأيتها شخصيا في غزة». وعقد سفراء الدول الـ 27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي اجتماعا استثنائيا أمس في بروكسل لمناقشة القضية. وقال الناطق باسم الهيئة التنفيذية في الاتحاد جون كلانسي إن «سفراء الاتحاد الأوروبي نظموا اجتماعا خاصا وسيواصلون النقاش مع السلطات الإسرائيلية».

وأعرب مبعوث اللجنة الرباعية الدولية توني بلير عن «صدمته» للهجوم مطالبا بفتح تحقيق في الحادث. وقال بلير في بيان «أكرر مرة أخرى وجهة نظري بأننا بحاجة إلى وسيلة أفضل لمساعدة سكان غزة وتفادي مأساة الوضع الحالي». وفي باريس استنكرت فرنسا وتم استدعاء السفير الإسرائيلي في باريس إلى الخارجية لإعطاء «تفسيرات»، في الوقت الذي تكاثرت فيه ردود الفعل من الجمعيات المدنية التي دعا بعضها إلى التظاهر قرب السفارة الإسرائيلية في العاصمة الفرنسية. وأدان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في بيان العملية الإسرائيلية مطالبا بإلقاء «كامل الضوء على الظروف التي أحاطت بهذه المأساة» التي تظهر الحاجة إلى إعادة إطلاق مسار السلام. وندد ساركوزي بـ«الاستخدام المفرط للقوة»، الذي لجأت إليه إسرائيل معربا عن «تأثره العميق»، إزاء النتائج المأساوية للعملية. وكان أول رد رسمي فرنسي صدر عن وزير الخارجية برنار كوشنير، وتميز بحدة أكبر، إذ أعرب فيه عن صدمته العميقة وعن عدم تفهمه لوقع هذا العدد الكبير من الضحايا المدنيين ضد مبادرة إنسانية معروفة منذ عدة أيام. ورأى كوشنير أن «لا شيء يمكن أن يبرر استخدام هذا العنف الذي ندينه». وطالب كوشنير السلطات الإسرائيلية بإجراء تحقيق «معمق»، مؤكدا أن فرنسا «معبأة» إلى جانب المواطنين الفرنسيين الذين يشاركون في هذه العملية. غير أن ناطقا باسم الخارجية أفاد بأن لا ضحايا بين الفرنسيين الذين كانوا على ظهر البواخر، ورأى الوزير الفرنسي أن وضع الحصار المفروض على غزة «لم يعد يطاق ويتعين العثور على جواب سياسي له» واعدا بأن تقوم باريس بـ«البادرات الضرورية» لتفادي أن تفضي المأساة إلى تصعيد العنف.

وبعد ظهر أمس، كانت العملية على جدول المناقشات بين ساركوزي والرئيس المصري حسني مبارك الذي يشارك في القمة الفرنسية - الأفريقية. وقالت المصادر المصرية إنهما متفقان على ما يتعين القيام به لمواجهة تبعات هذه العملية. ودعت أحزاب وجمعيات عديدة منها حزب الخضر والحزب المناهض للرأسمالية والحزب الشيوعي ومنظمات من المجتمع المدني داعمة للفلسطينيين كالاتحاد اليهودي من أجل السلام وجمعية فرنسا - فلسطين للتظاهر قرب السفارة الإسرائيلية في باريس وفي مدن فرنسية أخرى. بموازاة ذلك، بدأت الأوساط اليهودية والموالية لإسرائيل حملة مناهضة في الإعلام الفرنسي أعطى نقطة انطلاقها السفير الإسرائيلي في باريس دانيال شيك. واتهم الأخير «أسطول الحرية» بامتلاك أسلحة نارية جاعلا من إطلاق النار على المشاركين في العملية بمثابة «دفاع عن النفس»، قام به الكوماندوس الإسرائيلي لإنقاذ حياته. واعتبر الفيلسوف اليهودي الفرنسي برنار هنري ليفي الذي كان أحد الموقعين على وثيقة «النداء اليهودي» الأوروبي الأخير أن ما قامت به إسرائيل «عمل أحمق، ونتائجه عليها أكثر تدميرا من الهزيمة العسكرية».

وأعرب المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا عن «أسفه العميق»، معتبرا أن ما حصل «ليس خبرا سارا للسلام». وقال حاييم موسيكان المدير العام لأبرز منظمة يهودية فرنسية «نأسف لما حصل، حتى لو أن إسرائيل أعلنت أنها لن تسمح بحصول عملية الإنزال هذه». وأضاف «للأسف حصل ذلك في وقت لا توجد فيه آمال بالسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهذا ليس خبرا سارا للسلام. ونعرب عن أسفنا العميق لسقوط ضحايا».

وفي لندن عبر وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ عن «أسفه للخسائر البشرية» قائلا في بيان «نصحنا باستمرار بعدم محاولة الوصول إلى غزة بهذه الطريقة بسبب المخاطر التي ينطوي عليها». وتابع «في الوقت نفسه من الواضح أن على إسرائيل التصرف بضبط النفس وبشكل يتوافق مع الالتزامات الدولية». وأكد أن «هذه الأخبار تؤكد ضرورة رفع القيود على دخول غزة في إطار احترام قرار الأمم المتحدة رقم 1860»، مشددا على أن «هذا الإغلاق غير مقبول وغير مثمر». وقال هيغ «أدعو الحكومة الإسرائيلية إلى فتح كل المعابر للسماح بدخول المساعدات إلى غزة بدون عقبات والرد على القلق من تدهور الوضع الاقتصادي والإنساني وتأثيره على جيل من الشباب الفلسطينيين». وأكد أن «حكومتنا على اتصال بالحكومة الإسرائيلية ونطلب مزيدا من المعلومات والوصول بشكل عاجل إلى كل البريطانيين المشاركين».

وأعلنت ألمانيا أنها تشعر بالصدمة إزاء تصدي إسرائيل لقافلة سفن المساعدات. وقالت إنها تسعى لمزيد من التوضيحات لما حدث. وقال أولريتش فيلهيلم المتحدث باسم الحكومة في مؤتمر صحافي «نطالب بفتح تحقيق محايد». وكان خمسة مواطنين ألمان على متن السفن الست في القافلة وبينهم اثنان من أعضاء مجلس النواب.

وكذلك أدانت إيطاليا والنرويج والنمسا واليونان قتل المدنيين في سفن الحرية واعتبرته أمرا خطيرا للغاية وطلبت أن يجري الاتحاد الأوروبي تحقيقا للتأكد من الحقائق. كما عبر الفاتيكان «عن تألمه وقلقه».

ووصفت إيران، أحد أكبر أعداء إسرائيل في العالم الإسلامي، قتل النشطاء بأنه «غير إنساني» وأنه سيسهم في زوال الدولة اليهودية. وقال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية «الأعمال غير الإنسانية للنظام الصهيوني ضد الفلسطينيين ومنع المساعدات الإنسانية عن شعب غزة لا تدل على قوة النظام الصهيوني، بل تنم عن ضعفه.. كل هذه الأفعال تشير إلى نهاية النظام الشائن المزيف واقترابه أكثر من نهاية وجوده».

ووصفت روسيا الهجوم بأنه «انتهاك سافر» في بيان صادر عن الخارجية الروسية، داعية إلى رفع الحصار عن غزة، وسرعة التحقيق في الحادث. وطلبت منظمة العفو الدولية من إسرائيل فتح «تحقيق مستقل يتمتع بمصداقية»، وقالت المنظمة التي تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان ومقرها لندن في بيان أن «من الواضح أن القوات الإسرائيلية استخدمت القوة المفرطة». وأضافت «تقول إسرائيل إن قواتها كانت في حالة الدفاع عن النفس لأنها تعرضت لهجوم من قبل المتظاهرين لكن من الصعب أن نصدق بأن مستوى القوة الذي استخدمته القوات الإسرائيلية كان مبررا». وتابع «لم يكن متناسبا مع خطورة التهديد». وكإجراء أول دعت منظمة العفو إسرائيل إلى نشر فورا القواعد التي اتبعتها مجموعة الكوماندوس التي شنت الهجوم. وأضاف أن «الناشطين على السفن قالوا بوضوح إن هدفهم الأول كان الاحتجاج على الحصار الإسرائيلي المستمر الذي يشكل عقابا جماعيا وبالتالي انتهاكا للقانون الدولي».