بري يعتبر الاتفاقية الأمنية مع السفارة الأميركية «فاقدة للدستورية»

مصادره قالت لـ«الشرق الأوسط» إن حكومة الحريري أمام ملفات «امتحانية»

TT

طالب رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري حكومة الرئيس سعد الحريري إعادة النظر بالاتفاقية الأمنية التي وقعتها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى مع الولايات المتحدة، والتي أثارت أزمة سياسية في لبنان مؤخرا، مبررا ذلك بأنها «معاهدة» والمعاهدات في الدستور اللبناني يحصر التفاوض عليها برئيس الجمهورية بالتنسيق مع رئيس الحكومة. ووجه بري انتقادات مبطنة للسنيورة، معتبرا أن هذه الاتفاقية «معاهدة مبطنة بهبة لأجل أن تتجاوز مقام رئاسة الجمهورية وصلاحيات مجلس النواب».

ففي خضم الضجة العالمية التي أثيرت حول مهاجمة إسرائيل «أسطول الحرية»، خرج خبر صغير في وسائل الإعلام اللبنانية مفاده أن رئيس مجلس النواب نبيه بري بعث بتوصيته حول ملف الاتفاقية الأمنية مع السفارة الأميركية في بيروت. الخبر الصغير الذي لم يتجاوز الأسطر الثلاثة كان يخفي في طياته مشروع أزمة سياسية جديدة في بيروت، بعد الضجة التي أثارها الكشف عن الاتفاقية والتراشق بالاتهامات حولها بين فريقي «14 آذار» والمعارضة السابقة وما استتبع ذلك من فتح ملف التعاون مع الولايات المتحدة. أما الأثر الأبعد مدى فيطال تركيبة الحكومة الحالية التي تقول مصادر قريبة من رئيس مجلس النواب نبيه بري إنها «تحت الاختبار» في مدى اقترابها أو ابتعادها عن حكومة فؤاد السنيورة السابقة وما قبلها، والتي لا يزال بري يرفض تسلم 69 مشروع قانون أرسلتها إليه ولم يعتمدها لأنها صادرة عن حكومة «فاقدة للشرعية» (في إشارة إلى حكومة السنيورة الأولى التي انسحب منها الوزراء الشيعة عام 2006) والتي «تفاهم» بري مع رئيس الوزراء الحالي سعد الحريري على إرساله مرفقة برسالة منه «لإضفاء الشرعية عليها» واعتمادها، وهو لا يزال ينتظر.

وتشير مصادر نيابية بارزة، إلى أن بري يتحضر لموقف ما من إنتاجية الحكومة ومن أدائها السياسي الذي قد يبدأ بـ«لفت النظر» وصولا إلى الحاجة للتعديل أو التغيير الحكومي تحت سقف التمسك بالرئيس سعد الحريري ورئاسته لها. وتقول المصادر إن ملف المليارات الـ11 التي يقول الرئيس بري إنها صرفت من خارج القاعدة الاثني عشرية، والتي تعتمدها الحكومات في لبنان عند تعذر إقرار الموازنة (آخرها أقرت عام 2004)، بالإضافة إلى ملف الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة التي خلص بري في كتابه إلى أنها «فاقدة للدستورية» معتبرا أنها «محاولة لتجاوز صلاحيات رئيس الجمهورية ومجلس النواب» من قبل حكومة السنيورة الأولى، هي ملفات «امتحانية» لحكومة الحريري.

الرئيس بري أرسل الكتاب إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان مرفقا بملف كامل عن مناقشات لجنة الاتصالات النيابية التي درست الملف، وكذلك نسخة إلى مجلس الوزراء عبر رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، ونسخة ثالثة أودعت مجلس النواب بات من الممكن الاطلاع عليها لمن يشاء منذ صباح أمس.

وكانت لجنة الاتصالات النيابية قد وضعت يدها على ملف التعاون بين السفارة الأميركية وقوى الأمن الداخلي بعد الإعلان في إحدى الصحف اللبنانية المعارضة عن طلب السفارة تعبئة استمارة توضح أماكن انتشار أعمدة إرسال ومحطات الهاتف الجوال في لبنان، وهو ما اعتبرته المعارضة «عملية تنصت موصوفة» من قبل السفارة ليتكشف فيما بعد أن ثمة اتفاقا موقعا بين السفارة والحكومة اللبنانية تحت عنوان التدريب، فانفجرت جملة اعتراضات حول التعاون الأمني مع السفارة اتخذت أبعادا سياسية واضحة، ساهمت أجواء التوافق السياسي في لملمتها والحد من تداعياتها لينتهي الملف عند الرئيس بري لإصدار توصيته بشأنه.

وفي الكتاب الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه رفض الرئيس بري التطرق إلى تفاصيل الملف المتعلق باستمارة السفارة الأميركية «ما دامت أنها لم تأخذ طريقها نحو التنفيذ نتيجة رفض وزارة الاتصالات تلبيتها»، مفضلا الاتجاه نحو الأصل، أي مدى دستورية هذه الاتفاقية. مشيرا إلى أن الخبراء أثبتوا «حساسية هذه المعلومات المطلوبة، وأنه ينتج عنها بحال حصولها (تقديم المعلومات) تحديد أمكنة التواجد وكشف السرية بأمور تتعلق بالحرية الشخصية والأمن الوطني».

ويعود الرئيس بري في الكتاب إلى أصل نص الاتفاقية الأمنية باللغتين العربية والإنجليزية ليقول إنه تبين «أنه أطلق عليه اسم خطاب اتفاق بين حكومة الولايات المتحدة وحكومة لبنان.. وأنه يعتمد على ما يتم إحرازه من تقدم مرض ومقبول لتكملة التمويل وأن على الحكومة اللبنانية التزامات من أن جميع أفراد التدريب لا ينتمون إلى منظمة إرهابية بنظر أميركا وأن مدة المشروع ثلاث سنوات». ويشير بري إلى أن «الأهم من هذا كله هو تحديد صفة (الاتفاق)، مشيرا إلى ما ورد فيه من أنه «إذا استخدمت الحكومة اللبنانية أيا من الممتلكات التي حصلت عليها من طريق أموال وفرتها الحكومة الأميركية على نحو لا يتماشى مع هذه الحكومة يكون عليها أن ترد الممتلكات إلى الحكومة الأميركية أو أن تدفع لها تعويضا يوازي الثمن الأصلي لهذه الممتلكات». وبعد أن أشار إلى ما ورد في الاتفاقية من «أن البند الأخير من الاتفاق يبقيه ساريا إلى أمد غير محدد بالنسبة إلى الممتلكات»، خلص إلى أن هذا «يؤكد بما لا يثيرك أننا أمام اتفاقية بحقيقتها بين دولتين وليس فيها أي ركن من أركان الهبة أو مجرد الاتفاق، لذا يقتضي النظر إليها كاتفاقية».

وينتقل بري بعد أن يجزم بصفة «الاتفاقية» إلى البحث في دستوريتها انطلاقا من المادة 52 من الدستور التي تنص على الآتي: «يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء. وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة. أما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، فلا يمكن إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب». وينتقل ليقول: «في موضوعنا: ليس لرئيس الجمهورية أي دور مما يجعل الاتفاقية فاقدة للدستورية واستطرادا جرى توقيعها بتفويض شفهي – حسب تصريح مدير عام قوى الأمن الداخلي (اللواء أشرف ريفي) – من رئيس حكومة (السنيورة) وهو غير ذي صلاحية افتراضية لأن الصلاحية تعود إلى مجلس الوزراء وليس لرئيسه في هذه الحالة، والتفويض باطل سواء كان خطيا أم شفهيا قبل عرضه على مجلس الوزراء وأخذ موافقته». واستطرد بري قائلا: «ورد صراحة في متن الاتفاقية مرات عدة أن مدة الاتفاقية 3 سنوات وبالتالي وبصراحة نص المادة 52 لا يمكن إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب. والأغرب أن الموافقة اللاحقة (من قبل الحكومة على توقيع اللواء ريفي) على افتراض صحة قيامها اعتمدت على المادة 52 من الدستور وهي التي لم تحترم أي فقرة من فقراته وصولا للحصانات التي تعهدت بإعطائها (للأميركيين) أو بالنسبة لمخالفتها الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب والتي صادق عليها مجلس النواب اللبناني بالقانون رقم 75/99. والخلاصة أننا أمام معاهدة مبطنة بهبة لأجل أن تتجاوز مقام رئاسة الجمهورية وصلاحيات مجلس النواب».

واعتبر بري أنه «يتوجب على الحكومة الحالية إعادة النظر بالاتفاقية برمتها تمهيدا لشرعنتها وفقا للأصول ولا يعتد بالملحق التعديلي (الذي وقعت عليه الحكومة الحالية) لأن الذي شابه من عيب هو جراء الذي شاب الأصل». وخلص إلى القول: «نودع مقام رئاسة الوزراء الملف مع التوصية بإعادة النظر بما يسمى خطاب الاتفاق بين حكومة الولايات المتحدة وحكومة لبنان بشأن تطبيق القانون لمخالفته الدستور والقوانين المرعية باعتباره يخفي معاهدة بين البلدين وبالتالي خاضع لأحكام المعاهدات لدى الدولتين».