رئيس وزراء تركيا: لن تعود الأمور إلى سابق عهدها أبدا مع إسرائيل

أردوغان يعلن أمام البرلمان أنه ليس لأحد أن يحاول اختبار صبر بلاده

رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يلقي كلمة أمام البرلمان التركي أمس (أ.ب)
TT

دعا رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أمس إلى معاقبة إسرائيل على مهاجمتها سفينة مساعدات تركية. وقال: «لن تعود الأمور إلى سابق عهدها أبدا» في العلاقات بين البلدين.

وثار غضب تركيا بسبب مقتل تسعة أشخاص معظمهم أتراك خلال هجوم إسرائيلي أول من أمس بهدف وقف قافلة مؤلفة من ست سفن مساعدات متجهة إلى قطاع غزة.

وقال أردوغان خلال اجتماع في البرلمان بثه التلفزيون التركي مباشرة «ينبغي بلا شك معاقبة سلوك إسرائيل.. بلا أدنى شك. ليس لأحد أن يحاول اختبار صبر تركيا».

وأضاف أردوغان أن «تركيا بالتأكيد ليست دولة قبائل، ولا يجب أن يختبر صبرها أحد، وصداقة تركيا قيمة، وكما أن عداوتها قوية، وخسارة صداقتها في حد ذاتها ثمن يدفع».

وزاد قائلا «حان الوقت لأن يقول المجتمع الدولي: كفى. ينبغي ألا يقتصر تحرك الأمم المتحدة على قرارها الذي يدين إسرائيل ولكن يجب أن تقف وراء قرارها».

وأشار أردوغان إلى أنه تحدث إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، وسيوصل الرسالة ذاتها حينما يتحدث إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما، في اتصال هاتفي كان يفترض أن يجريه أمس.

وقال «على إسرائيل أن ترفع الحصار غير الإنساني عن غزة فورا. إن قتل الأبرياء استهتار كريه».

وطالب أردوغان بالإفراج عن الأتراك المحتجزين والسفن لكنه لم يعلن عن أي إجراءات فورية، في الوقت الذي أوضح فيه أن علاقات إسرائيل وتركيا تضررت بصورة لا يمكن إصلاحها.

وأضاف «اليوم هو بداية عهد جديد. لن تعود الأمور إلى ما كانت عليه أبدا. لن ندير ظهرنا للفلسطينيين».

وطالب أردوغان إسرائيل برفع «الحصار غير الإنساني» الذي تفرضه على قطاع غزة بأسرع وقت ممكن.

وقال أردوغان إنه على المجتمع الدولي أن يجري تحقيقا في العملية التي نفذتها قوات كوماندوز إسرائيلية لإيقاف سفينة تركية كانت تحمل مساعدات لغزة.

واكتسب أردوغان شعبية كبيرة في العالم الإسلامي بسبب انتقاده الجريء للسياسات الإسرائيلية بشأن الفلسطينيين.

ووصف أردوغان الهجوم بـ«المذبحة الدموية». وقال أمس أيضا أمام الكتلة البرلمانية لحزبه: «تركيا لن تدع هذا الأمر يمر مرور الكرام».

وطالب أردوغان مجلس الأمن بألا ينتهي الأمر بإدانة الهجوم الإسرائيلي على قافلة المساعدات. وأوضح أنه مثلما كانت بلاده تراعي صداقتها مع إسرائيل، فسترد بشدة على العداوة أيضا.

وذكر أردوغان أن تركيا سئمت المبررات الأمنية لكل تصرفات تل أبيب، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن إسرائيل لا يمكنها معاملة تركيا مثل دول أخرى في المنطقة «وإلا سيكون الثمن غاليا جدا».

وقال أردوغان: «اليوم بداية جديدة، فاعتبارا من اليوم لن يكون هناك شيء كما كان قبل». وذكر أردوغان أن إسرائيل لن تستطيع مطلقا محو الدماء من أيديها، وقال: «كما قلت من قبل إنهم يعلمون جيدا كيف يتم القتل، ولقد قلت ذلك في وجوههم، فقد أظهروا للعالم أكثر من مرة كيف يستطيعون القتل جيدا». يذكر أن أردوغان أثار ضجة عندما قال هذه الكلمة العام الماضي أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في «دافوس».

وفي واشنطن، قال وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو أمس إن هجوم إسرائيل على قافلة المعونة التي كانت تحاول الوصول إلى غزة أضر بجهود السلام الأوسع نطاقا في الشرق الأوسط. وقال أوغلو للصحافيين في اجتماع على الإفطار في واشنطن «كيف نعول على أن لنا شريكا حقيقيا يريد السلام وهم لا يحترمون مواطني دولة صديقة». وزاد قائلا: «إذا لم يتحركوا فكيف يتسنى لنا إقناع سورية أو دول أخرى في المنطقة بأنهم يريدون السلام».

وأضاف أن جهود أنقرة لاستئناف المحادثات بين سورية وإسرائيل ستجمد. وأضاف أنه سيطلب من وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في اجتماعهما (أمس) إدانة أميركية واضحة للهجوم الإسرائيلي. وقال إن تركيا تشعر بخيبة الأمل بشأن الموقف الأميركي حتى الآن. ومضى قائلا «ما زال بعض حلفائنا غير مستعدين لإدانة الأفعال الإسرائيلية. ونحن نتوقع التضامن الكامل معنا. ينبغي ألا يكون الأمر الاختيار بين تركيا وإسرائيل بل الاختيار بين الصواب والخطأ». وقال أوغلو إنه سيطلب تأييد الولايات المتحدة لدعوة تركيا إلى الإفراج على الفور ودون شروط عن كل من احتجزوا في الحادث. وأضاف أن تركيا ستفتح الموضوع أيضا مع حلف شمال الأطلسي لأن الحادث هجوم على مواطني دولة من أعضاء الحلف من جانب دولة من غير أعضائه. واستدعت تركيا أول من أمس سفيرها لدى إسرائيل، وألغت مناورات عسكرية مشتركة، ونجحت في دعوتها لعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن لإدانة أفعال إسرائيل.

وقام بين إسرائيل وتركيا تحالف عسكري وثيق وعلاقات اقتصادية قوية لأكثر من عشرة أعوام. وهناك اتصالات بين كبار الوزراء والقادة العسكريين من البلدين منذ اندلاع الأزمة. ولكن وزير الطاقة تانر يلدز أشار إلى أن العلاقات يجري تقييمها.

وأضاف متحدثا للصحافيين «فحصنا أبعاد تعاوننا في مجال الطاقة مع إسرائيل وقد يتخذ قرار استراتيجي بناء على توجيه من رئيس الوزراء». وبلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين 2.5 مليار دولار في عام 2009 مع شراء تركيا معدات عسكرية من إسرائيل.

وبالإضافة إلى التبادل التجاري هناك خطط لإقامة مشاريع في مجال الطاقة والزراعة والمياه بين تركيا وإسرائيل بقيمة مليارات الدولارات. وقال وزير الدفاع التركي وجدي جونول، إن العاصفة الدبلوماسية لن تؤثر على تسليم إسرائيل المزمع للطائرة هيرون التي تعمل بدون طيار إلى تركيا. وفي وقت سابق هذا العام أبرم الجانبان صفقة لشراء عشر طائرات من دون طيار من هذا الطراز مقابل 180 مليون دولار.

وطالبت تركيا أمس بأن تدفع إسرائيل تعويضات لعائلات القتلى والجرحى الذين سقطوا عندما هاجمت القوات الإسرائيلية أسطول الحرية. وقال أحمد أوزومكو، مبعوث تركيا إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف، الذي عقد جلسة مناقشة عاجلة حول الحادث «ما قامت به إسرائيل لم يكن مبررا»، ويشكل «انتهاكا جسيما للقانون الدولي».

وأضاف «يجب تعويض عائلات القتلى والجرحى»، وطالب المجلس بـ«إرسال بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق» للتحقيق في الحادث.

إلى ذلك، رأى خبراء ومحللون سياسيون في تركيا أن العلاقات الثنائية مع إسرائيل ستشهد تغيرا كبيرا بعدما اعترضت البحرية الإسرائيلية قافلة مساعدات إنسانية كانت في طريقها إلى قطاع غزة. واعتبر سولي أوزيل، من جامعة بيلجي، أن السيناريو الأسوأ حدث بالفعل وسيؤدي إلى مراجعة العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، والتي توترت بالفعل بسبب التصرفات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية على مدى سنوات. وقال أوزيل لصحيفة «توداي زمان» التركية أمس: «لن يظل ميزان القوى في الشرق الأوسط أبدا.. ضعفت شرعية إسرائيل.. وستخضع هذه الشرعية لمزيد من المناقشة». ويعتقد إحسان داجي، البروفسور بجامعة الشرق الأوسط التقنية التركية، أن اعتراض إسرائيل الدموي لأسطول «الحرية» سيكون «نقطة تحول» في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب.

ونقلت الصحيفة في موقعها الإلكتروني عن داجي قوله: «اعتبارا من الآن فصاعدا، لن تكون أي مؤسسة في تركيا، بما فيها الجيش قادرة على تفسير وجود أي نوع من التعاون مع إسرائيل أمام الرأي العام. قضت عملية الاعتراض على احتمالية العمل معا في أي قضية. التوتر سيستمر».وترى الصحيفة أن تركيا اتخذت مبادرات مختلفة خلال الشهور الماضية لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، مما اعتبره الكثيرون سببا في رد فعل إسرائيل العنيف. ويعتقد داجي أن رد فعل إسرائيل لم يكن بسبب حصار غزة فقط، ولكن لدور تركيا المتنامي في المنطقة، وخاصة تجاه إيران. وفي انتقاد شديد للخطوة الإسرائيلية، قال سينان أوجان، رئيس المركز التركي للعلاقات الدولية والتحليلات الاستراتيجية، إن القراصنة في الصومال يتصرفون بشكل أكثر إنسانية عن إسرائيل، مضيفا أن العلاقات بين أنقرة وتل أبيب تضررت بشكل لا يمكن إصلاحه.

وأضاف للصحيفة «من الواضح أن تركيا سترد بشكل قوي. كانت إسرائيل تشتكي من الهجمات الانتحارية، ولكنها باعتراضها (أسطول الحرية) تكون نفذت هجوما انتحاريا». من جانبه يقول أوجور زيال، وهو دبلوماسي محنك ووكيل سابق لوزارة الخارجية التركية: «من أجل علاقات أفضل بين تركيا وإسرائيل، يتعين على الأخيرة أن تراجع سياستها، وأن تجري تغييرات جذرية، وإلا فلا يوجد سبب لتوقع أي تحسن في العلاقات الثنائية». ويقول دوجو إيرجل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أنقرة إنه ما دامت الولايات المتحدة تواصل اعتبار تصرفات إسرائيل بأنها «قانونية» فإن تل أبيب ستواصل القيام بأعمال دموية.