كردي من حلبجة فقد أخاه وساقيه في انفجار ألغام يهب حياته لإزالتها

هوشيار علي يزعم أنه أزال شخصيا أكثر من مليوني لغم منذ عام 1986

هوشيار علي يشرح لتلاميذ مدرسة في حلبجة مخاطر الألغام (رويترز)
TT

يقول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن 41 ألف شخص راحوا ضحية للألغام في العراق بين عامي 1991 و2007. وتعتبر الألغام مصدرا كبيرا لتهديد هدف العراق بإعادة بناء اقتصاده وبنيته التحتية اللذين قوضتهما الحرب من خلال احتلال مرتبة متقدمة بين كبريات دول العالم المصدرة للنفط. ووقعت الحكومة مجموعة من الصفقات مع عمالقة في صناعة النفط لتطوير احتياطياتها غير المستغلة وهي ثالث أكبر احتياطيات في العالم. وتهدف حكومة العراق إلى تطهير جميع حقول الألغام بحلول عام 2018 بما يتفق مع التزاماتها بموجب اتفاقية حظر الألغام لعام 1997.

هوشيار علي فقد ساقيه في انفجارات ألغام أرضية في كردستان العراق ويستخدم أطرافا صناعية في السير، لكنه رغم ذلك يمضي قدما في مهمة عمره وهي نزع الألغام من الأرض باستخدام سكين لإنقاذ غيره من المصير الذي لاقاه. وحسب تقرير لوكالة «رويترز»، لم يفقد علي، اللواء المتقاعد في قوات البيشمركة الكردية، ساقيه فحسب، بل فقد أيضا أخاه الذي يبلغ من العمر 9 أعوام بسبب ملايين الألغام المتناثرة في المزارع والسكك الحديدية والطرق وحقول النفط العراقية مما يلحق أضرارا مستمرة بجهود البلاد لإعادة بناء اقتصاد أنهكته الحرب والعقوبات الاقتصادية.

ويقول خبراء نزع الألغام إن الأفراد الذين يعملون في نزع الألغام مثل علي يجعلون العمل في حقول الألغام أكثر خطورة لأنهم لا يستخدمون الأساليب العلمية. وتنتشر الألغام في المنطقة التي يعمل بها علي، وهي الحدود بين إيران والعراق، بسبب الحرب التي دارت بينهما في الثمانينات وأودت بحياة مليون شخص.

وانضم علي (47 عاما)، إلى قوات البيشمركة عام 1986 للمساعدة في إبطال مفعول الألغام بعد مقتل أخيه الأصغر. ويقول علي، وهو متزوج وله ابنتان وابن: «بعد أن مزقت الألغام جسد أخي إربا بدأت القيام بهذا العمل وسأواصله حتى مماتي». وأضاف: «خطر انفجار الألغام المتكرر لن يمنعني. بترت ساقاي في عامي 1989 و1994 لكن هذا زاد إصراري على المضي قدما وإزالة آخر الألغام من كردستان».

ويحتفظ علي بالألغام التي أبطل مفعولها في كل أنحاء منزله حتى في غرفة نومه بحلبجة، وهي بلدة اشتهرت حين استخدم الرئيس الأسبق صدام حسين أسلحة كيماوية ضد سكانها المعارضين لحكمه عام 1988 مما أودى بحياة خمسة آلاف شخص. ويزعم علي أنه أزال شخصيا أكثر من مليوني لغم في مساحة 540 فدانا من الحدود الكردية منذ عام 1986. ويصل هذا إلى نحو 230 لغما كل يوم لمدة 24 عاما.

وعلى الرغم من أنه ليس هناك شك في تفانيه، يتشكك خبراء في هذه الأرقام. وقال حاجي مسيفي، مدير عام إدارة مكافحة الألغام في حكومة كردستان الإقليمية: «الرقم الذي يقوله هوشيار مبالغ فيه وغير معقول لأنه يعمل بأدوات بسيطة وبدائية». وقال مارك طومسون، المدير الفني في المجموعة الاستشارية للألغام (إم إيه جي)، وهي منظمة إنسانية بريطانية طهرت 60 مليون متر مربع من الأراضي العراقية من الألغام: «أعرف هوشيار علي... غير أن (إم إيه جي) العراق ليست في وضع يسمح بتأكيد ما إذا كانت مزاعمه بإزالة أكثر من مليوني لغم صحيحة أم لا».

وتشعر جماعات مثل «إم إيه جي»، فضلا عن بعض المسؤولين الحكوميين الذين يعرفونه، بأحاسيس ملتبسة تجاه هوشيار علي. وقال شيخ جعفر مصطفى، الوزير المسؤول عن البيشمركة: «نقدر جهوده.. أعطيناه معاش تقاعد لأنه فقد ساقيه... لكنه يجب أن يعمل بمزيد من الحذر. يجب أن يعمل مع منظمات مختصة في الألغام حتى لا يعرض نفسه للموت».

ويقدر مسيفي أن نحو 20 مليون لغم زرعت في المناطق الحدودية بين العراق وإيران خلال حربهما التي استمرت من عام 1980 إلى عام 1988، منها نحو تسعة ملايين لغم في كردستان وحدها. وقال إن 10 في المائة فقط من الألغام أزيلت. وتعوق الألغام جهود إعادة بناء الطرق والسكك الحديدية التي ستكون ضرورية في نقل النفط.

وعلى الرغم من الحاجة إلى القيام بهذا العمل فإن جماعات مثل «إم إيه جي»، ومؤسسة «إن جي أو» النرويجية، اللتين طهرتا ملايين الأمتار المربعة من الأرض، تقول إن من يعملون في إزالة الألغام بشكل فردي يصعبون عملها. وقال شيركو حمه رشيد، رئيس مؤسسة «إن جي أو»، وهي من فروع مؤسسة «نورويجان بيبولز ايد»: «حين نذهب إلى حقل الألغام... ويكون أشخاص قد أزالوا بعض الألغام وليس كلها يصبح عملنا أكثر صعوبة وخطورة، لأن محاولاتهم ربما تؤثر على طرق الإزالة العلمية التي نستخدمها».

لكن هذا لا يثني علي.. فإزالة الألغام هي حياته. وقال: «هدفي من إزالة الألغام هو خدمة وإنقاذ أرواح الأبرياء والحيوانات. أحب إزالة الألغام وأشعر بارتياح وأنا أقوم بذلك. أنظر إلى هذه الألغام قبل نومي.. وهي أهم من أي شيء في حياتي».