إسرائيل تجمع على رفض اقتراح بتشكيل لجنة دولية برئاسة قاض أميركي

تفضل تحقيقا عسكريا داخليا يجريه الجيش

جانب من جنازات ضحايا الاعتداء الإسرائيلي على اسطول الحرية، في اسطنبول امس (رويترز)
TT

رفضت الحكومة الإسرائيلية، أمس، اقتراحا أميركيا لإقامة لجنة تحقيق دولية برئاستها حول الاعتداء الدامي على «أسطول الحرية» الدولي لكسر حصار غزة. وقال ناطق بلسان الخارجية الإسرائيلية، إن هذا الرفض ليس موجها ضد الولايات المتحدة، بل إنه رفض مبدئي. ووافقت رئيسة المعارضة الإسرائيلية، تسيبي ليفني، مع الحكومة على هذا الموقف، وقالت «إذا وافقنا اليوم على عمل تحقيق خارجي حول أعمالنا، فإن العالم سيعتاد علينا، وغدا سيفرضون علينا لجنة تحقيق في كل قضية».

وكانت الولايات المتحدة قد اقترحت تشكيل لجنة تحقيق بقيادة قاض أميركي، لكي تلتف على قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف على غرار لجنة غولدستون، أي أنها أرادت مساعدة إسرائيل للالتفاف على قرار المجلس. وأربك الاقتراح الإسرائيليين. فمن جهة يرون أن التحقيق الدولي بموافقة إسرائيلية يعني التزاما بقبول نتائجه وهذه مغامرة. ومن جهة ثانية، فاللجنة الدولية هي أهون الشرور، حيث إن البديل هو لجنة تابعة للأم المتحدة على غرار لجنة غولدستون، التي لا تزال إسرائيل تعاني من نتائجها، أو لجنة تحقيق إسرائيلية رسمية على غرار لجنة فينوغراد التي حققت في إخفاقات إسرائيل في حرب لبنان الثانية وتسبب تحقيقها في استقالة رئيس أركان الجيش ووزير الدفاع، وأسهم في النهاية في استقالة رئيس الوزراء السابق، إيهود أولمرت.

وأعرب وزير التجارة والصناعة، بنيامين بن إليعازر، عن تأييده للاقتراح الأميركي قائلا إن لجنة التحقيق الدولية هي المخرج الوحيد لإسرائيل من العزلة الدولية التي تعانيها. وأضاف خلال جلسة كتلة حزب العمل البرلمانية، أمس، أن وضع إسرائيل اليوم هو أسوأ منه في أي مرحلة سابقة. والأمر يحتاج إلى انعطاف فوري «فإذا تقررت لجنة كهذه، بموافقتنا، فإنها ستوقف التدهور في مكانة إسرائيل في العالم». ووجه سؤالا إلى رئيس الحزب، وزير الدفاع إيهود باراك «هل يوجد لدينا ما نخفيه أو نخجل به؟». فأجاب باراك «لا أريد أن أتسبب في وضع يقف فيه جنود الجيش الإسرائيلي أمام محققين أجانب». وأضاف أن «مثل هذا الوضع سيعني أنني أفرط في جنودي». وقال باراك إن التحقيق الوحيد الذي يوافق عليه هو تحقيق داخلي في الجيش يهدف إلى معرفة الحقيقة واستخلاص النتائج.

وأجمع المعلقون الإسرائيليون، أمس، على أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه، يعارضان لجنة تحقيق إسرائيلية رسمية لأن مثل هذه اللجنة تتمتع حسب القانون الإسرائيلي بصلاحيات التوصية بإقالة رئيس حكومة أو وزير أو رئيس أركان أو أي مسؤول آخر. وحسب المعلق السياسي في الإذاعة الإسرائيلية، حنان كريستال، فإنهما يخشيان من نتيجة التحقيق، لأن قرارهما بتنفيذ الهجوم ينطوي على مخالفات جدية لتوصيات لجنة فينوغراد المذكورة أعلاه. فقد قررت اللجنة في حينه أن «الجيش الإسرائيلي جر الحكومة إلى عملية عسكرية حربية غير مدروسة استراتيجيا». وهنا أيضا «حكومة نتنياهو - باراك تكرر الخطأ نفسه، فقررت السيطرة على سفن أسطول الحرية من دون دراسة تبعات هذه العملية ومن دون معرفة الواقع على متن السفن ومن دون أن يتوقعوا ردود الفعل على السفن خلال العملية وفي العالم بعد العملية».

وأضافت ليفني، أمس، عنصرا آخر في هذا الاتهام، وهو الأجواء السياسية المحيطة بهذه العملية. وذكّرت ليفني سامعيها بأنها كانت وزيرة في حكومة آرييل شارون، التي قررت فرض حصار بحري على قطاع غزة بعد تنفيذ خطة الفصل والانسحاب الإسرائيلي من القطاع، وأنها كانت نائبة رئيس حكومة عندما قررت حكومة إيهود أولمرت تشديد الحصار البري إثر فوز حماس بالانتخابات عام 2006. وقالت «العالم وقف معنا في ذلك الوقت بكل قوة. أقمنا جبهة دولية واسعة ضد حماس. والسبب، أننا أدرنا سياسة سلمية حقيقية. فعندما لم يتعاون معنا ياسر عرفات (الرئيس الفلسطيني الراحل)، انسحبنا من قطاع غزة، فوقف العالم معنا ضده. وعندما تعاون معنا أبو مازن (الرئيس الفلسطيني محمود عباس)، في مفاوضات جدية، وكدنا نتوصل إلى اتفاق سلام، وجدنا أنفسنا وسط تحالف حميم مع أهم دول العالم. وأما حكومة نتنياهو - باراك، فإنها تشكلت قبل أكثر من سنة لكنها لا تبادر إلى مفاوضات سلام، وتترك الشعور بأنها تذهب إلى المفاوضات بغير رغبة، وكلما تبدأ المفاوضات يأتي من طرفها من يخرب. وهذه هي مشكلة إسرائيل الحقيقية».

يذكر أن نتنياهو ظهر أمام الجمهور الإسرائيلي في خطاب حي، الليلة قبل الماضية، حاول فيه صد الهجمة الدولية على العدوان الإسرائيلي الإجرامي على أسطول الحرية. فاتهم العالم بالنفاق. وقال «دولة إسرائيل تتعرض لهجمة نفاق دولية شاملة، وليس لأول مرة. قبل سنتين خرج الجيش الإسرائيلي في حملة لوقف إطلاق ألوف الصواريخ من غزة إلى البلدات الإسرائيلية فأقاموا لجنة غولدستون التي أدانتنا على دفاعنا عن أمننا. واليوم يحدث الأمر نفسه». ودافع نتنياهو عن حصار غزة قائلا إنه «جاء لحماية أمن إسرائيل، وإنه لولا هذا الحصار لكانت إيران قد نجحت في إقامة ميناء إيراني في بحر غزة، وهذا ليس ضد إسرائيل وحدها، بل أيضا ضد الغرب كله».