عام على خطاب أوباما للعالم الإسلامي: النوايا الحسنة لم تكن كافية

مسؤول في البيت الأبيض لـ «الشرق الأوسط»: الحصول على المصداقية سيستغرق بعض الوقت

أوباما بعد عودته إلى واشنطن أمس من بنسلفانيا (أ.ف.ب)
TT

تصادف اليوم الذكرى الأولى لإلقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما خطابه الشهير حول «بداية جديدة» مع العالم الإسلامي في القاهرة. وبينما أبدى أوباما منذ اليوم الأول من توليه الرئاسة الأميركية في يناير (كانون الثاني) 2009 رغبة في تحسين العلاقات مع العالم الإسلامي ومعالجة السياسات التي أدت إلى توتر العلاقات الأميركية مع جاليات مسلمة حول العالم، إلا أن سياسات قديمة وأزمات لم تعالج لسنوات طويلة جعلت من الصعب تحقيق تقدم ملموس في طموح أوباما لتحسين العلاقات. فعلى الرغم من أن الكثير من المسلمين والمراقبين يؤمنون بحسن نية أوباما فإن العام الماضي من التطورات أظهر أن حسن النية لم يكن كافيا لتغيير مجرى الأحداث التي تبقي التشنج في العلاقة. وهناك دلائل كثيرة على ذلك، فعلى سبيل المثال قد فات الموعد الذي حدده أوباما لإدارته لإغلاق معتقل غوانتانامو العسكري واحتجاز نحو 200 شخص من دون توجيه تهم لهم لسنوات طويلة، كما تتأزم الأوضاع في الأراضي الفلسطينية مع تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسياساته التي أدت مؤخرا إلى الهجوم على «أسطول الحرية» المتجه لكسر حصار غزة.

وتحدث عدد من المراقبين لـ«الشرق الأوسط» عن «التوقعات المحبطة» لدى المسلمين حول العالم مع عدم إحراز تقدم ملموس في الوعود التي أطلقها أوباما. إلا أن هذا «الإحباط» ليس محصورا فقط على المسلمين، فالإدارة الأميركية نفسها تواجه مصاعب ملموسة وجدية جعلت من الصعب أن تحقق الكثير من طموحاتها. الأزمة الاقتصادية أوصلت الدين الأميركي إلى مستويات غير مسبوقة لتفوق 13 تريليون دولار أميركي، بينما نسبة البطالة فاقت 10 في المائة. وسياسيا يعاني أوباما من تأزم الأوضاع في أفغانستان وباكستان، بعد أن جعل استقرار أفغانستان أولويته الأولى. وبينما تحاول إدارة أوباما الإشارة إلى العراق كنجاح لسياسة أوباما بعد قراره الانسحاب من البلاد، إلا أن تعثر تشكيل الحكومة الجديدة خلال الأشهر الثلاثة الماضية تزيد من المخاوف الأميركية من تفكك تلك السياسة.

وربما المشكلة الراهنة الأكبر لأوباما هي تلك التي لم يتوقعها. فيقضي الرئيس الأميركي الذكرى الأولى لخطابه في القاهرة في مكان مختلف تماما اليوم، حيث يزور خليج ولاية لويزيانا لتفقد آخر مستجدات انفجار حقل نفط «ديب ووتر هورايزون» الذي أدى إلى بقعة نفطية تنذر بتداعيات قد تكون أسوأ حادثة بيئية تضرب الولايات المتحدة. وانشغال أوباما بتبعات انفجار بئر «بي بي» والضغوط السياسية المتصاعدة عليه بسبب معالجة الحكومة للكارثة تشغل أوباما عن الكثير من السياسات الأخرى. وكلما زادت متاعب أوباما الداخلية، زادت مصاعب تغيير سياسات خارجية، وخاصة تلك التي تخص العالم الإسلامي.

وتقول مديرة «المركز للدراسات الإسلامي» في معهد «غالوب» داليا مجاهد إن «الخطاب ما زل مهما اليوم، فهو بدأ فصلا جديدا لطريقة معالجة العلاقات بين الولايات المتحدة والجاليات المسلمة، وقد غير توقعات الناس حول ما تقوم به الولايات المتحدة». ولكنها أضافت لـ«الشرق الأوسط»: «ربما الخطاب كان له وقع أكبر من المتوقع إذ جعلت الناس تتوقع الكثير وبعد أن رفعت توقعاتهم كان هناك نوع من الإحباط». وأوضحت مجاهد، وهي من بين الأميركيين المسلمين من أصول عربية الذين استشارهم البيت الأبيض عند كتابة خطاب أوباما في القاهرة أن «المشكلة أمام الإدارة الأميركية الحالية أنها لا تظهر التقدم الملموس حول القضايا التي أثارها الرئيس أوباما في الخطاب وتهم المسلمين بشكل كبير».

ومن قاعة فخمة في جامعة القاهرة يوم 4 يونيو (حزيران) 2009، تحدث أوباما عن 6 نقاط رئيسية تحدد العلاقات مع العالم الإسلامي وتثير اهتمام المسلمين، الجزء الأول منها يمثل التحديات لتلك العلاقات والجزء الثاني الفرص لتحسين العلاقات. وفي خطاب كان طوله 55 دقيقة، تناول أوباما في الجزء الأول حربي العراق وأفغانستان، بالإضافة إلى الصراع العربي - الإسرائيلي، الذي تعهد أوباما أن يسعى لحله. وقال: «الولايات المتحدة ستحيز سياساتنا مع الذين يسعون للسلام، وسنقول في العلن ما نقوله بشكل خاص للإسرائيليين والفلسطينيين والعرب»، متعهدا بإنهاء الازدواجية. إلا أنه أوضح حينها: «لا يمكن لنا أن نفرض السلام» وحتى الآن عدم فرض السلام جعله من الصعب للأميركيين إظهار قدرتهم على التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية. أما القضية الأخرى في الجزء الأول هي قضية الأسلحة النووية التي تركز الولايات المتحدة فيها على ملف إيران النووي الذي ما زال يقلق الإدارة ومجلس الأمن في الأمم المتحدة.

أما الجزء الثاني، الذي يقول مسؤولون في الإدارة إنه يشكل «فرصا» لتحسين أوضاع المسلمين، فشمل حديث أوباما عن الديمقراطية والحرية الدينية وحقوق المرأة. ولفت القائم بأعمال مدير «مبادرة العالم الإسلامي» في «معهد السلام للشرق الأوسط» دانيال بروم بروغ إلى أن أوباما لم يظهر بأنه مهتم بشكل كبير بالجزء الثاني من خطابه. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الناشطون في منطقة الشرق الأوسط توقعوا الكثير منه لكنه لم يطبق الشيء الكثير في هذا المجال مما زاد من خيبة الأمل.. لقد صعد التوقعات ليترك الناس في المنطقة يشككون بالوعود التي أطلقها».

ويشدد مسؤولون أميركيون على أن الهدف ليس فقط تنفيذ الإدارة الأميركية لسياسات محددة، بل أن تكون هناك علاقة مبنية على تبادل وجهات النظر والتعاون المشترك. وقال مسؤول في البيت الأبيض لـ«الشرق الأوسط»: «نؤمن بالسياسة الخارجية الذكية وأن نظهر للناس بأننا مهتمون بهذه القضايا». وأضاف: «نريد علاقات تفيد الطرفين، بعض ذلك يعتمد على التنمية وبعضه على توسيع العلاقات التجارية وبعضه على بناء علاقات أكثر شمولية.. لا نريد أن نرى الناس بأنهم يمثلون مشكلة، بل إنهم يمثلون جزءا من الحل للمشكلات القائمة». وأوضح المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه أن «الحصول على المصداقية سيستغرق بعض الوقت، وكلما رأى الناس جهود الإدارة للسعي وراء سياسة تواصل، سنبني مصداقيتنا». وتابع: «لدينا مصالح استراتيجية وليس فقط قلق أمني، ولهذا خطاب الرئيس وسياساته تشير إلى توسيع العلاقات».

وتعمل دوائر كثيرة على تنفيذ بنود خطاب أوباما وتوسيع العلاقات مع المسلمين خارج النطاق الأمني البحت، مثل «مكتب التواصل العالمي» التابع لمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، و«مكتب تخطيط السياسات» التابع لمكتب وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون. وقد أحدثت الإدارة الأميركية تغييرات في المصطلحات التي تستخدمها في معالجة القضايا التي تمس المسلمين في محاولة لإظهار قدرة على تفهم مواقفهم، مثل التخلي عن مصطلح «الحرب على الإرهاب» والتأكيد على أنه لا يوجد «حرب على الإسلام»، كما أن أوباما نفسه بدأ يتحدث عن «سرطان» التطرف داخل المجتمعات المسلمة التي تضر البيئة المحيطة بها بدلا من استخدام عبارة «التطرف الإسلامي» الذي اعتمده بعض المسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش. كما أنه بدلا من استخدام «العالم الإسلامي»، يشير المسؤولون الأميركيون اليوم إلى «الدول ذات الغالبية الإسلامية»، في محاولة لإثبات إقرار الإدارة الأميركية بتنوع المجتمعات المختلفة في الدولة ذات الغالبية المسلمة.

واهتمت الإدارة الأميركية بشكل كبير في إنجاح «قمة ريادة الأعمال» التي عقدت في واشنطن نهاية أبريل (نيسان) الماضي. وأكد مسؤولون أميركيون أن هذه القمة «تنفيذا لخطاب الرئيس أوباما في القاهرة»، إذ تجسد رغبة الإدارة ببناء علاقات بناء على الاحترام المتبادل والفرص المشتركة. وبينما ألقى أوباما خطابا أمام المشاركين في القمة وشارك كل من كلينتون ووزير التجارة غاري لوك وغيرهم من مسؤولين في القمة، بقي تأثيرها محدودا على المشاركين الـ200 الذين حضروا جلسات على مدار يومين. وأثيرت تساؤلات كثيرة حول كيف يمكن لمثل هذه القمة أن تستبدل السياسات الخارجية الضرورية، وأبرزها حل الصراع العربي - الإسرائيلي، قال المدير الأعلى في مكتب «التواصل العالمي» في البيت الأبيض براديب رامامورثي في خطاب حينها: «لا نرى هذه الجهود بأنها استبدال للتحديات الأخرى، بل هي تضيف إلى حلولها وتكمل العلاقات». وتحدث رامامورثي في خطاب أمام عدد من القياديين الأميركيين من أصول عربية لإطلاق منظمة «المبادرة» في واشنطن لتمكين العرب حول العالم، وقال لهم: «كثيرا ما تركز الناس في تحديد العلاقات (مع المسلمين) على الأمن ومكافحة الإرهاب، ولكن ذلك يغطي القدرات الحقيقية التي نملكها» لبناء شراكة بين الطرفين.

وبغض النظر عن المشاريع التي أطلقتها الولايات المتحدة خلال العام الماضي لتحقيق رؤية أوباما لتوسيع العلاقات مع العالم الإسلامي، مثل إرسال مبعوثين أميركيين في مجال العلوم لدول مسلمة، تبقى قضية السلام في الشرق الأوسط جوهرية في تحديد تلك العلاقات. وقال بروم بورغ: «القضية الأولى هي النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي»، مضيفا: «كل السياسات الأخرى مرتبطة بهذه القضية، ولكن لم تحقق تقدما حتى الآن». وعندما تثار هذه القضية مع مسؤولين أميركيين، كثيرا ما يؤكدون التزام أوباما بحل هذه القضية، ويشيرون إلى أن الدليل على ذلك اتصاله الأول عندما أصبح رئيسا بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، وكان قراره في اليوم الثاني تعيين جورج ميتشل مبعوثا خاصا للسلام في الشرق الأوسط. ولكن هذه الخطوات تمت قبل نحو 16 شهرا، واليوم الواقع يختلف، وخصوصا مع الاعتداء الإسرائيلي الأخير على «أسطول الحرية» وقتل 9 على الأقل من المدنيين. وقال بروم بورغ: «ما حدث مع أسطول الحرية يدل على أن الولايات المتحدة تجد نفسها مجددا ترد على الأحداث بدلا من أنها تحددها وتدفعها في الاتجاه الذي تريده». وأضاف أن أوباما يواجه مصاعب داخلية «تحاصره» في معالجة ملف السلام في الشرق الأوسط، الذي بدوره يبقي التشنج في العلاقات مع العالم الإسلامي.

وعلى الرغم من «التوقعات المحبطة» أوضحت مجاهد أن أوباما ما زال يتمتع بشعبية أكبر بين المسلمين من تلك التي كان يتمتع بها بوش. وداخل الولايات المتحدة، يتمتع أوباما بشعبية بنسبة 85 في المائة بين الأميركيين المسلمين، بينما شعبية بوش في الأشهر الثلاثة من ولايته تدنت إلى 7 في المائة. وكان لعبارة «الإسلام جزء من أميركا» التي أدلى بها أوباما في خطاب القاهرة ويكررها مسؤولوه اليوم، جزء كبير في جعل المسلمين داخل البلاد يؤيدونه بعد أن شدد على أهمية دورهم في المجتمع الأميركي. ولكن في الوقت نفسه، شهد هذا العام عددا من الأحداث الأمنية التي هددت موقع المسلمين في الولايات المتحدة وأبرزها المحاولة الفاشلة لتفجير ميدان «تايمز سكوير» في نيويورك الذي اتهم الأميركي المسلم من أصول باكستانية فيصل شاه زاد بمحاولة تنفيذها. وقالت مجاهد: «المسلمون الأميركيون قدروا لأوباما معالجته لمثل هذه الحوادث، إذ تحدث عن الحاجة لاستئصال أقلية متطرفة لا تمثل أي دين، وعمل أكثر من أي رئيس آخر على إبعاد مفهوم الإرهاب عن الدين الإسلامي».