جدل سياسي وقانوني في كينيا حول المحاكم الشرعية للأقلية المسلمة

وزير العدل: هذا النوع من المحاكم مناف لعلمانية الدولة

TT

يتصاعد جدل سياسي وقانوني بشأن قضية إدراج المحاكم الشرعية الإسلامية الخاصة للأقلية المسلمة بكينيا في الدستور الجديد المقترح للبلاد. وفيما ندد مسلمو كينيا بالدعوات المطالبة بإلغاء المحاكم الشرعية، عارض رجال الدين المسيحي وبعض السياسيين البارزين إدراج المحاكم الشرعية في الدستور المقترح، بدعوى أن تلك الخطوة تعتبر تمييزا من شأنها أن تضع الديانة الإسلامية فوق الأديان الأخرى، كما أنها إعطاء صلاحية أوسع لقضاة المحاكم الشرعية، مما قد يؤدي إلى التشدد في تطبيق الشريعة الإسلامية في كينيا.

ورفضت المحكمة العليا في كينيا تعديلا جديدا في الدستور المقترح للبلاد الذي يعطي صلاحيات أكبر للمحاكم الشرعية، بعد أن أعلنت الكنيسة المسيحية عن عزمها باستئناف رفع قضية لحذف البند الخاص بمسألة المحاكم الشرعية من الصيغة المقترحة للدستور أمام القضاء الكيني.

وتحولت مسألة المحاكم الشرعية - وهي محاكم خاصة للمسلمين أنشئت إبان الاستعمار البريطاني في كينيا - إلى مسألة مثيرة للجدل، وذلك قبل شهرين فقط من الاستفتاء الشعبي على مشروع دستور جديد للبلاد. وتنظر هذه المحاكم الشرعية، وتُعرف محليا باسم محاكم القاضي الشرعي، في قضايا الزواج والطلاق والميراث بين المسلمين الذين يشكلون أقلية في البلاد دون التدخل في شؤون الطوائف الأخرى في البلاد.

وتزايدت حدة هذا الجدل بشأن قضية المحاكم الشرعية بعدما أعلن وزير العدل الكيني عن تأييده جهود الكنيسة لحذف البند الخاص بالمحاكم الشرعية في الدستور الجديد، الأمر الذي أدى إلى أجواء من التوتر الحاد بين المسلمين والمسيحيين في كينيا.

وقال آموس واكو وزير العدل الكيني «إن هذا النوع من المحاكم الشرعية مناف لدستور كينيا التي تُعد دولة علمانية تفصل بين أمور الدين وشؤون الدولة». وأضاف واكو «إبقاء مسألة المحاكم الشرعية في الدستور الجديد مسألة منافية لعلمانية الدولة كما أنها تكريس للتمييز الطائفي في البلاد، التي كانت تعاني أصلا من نزاعات ذات طابع عرقي وصراع على الأرض والموارد الاقتصادية».

وأعلن المجلس الوطني لكنائس كينيا معارضته لإدراج بند ينص على إثبات وضمان بقاء المحاكم الشرعية الخاصة للأقلية المسلمة في الدستور الكيني الجديد المقترح، وطالب المجلس بحذف البنود الخاصة بمسألة المحاكم الشرعية من الصيغة المقترحة للدستور، ليظل الدستور الكيني الجديد محتفظا بسمة «علمانية الدولة الكينية» التي تضمن للجميع حقوقهم بغض النظر عن الاعتبارات والمصالح والانتماءات العرقية أو الدينية.

وبرر رجال الكنائس معارضتهم للمحاكم الشرعية في الدستور الكيني الجديد المقترح؛ بحجة أن كينيا بلد متعدد الديانات والثقافات، وأن إعطاء المسلمين حق الاعتراف بمحاكمهم الشرعية في مواد الدستور الكيني سوف يمنحهم ميزة خاصة، لا يتمتع بها أتباع الديانات الأخرى، بل إنه تقديم الإسلام على باقي الديانات الأخرى. من جهتهم اعتبر الزعماء المسلمون إدراج بند في الدستور الكيني يضمن لهم وجود وبقاء محاكمهم الشرعية ليس إلا تحقيقا لرغبة المسلمين في ضمان ممارسة شعائر دينهم، خاصة أن تلك المحاكم لا تتعامل إلا مع أحوالهم الشخصية من زواج وطلاق وميراث، وندد المجلس الأعلى لمسلمي كينيا بشدة بموقف الكنائس من قضية المحاكم الشرعية، حيث اعتبر الموقف الذي اتخذته الكنائس بأنه ينم عن التعصب، ويهدف إلى إحداث الفرقة والانقسام بين طوائف الشعب الكيني على أساس ديني، مما يهدد وحدة الشعب وتماسكه. وقال المجلس في بيان «إن إدراج هذا البند الخاص بقضية المحاكم الشرعية في الدستور الكيني الجديد يعترف بحق بقاء واستمرار المحاكم الشرعية، وليس تقديم امتياز خاص للمسلمين الذين يشكلون قطاعا حيويا ومهما في كيان الشعب الكيني، بل إن المحاكم الشرعية حق طبيعي وقانوني لهم، إذ إنها كانت موجودة حتى قبل استقلال البلاد». وطالب الزعماء المسلمون رجال الكنائس بعدم تضخيم قضية المحاكم الشرعية، والتخلي عن موقفهم السلبي من قضية تلك المحاكم.

ودعا نواب في البرلمان الكيني أمس إلى تأجيل الاستفتاء المقرر إجراؤه في الـ4 من أغسطس (آب) المقبل، حول الدستور الجديد، لحل هذا الخلاف بشأن المحاكم الشرعية قبيل موعد الاستفتاء. من جهته قال مواليمو ماتي رئيس المجموعة المكلفة بمتابعة الاستفتاء الشعبي على الدستور المقترح إن إدراج قضية القاضي الشرعي للمسلمين في الدستور الجديد هو جزء بسيط من التعديلات في الدستور؛ إلا أن أطرافا كانت متصارعة أصلا فيما بينها تريد تضخيم هذه القضية، هذه معركة ستكون محل جدل في الشارع حتى قبل إجراء الاستفتاء للدستور الجديد.

جدير بالذكر أن إعداد دستور جديد لكينيا كان من بين بنود اتفاق تقاسم السلطة بين شريكي الحكم في كينيا برعاية الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان، الذي أنهى أسابيع من أعمال العنف الدامية التي وقعت عقب الانتخابات الرئاسية في عام 2008، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 1300 شخص وتشريد نحو 300 ألف آخرين.