الوضع العراقي يلقي بظلاله على مؤتمر الاتحاد الوطني الكردستاني وخلافاته الداخلية

صراع على قيادة الحزب بين جناحي طالباني ونائبه كوسرت رسول

الرئيس العراقي جلال طالباني يصافح ضيوف المؤتمر الذي عقد في السليمانية أمس (المصدر: موقع الاتحاد الوطني الكردستاني)
TT

هل سينجح الأكراد في المساهمة الفاعلة لجمع الأطراف السياسية العراقية المختلفة في آرائها للوصول إلى توافقات تسهم في تشكيل الحكومة العراقية؟ هذا السؤال تجيب عنه الحركة النشطة التي تشهدها مدينة السليمانية، معقل الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني، التي شهدت منذ أول من أمس ثاني أكبر تجمع للقيادات السياسية العراقية المختلفة منذ الوليمة التي كان دعا إليها الرئيس طالباني في قصر السلام الرئاسي في العشرين من الشهر الماضي.

واستضاف برهم صالح رئيس حكومة إقليم كردستان أول من أمس عددا كبيرا من القيادات السياسية العراقية المشاركة في حفل افتتاح المؤتمر الثالث للاتحاد الوطني، على حدائق نادي «كوملايتي الجديد»، الذي يعد أكبر وأحدث ناد اجتماعي في السليمانية، وعلى أنغام الموسيقى والغناء الكردي التقليدي، الذي شكل خلفية مناسبة لأحاديث جمعت بين عمار الحكيم، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي وزعيم الائتلاف الوطني العراقي، ورافع العيساوي، نائب رئيس الوزراء العراقي والقيادي في القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي، الغائب الحاضر في هذه المناسبات، كما جمعت هذه الوليمة بين محمد علاوي، عضو لجنة المفاوضات عن «العراقية» وبهاء الأعرجي، القيادي في التيار الصدري. حتى إن التحيات الساخنة التي جرت بين أعضاء الكتل السياسية المختلفة دفعت بأحد السياسيين للقول: «لماذا لا تتشكل الحكومة هنا في السليمانية، أو على الأقل تنطلق من هنا»، لكن سياسيا من التيار الصدري قال هامسا: «المجاملات لا علاقة لها بالمفاوضات».

ومنذ الساعات الأولى من صباح أمس، ازدحمت شوارع مدينة السليمانية المزدانة باللافتات الخضر، شعار الاتحاد الوطني الكردستاني، بعشرات السيارات الموحدة تقريبا في موديلاتها وألوانها، التي أقلت الوفود المشاركة في افتتاح المؤتمر الثالث للاتحاد، حيث حرص القائمون على تنظيم الحفل على أن يدخل قاعة المؤتمر، ومن مسرحها، القيادات العراقية معا؛ إذ توسطهم الرئيس طالباني، يرافقه مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان، ونوري المالكي، رئيس الحكومة المنتهية ولايتها الذي وصل إلى المدينة من أربيل برفقة بارزاني، وعمار الحكيم، وعادل عبد المهدي، نائب الرئيس العراقي، ورافع العيساوي، بينما كانت هيرو خان، عقيلة الرئيس العراقي، والمرشحة لانتخابات قيادة «الاتحاد» قد سبقتهم، وكان آخر الحاضرين أحمد الجلبي الذي وصل بعد أكثر من 40 دقيقة من بدأ أعمال الافتتاح، ولم يجد بسبب تؤخره مكانا شاغرا له في الخط الأمامي من القاعة الذي ضم القيادات العراقية والكردية، مما دفع بالرئيس طالباني إلى التعليق خلال ترحيبه به بأن «الجلبي حضر متأخرا كعادته». وكان لترتيب جلوس المدعوين من القادة دلالاته؛ إذ جلس على يمين الرئيس طالباني كل من بارزاني ثم الحكيم، فعادل عبد المهدي وبرهم صالح والعيساوي، بينما جلس المالكي على يسار راعي المؤتمر، ثم هيرو خان، وفاضل ميراني، عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني، ثم كوسرت رسول، نائب الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني.

وما أن اعتلى الرئيس طالباني، راعي المؤتمر، المنصة التي ألقى من فوقها كلمته حتى ضجت القاعة التي تتسع لما يقرب من ألفي شخص، بالتصفيق له، حيث كانت غالبية أعضاء المؤتمر يضعون صورة الأمين العام لحزبهم مؤطرة بأشرطة من الساتان الأخضر على صدورهم. ورحب طالباني بالقيادات والحضور، وكان حريصا على ذكر أسمائهم، من دون أن يغفل أحدا، متمنيا لمؤتمر حزبه الذي حمل شعار «نحو الإصلاح والتطوير وترسيخ وحدة الاتحاد» النجاح، وداعيا الضيوف للبقاء في إقليم كردستان للاطلاع على تجاربه في الاستثمار والتطوير.

وكان لا بد من حشد من الخطابات من قبل المدعوين، وجاء بارزاني ثاني المتحدثين، الذي أكد على أهمية «لغة الحوار التي حلت بدلا من لغة القتال والحرب التي ولت إلى الأبد» مفاجئا الحضور باعتذاره «لجميع ضحايا الحرب في كردستان»، مشيرا إلى أنه «كان هناك وقت مفروض علينا». ودعا رئيس الإقليم في كلمته، الساسة العراقيين إلى «تقديم مصالح البلد والشعب العليا على المصالح الشخصية والإسراع في تشكيل حكومة يشارك فيها الجميع بلا تهميش لأحد ولا تغفل المادة 140 من الدستور العراقي»، ومؤكدا أن «مرشح التحالف الكردستاني لرئاسة جمهورية العراق هو الرئيس جلال طالباني».

وحسب منهاج الحفل، كان يجب أن يلقي الحكيم كلمته بعد بارزاني، أي قبل المالكي، مما شغل ذلك سكرتارية رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، وأدت تحركاتهم السريعة إلى أن يتقدم المالكي بإلقاء كلمته قبل الحكيم.

إياد علاوي، رئيس القائمة العراقية الذي حال سفره إلى العاصمة البريطانية دون حضور الحفل، حضر من خلال كلمة مختصرة ألقاها نيابة عنه عدنان الدنبوس، أكد خلالها على «الاستحقاق الدستوري للقائمة العراقية لتشكيل حكومة شراكة وطنية»، وذلك من خلال الاتفاق مع التحالف الكردستاني، وبقية الكتل الأخرى.

حفل الافتتاح تميز بدقة تنظيمه وبالحضور اللافت من قبل سياسيين عراقيين وعرب وغربيين، بينهم مونا سالين رئيسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي السويدي، والمعروفة بعمق علاقاتها مع الأكراد العراقيين، وبييه لوكاتيلي، رئيسة «نساء الاشتراكية الدولية»، وسفير الجامعة العربية لدى العراق، إضافة إلى سفير دولة الإمارات العربية في بغداد، ومجموعة من الدبلوماسيين الغربيين.

ويكتسي المؤتمر أهمية كبيرة، خاصة أنه يأتي بعد أكبر انشقاق تعرض له بخروج نائب الأمين العام السابق نوشيروان مصطفى عن الحزب وتشكيله حركة «التغيير» المعارضة، كما ينتظر أن ينتخب الحزب قيادة جديدة. وفي هذا السياق، قال ملا بختيار عضو المكتب السياسي إنه «من المقرر انتخاب 45 عضوا للقيادة الجديدة لـ(الاتحاد)، و95 آخرين كمجلس للرقابة على الحزب الذي أنهكته الانشقاقات وساهمت في إضعافه»، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

إلى ذلك، صرح مسؤول في الاتحاد الوطني طالبا عدم الكشف عن اسمه أن «المنافسة الشديدة ستكون بين جناح طالباني وجماعة نائبه الأول كوسرت رسول» مشيرا إلى أن «ترشيح طالباني أمينا عاما للاتحاد مرة أخرى بات أمرا محسوما». وهناك أكثر من 500 مندوب مرشحين لتولي مناصب في مجلس القيادة وهيئة المراقبة. وبين المرشحات هيرو إبراهيم زوجة طالباني.