إسلام آباد: الجماعات الأصولية لها جذور عميقة في باكستان

وزير الداخلية قدم اعترافا مقلقا

TT

بعد أيام من واحدة من أسوأ الهجمات الإرهابية في باكستان، صرح مسؤول باكستاني بارز في إقرار علني مفاجئ بأن الجماعات المتطرفة لها جذور في القطاع الجنوبي من البنجاب، الإقليم الأكثر ازدحاما بالسكان في البلاد، مما يؤكد على التهديدات المتزايدة التي تواجه الدولة.

وجاءت هذه التصريحات التي أدلى بها وزير الداخلية رحمن مالك، عقب مقتل أكثر من 80 فردا في مسجدين الأسبوع الماضي في لاهور، استثنائية نظرا لأن عددا قليلا من السياسيين الباكستانيين اعترف بصراحة بالجذور المتعمقة للجماعات المسلحة في باكستان. كما سلطت الضوء على الأهمية الظاهرية للحكومة المدنية في استئصال الجماعات المسلحة، حتى في إقليم البنجاب، مما يقدم اعترافا مقلقا بأن عقودا من سياسة الدولة لتعزيز التطرف بلغت منتهاها في قلب البلاد.

لقد أصبح حجم المشكلة مصدر قلق متزايد بالنسبة للولايات المتحدة، التي ضغطت على الحكومة من أجل التعامل مع القضية مجددا على وجه السرعة منذ المحاولة الفاشلة التي قام بها مواطن أميركي من أصل باكستاني لتفجير سيارة مفخخة في «تايمز سكوير». وحول صعوبة تخفيف قبضة الجماعات المسلحة، قال مسؤول غربي بارز: «إننا نتعامل مع مشكلة محفورة بعمق في قلب المجتمع. ونتعامل مع حكومة غير سعيدة في داخلها». وقال مسؤولون غربيون وبعض السياسيين الباكستانيين إن المشكلة بالنسبة لباكستان ليست فقط الأعمال الإرهابية التي تقوم بها هذه الجماعات، لكن العقلية الجهادية الأكثر انتشارا، التي تعززت في المجتمع بفعل شبكة واسعة من المساجد والمدارس الدينية المتطرفة. وكانت تصريحات مالك، التي تحدث فيها سريعا عن مجموعة من الجماعات المتطرفة التي دعمتها الدولة في السابق، بمثابة إشارة إلى هذه المشكلات الأوسع نطاقا. وعلى العكس من المناطق القبلية في محيط الدولة، حيث يخوض الجيش المعارك ضد حركة طالبان باكستان على جبهات متعددة، يعد المسلحون «الآن نشطاء» في المنطقة الجنوبية من إقليم البنجاب ويحاولون «زعزعة الاستقرار في البلاد»، على حد قوله.

وعلى الرغم من أن مالك بدا وكأنه يلمح إلى إمكانية شن عمل عسكري في البنجاب، فإن الحكومة المدنية، التي يقودها حزب الشعب الحاكم، الذي يعد أكثر علمانية من الأحزاب السياسية في باكستان، ليس لديها النفوذ القوي لتحقيق ذلك.

وأظهر الجيش الباكستاني، الذي لا يزال يستحوذ على معظم السلطة، اهتماما لا يذكر بالإجهاز على الجماعات المتطرفة في البنجاب. ويعد هذا الإقليم منطقة تجنيد رئيسية بالنسبة للجيش، وكثير من الجماعات المسلحة هناك أنشأتها الدولة قبل عقود وتم تعزيزها منذ ذلك الحين باعتبارها أذرع الاستراتيجية الدائمة المناهضة للهند التي تتبناها باكستان. وإلى حد كبير، خرجت هذه الجماعات عن نطاق سيطرة من يقودهم في الجيش والوكالات الاستخباراتية، وفقا لدبلوماسيين غربيين وخبراء أمن باكستانيين، واتصلوا بمقاتلي طالبان وغيرها من الجماعات المسلحة التي تتعمق الآن أكثر فأكثر في باكستان في محاولة لقلب نظام الحكم. والآن، يتحرك هؤلاء المسلحون بسهولة بين المناطق القبلية من أجل التدريب، وبين البنجاب، حيث ينفذون عددا متناميا من الهجمات الكبرى. وصرح مالك للصحافيين في لاهور عقب الهجمات على المساجد: «إنهم (عسكر جنجوي) و(جيش محمد) حلفاء لحركة طالبان وتنظيم القاعدة». والتكتل الفضفاض للمسلحين الذي ذكره مالك يتم الآن تجميعه من جانب المسؤولين وغيرهم تحت اسم حركة «طالبان البنجابية»، وهو التوصيف الذي يلقي الضوء في حد ذاته على الطبيعة التوسعية لهذا التهديد في أهم إقليم في باكستان والطموحات المتغيرة للمسلحين.

وتحت هذا العنوان تندرج أيضا جماعة عسكر طيبة، وهي جماعة مسلحة مناهضة للهند. وشأنها شأن الجماعات الأخرى المدرجة على قائمة مالك، حظرت الدولة جماعة عسكر طيبة، لكنها تواصل العمل تحت اسم مختلف وعلى ما يبدو بمباركة من الجيش. وتتحمل حركة طالبان البنجابية مسؤولية الهجمات على مسجدين تابعين للطائفة الأحمدية الجمعة الماضية. ويتصل على الأقل واحد من الرجال الذين ألقت السلطات الباكستانية القبض عليهم في ما يتعلق بقضية تفجير «تايمز سكوير» بجماعة «جيش محمد»، وذلك بحسب ما أفاد به المسؤولون عن إنفاذ القانون في كراتشي. ومما يضيف إلى صعوبة تضييق الخناق على هذه الجماعات أن حكومة البنجاب، التي يقودها شاهباز شريف، زعيم رابطة مسلمي باكستان وخصم سياسي رئيسي للرئيس آصف علي زرداري، لم تُدِن المسلحين. وفي بعض النواحي، كان يعاملهم كحلفاء. وقبل شهرين، طلب شريف من حركة طالبان الابتعاد عن إقليم البنجاب، وقال إن حزبه وحركة طالبان لديهما عدو مشترك يتمثل في الولايات المتحدة. وتعتبر حكومة البنجاب «في حالة إنكار»، حسب ما أفاد عارف نظامي، أحد كتاب الرأي في صحيفة «الأخبار» الباكستانية. وقلل شريف من أهمية الهجوم على المسجدين في لاهور، عاصمة إقليم البنجاب. بل وقام بزيارة الجرحى الناجين في أحد المستشفيات بهدوء في الليل من دون التغطية التلفزيونية المعتادة.

وتحظى هذه الجماعات بقدر عال من النفوذ لدرجة أن السياسيين الباكستانيين كثيرا ما يلجأون إلى بعضها، مثل جماعة «صيباه الصحابة باكستان» الموالية لحركة طالبان، أثناء الانتخابات. وفي إظهار صريح للسلطة التي تحظى بها واحدة من هذه الجماعات المسلحة في جنوب البنجاب، أجرى وزير العدل في الإقليم رانا سناء الله حملته الانتخابية بمساعدة زعيم جماعة «صيباه الصحابة» محمد أحمد لودهيانوي، أثناء انتخابات فرعية للمجلس التشريعي بالإقليم في مدينة جهانغ، التي جرت في شهر مارس (آذار) الماضي. وفي مقابلة، قال سناء الله إنه لم ير أي خطأ في إجراء الحملة الانتخابية بمساعدة هذا الرجل. وقال إن هذا الأمر جيد، لأنه ساعده على دمج هذه الجماعات، التي يصفها بأنها لم تعد مسلحة، في التيار الديمقراطي. وقال سناء الله: «إذا أرادوا أن يكونوا مواطنين ملتزمين بالقوانين، فينبغي علينا السماح لهم بذلك».

* خدمة «نيويورك تايمز»