القوانين اللبنانية تحظر على الفلسطينيين مزاولة 70 مهنة ومعظم شبان المخيمات يفضلون الهجرة

النكبة أتمت عامها الـ62 واللاجئون يعيشونها يوميا

TT

ثلاثة أيام قضتها ناريمان (25 عاما) الفلسطينية من مخيم عين الحلوة في زنزانة قوى الأمن الداخلي تحت الأرض، تهمتها أن لا أوراق ثبوتية معها؛ لا هوية.. لا جنسية.. لا ما يعرّف عنها. «كنا في الزنزانة 56 امرأة؛ فلبينيات وسريلانكيات وأوكرانيات، قبض عليهن بالتهمة المتعارف عليها: الدعارة. أصبت بنوبة عصبية وخسرت 10 كيلوغرامات من وزني في ثلاثة أيام»، تقول ناريمان والدمعة تنهش عينين ملأهما الغضب والحسرة والثورة على كل شيء إلا في سبيل القضية؛ إذ بات همّ الشباب الفلسطيني النضال في سبيل العيش والبقاء ليس إلا. وتضيف: «لو يقدمون لي أي جنسية عوضا عن جنسيتي الفلسطينية أقبل بها. ولو أمكنني أن أهاجر في هذه اللحظة لما ترددت». ما تقوله ناريمان يلخص المأساة والمعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في لبنان.. فالنكبة أتمت عامها الثاني والستين واللاجئ في لبنان يعيش ألف نكبة في اليوم.

محمد شيخة (20 سنة) اللاجئ في مخيم برج البراجنة يقول: «أنا ابن هذا البلد كأي شاب لبناني تماما. ولدت هنا وكبرت هنا، فلماذا يعيش هو حياة طبيعية ويزاول أي مهنة يريد، بينما أنا أتعلم وأكافح» ويسأل: «لماذا لا يحق لي العمل إلا في مهن محددة لا طموح فيها؟»، ويطرح السؤال نفسه أكثر من مائة ألف شاب فلسطيني، فالقوانين اللبنانية تمنع اللاجئ من مزاولة 70 مهنة، وكل ما يتبقى له الزراعة، والأعمال الحرفية، وأعمال البناء وبعض الحرف الأخرى التي لا تزيد أهمية. الطبيب الفلسطيني يتخصص في أهم وأكبر الجامعات في الخارج ويعود لمزاولة المهنة داخل المخيمات بتعريفة لا تتخطى العشرة آلاف ليرة لبنانية، أي ما يقل عن 7 دولارات أميركية.

« أنا أعمل كسنغري (سباك) ولكن لا يوجد عمل متواصل، فالأشغال محدودة لأن معظمها داخل المخيم.. قد أزاول أي مهنة بغية تأمين مصاريف أسرتي»، هذا ما يخرج بعفوية مطلقة من محمود دقاق ابن الثامنة عشرة الذي يقضي وقت فراغه كمعظم الشبان الفلسطينيين في المقاهي والشوارع.

كمال دغيم (19 سنة) يقول بحسرة: «نحن لا نعيش حياة الشاب الطبيعي، فلا رغبة لنا في الخروج من منازلنا.. قتلوا فينا روح الشباب، فحين نقرر أن نخرج من المخيم لنلهو ونمرح يقبض علينا الجيش اللبناني ويحولنا إلى التحقيق. هم يعتبروننا دوما إرهابيين وأننا خارج المخيم لنفجر أو نغتال أحدهم»، ويضيف: «نحن لا دخل لنا في المشكلات بين الفصائل في غزة.. نحن داخل المخيمات اللبنانية شعب واحد نعاني المأساة نفسها بالاسم ننقسم ما بين فتحاوي وحمساوي. والمضحك أن اللبنانيين قسمونا أيضا بين معارض وموال، فإن كنت من فتح كنت مواليا وإن كنت من حماس فبالطبع أنت معارض». أما محمد العلي (21 سنة) فيؤكد أن طرفا ثالثا يسمونه داخل المخيمات «وطاويط الليل» يزرع الفتنة بين الأهالي، ويضيف: «تنتشر ليلا الوطاويط مرتدية زيا أسود من الرأس حتى القدمين. يكتبون على الجدران عبارات مسيئة للفصائل كافة ليستيقظ الفلسطينيون صباحا وتقع المشكلات. ولكننا بتنا أوعى من مخططاتهم».

محمد فريجة (20 سنة) اللاجئ في مخيم شاتيلا يشرح كيف باتت الأونروا (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) «تساهم بتطبيق المخطط العالمي للقضاء على القضية الفلسطينية»، فيقول: «لا أساتذة داخل المدارس.. المستشفيات تحوي طبيبا واحدا لأكثر من 25000 نسمة، كانوا يقدمون 3 كيلوغرامات من العدس أصبحوا اليوم نصف كيلوغرام. الوضع مزري، هم يخططون لتيئيسنا والقضاء علينا من خلال دفن القضية.. والخوف أننا كدنا نيأس». ويشكو فريجة مما يسميه «تمييزا عنصريا» يمارسه اللبنانيون داخل مؤسساتهم وحتى في الشوارع. فالفلسطيني وبطبيعة الأمر يتقاضى ربع الأجر الذي يتقاضاه اللبناني مع أنه يمارس العمل نفسه، ويقول: «الأمر مماثل داخل الجامعات اللبنانية فنحن دوما على لوائح الانتظار وشروط دخول الفلسطيني تعجيزية». ويتابع: «أصدقائي اللبنانيون من منطقة ذوق مكايل (شمال شرقي بيروت) الذين تعرفت عليهم من خلال الصليب الأحمر اللبناني كانوا يعتقدون أن المخيم الفلسطيني مكون من خيام يقف على مدخل كل منها مسلح. نظرة اللبنانيين لنا لم تتغير منذ الحرب فكيف بالأحرى نظرة الغربيين؟». ويستدرك: «نعلم تماما أن آباءنا اقترفوا الأخطاء في حق الشعب اللبناني، لكن اللبنانيين أنفسهم لم يقصروا كذلك في حقنا.. ولكن ما ذنبنا نحن الشباب لندفع اليوم ثمن أخطاء أجدادنا».

حسن المصطفى رئيس جمعية «الأخوة» للعمل الثقافي والاجتماعي في مخيم برج البراجنة يرى أن جهات كثيرة تحاول الاستفادة من البطالة والفقر المنتشرين بين صفوف اللاجئين خاصة الشباب منهم لإدخالهم في جماعات متطرفة ودفعهم للقيام بأعمال إرهابية، ويقول: «هم يفتحون لهم بابا ويدفعونهم لتبني شعارات لا يؤمنون بها في معظم الأحيان. واللوم يقع على المسؤولين اللبنانيين الذين يقفلون الأبواب في وجه الفلسطينيين».

وفجأة ولدى سؤالهم عما يعرفون من تقاليد فلسطينية أورثهم إياها أجدادهم.. تلمع عيون الشباب وتضحك الشفاه وكأن فلسطين الحلوة مقيمة بين الضلوع وتحت الأجفان.. «ما زلنا نمارس العادات نفسها التي كان يقوم بها أجدادنا في فلسطين.. ندخل على العريس وهو يستحم للمرة الأخيرة قبل الزواج لنساعده في الاغتسال، ولا يخلو الأمر من بعض المزاح الثقيل. العريس (الشاطر) من يستحم في مكان لا يجده فيه أصدقاؤه». ويتابع محمد العلي: «حتى النساء ما زلن يضعن ثياب العريس على حلة كبيرة ويجلن بها في أرجاء المخيم وهنّ (يزغردن)، الأهالي من فرحتهم يرشونهن بالأرز الذي تقدمه لنا (الأونروا) إعاشة. حتى فرحتنا مغتصبة».