غياب الصين عن المونديال: فشل رياضي أم نتاج سياسي؟

الصينيون يدعون اختراع لعبة كرة القدم.. وعوامل سياسية وثقافية حالت دون براعتهم فيها

صينيون يحملون أعلام بلادهم في إحدى المباريات الرياضية (رويترز)
TT

في الوقت الذي تتجمع فيه منتخبات 32 دولة للمشاركة في بطولة كأس العالم لكرة القدم في جنوب أفريقيا الشهر الحالي، ستكون هناك دولة واحدة أكثر بروزا بتغيبها: الصين. قد تكون الصين أكبر دولة من حيث التعداد السكاني في العالم، والمحرك الرياضي الجديد لهذا العالم، حيث إنها فازت بمعظم الميداليات الذهبية في دورة الألعاب الأوليمبية الصيفية التي جرت عام 2008 في بكين. لكن براعتها في مجال كرة القدم أمر يبعث على الأسى، حيث إنها تحتل المركز الرابع والثمانين في التصنيفات العالمية لكرة القدم، قبل موزمبيق مباشرة.

الكثير من الصينيين يشجعون كرة القدم، ومن المتوقع أن يحول مئات الملايين هناك محطاتهم التلفزيونية لمشاهدة مباريات المونديال، حيث إن جميع المباريات ستذاع مباشرة في بكين على القنوات التلفزيونية غير المشفرة. وستزدحم المقاهي الرياضية، بيد أن الصينيين لن يجدوا منتخبهم حاضرا ليشجعوه.

وعلاوة على ذلك، ستشارك جارة الصين، كوريا الشمالية، في بطولة كأس العالم لكرة القدم العام الحالي. وقال وانغ تشي، الذي تقوم الشركة التي يملكها ببيع التذاكر للمشجعين الصينيين للسفر إلى جنوب أفريقيا «سنشجع كوريا الشمالية لأنهم جيراننا. لا يستطيعون إطعام أنفسهم، لكنهم يبذلون مجهودا أكبر من الرياضيين الصينيين».

ومنذ أن انبثقت الصين من الثورة الثقافية وأنهت عزلتها الدولية في نهاية سبعينات القرن الماضي، لم يتمكن منتخبها الوطني من المشاركة في بطولة كأس العالم سوى مرة واحدة عام 2002، وأخفق في تسديد ولو هدف واحد في ثلاث مباريات لعبها. وفي حين يواصل المنتخب الوطني للرجال كفاحه، فإن المنتخب الصيني للسيدات، الذي يوصف بـ«الورود الحديدية»، يصنف بين أكبر عشرة منتخبات في العالم.

ويرى كثير من المشجعين الصينيين هذه الحالة المؤسفة للمنتخب الوطني للرجال لكرة القدم أمرا مؤلما على نحو خاص، حيث إن الصين لديها ادعاء منطقي بأنها هي التي ابتكرت اللعبة (إلى جانب البارود، والطباعة، والمعكرونة الطويلة الرفيعة). وتظهر صور من أسرة الهان، قبل 220 عاما قبل الميلاد، لعبة تشبه كرة القدم تشمل كرة جلدية مليئة بالشعر.

وقال شيوي قو تشي، أستاذ التاريخ بجامعة هونغ كونغ ومؤلف كتاب حول الرياضة في الصين تحت عنوان «الأحلام الأوليمبية»: «قد تكون لدى الصينيين سمعة أنهم على قدر جيد في الرياضات، لكن لديهم مشكلات في تفسير السبب وراء أن تعداد سكان يصل إلى 1.3 مليار نسمة لا يستطيع أن ينتج منتخبا لكرة القدم مكونا من 11 فردا يستطيعون تحقيق الفوز».

يقدم الصحافيون ومشجعو كرة القدم أسبابا كثيرة، مثل الأموال، والسياسة، والفساد، والثقافة، وفي الكثير من الأحيان مزيج من الأمور الأربعة. وباعتبارها إحدى الصناعات، تختار الحكومة الفائزين على المستوى الوطني في الرياضات وتقدم الأموال من أجل إطلاق البطولات والفوز بميداليات. لكن الدعم يذهب بصورة نمطية إلى الرياضات الفردية مثل الجمباز والسباحة والغطس، وإلى رياضات، عادة ما يبرع فيها الصينيون، مثل تنس الريشة وتنس الطاولة. أما عن فرق كرة القدم، فتترك لتبحث عن رعاية من القطاع الخاص. وقال ما دكسينغ، من شركة «تيتان سبورتس»: «أكبر مشكلة تواجه كرة القدم الصينية أنها لا تحصل على الأموال الكافية».

وعلى الرغم من أن الصين تفتخر الآن بأن لديها شركات وأفرادا أثرياء يمكنهم رعاية الفرق، فإنه لا يوجد هناك دعم يذكر ما دامت الفرق الصينية يُنظر إليها على أنها خاسرة دائما. وقال ما «إن هذه دائرة سيئة للغاية. لا نتائج، لا أموال. لا أموال، لا نتائج».

وتدخل السياسة في اللعبة، حسبما ذكر الكثير من الصحافيين في مجال الرياضة وغيرهم، لأن المسؤولين في وزارة الرياضة، لا سيما على الصعيد المحلي، يستثمرون أموال الحكومة في رياضات واعدة يكون ضمان الانتصار فيها أكيدا. وقال لي تشن بنغ، أحد المعلقين في كرة القدم ومؤلف «إن الأمر يرتبط بما يروجونه».

كما أن الفساد المستشري يشوب كرة القدم في الصين. ففي العام الماضي، أطلقت وزارة الأمن العام حملة قادت حتى الآن إلى اعتقال نحو 20 مسؤولا في كرة القدم، وحكام ولاعبين، بتهمة تحديد نتائج المباريات مسبقا، والخسارة المتعمدة للمباريات، والقمار.

عدد ليس بالكثير من الأطفال الصينيين يلعبون كرة القدم، وهو ما يرجعه الصحافيون في مجال الرياضة والمشجعون جزئيا إلى أن الرياضات غير مهمة في المدارس بصفة عامة، ومن جانب آخر إلى نقص الملاعب في المناطق الحضرية المزدحمة بالسكان.

وقالت فان هيو مينغ (61 عاما)، وهي مشجعة صينية نشأت على مشاهدة المباريات في استاد العمال في بكين، الذي بُني عام 1958 بالقرب من المنزل الذي قضت فيه طفولتها «ما الذي يستطيع الأطفال الصينيون فعله؟ إذا كانوا يلعبون كرة القدم، فإن الكرة قد تنطلق مباشرة إلى زجاج المنازل».

وبالنسبة للشباب، تفوقت كرة السلة إلى حد كبير على كرة القدم، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى اللاعبين الصينيين في الرابطة الأميركية لكرة السلة، الذين تتم معاملتهم مثل نجوم الروك، وأشهرهم ياو مينغ في هيوستن، ويي جيان ليان في نيوجيرسي. وقال لي تشن بنغ «في كرة القدم، لا يوجد رمز صيني لهؤلاء الأطفال الصغار».

وقال صحافيون ومشجعون إن الحملة القوية للرابطة الوطنية لكرة السلة للتسويق والبضائع في الصين ساعدت على تضخيم شعبية كرة السلة. وبالمقارنة، أشاروا إلى أن كرة القدم الدولية ليس لديها مكتب واحد في الصين.

وشارك روان سيمونز، وهو بريطاني قدم إلى الصين قبل عقدين من الزمان واكتشف أنه غير قادر على لعب كرة القدم في العطلة الأسبوعية، في حملة لجعل هذه الرياضية واحدة من الرياضات الشعبية هنا. ويرأس سيمونز الآن نادي الصين لكرة القدم، وهو أول ناد مشترك لكرة القدم للهواة في البلاد. وقال سيمونز، الذي كتب كتابا بعنوان «قوائم المرمى الخيزران» حول تجاربه، إن المشكلة الرئيسية هي أن كرة القدم في أي مكان آخر بدأت كسلسلة من النوادي في الضواحي، لكن في الصين، السلطات الشيوعية الحاكمة رفضت دوما المنظمات المحلية التي لا يسيطر عليها الحزب الحاكم بصورة مباشرة. وقال «في الصين، لا توجد عمليا كرة قدم على المستوى المحلي». وأضاف «كرة القدم في الصين لن تنجح ما لم تكن نشاطا شعبيا ينظمه الشعب. ولكي يحدث ذلك، عليك تغيير النظام السياسي، وهذا لن يحدث أيضا».

* شارك الباحث تشانغ جيه في هذا التقرير

* خدمة «واشنطن بوست».. خاص بـ«الشرق الأوسط»