العالقون الفلسطينيون يروون معاناتهم عند بوابة معبر رفح

شاب يبكي لأنه لم ير والدته منذ عامين

TT

تعددت دوائر الحصار حولها.. وما بين حصار عام وحصار خاص، خرجت «الحاجة فاطمة» من البوابة في سعادة غامرة غير مصدقة نجاحها في العبور مع اثنين من أبنائها لمعبر رفح البري لتتنفس الصعداء بعد أن كسرت الحصار الأكبر الذي يفرضه الاحتلال على قطاع غزة، ولتتفرغ لرحلتها العلاجية للتخلص من عناء الحصار الأصغر الذي يمارسه مرض السرطان على جسدها الضئيل.

وقفت الحاجة فاطمة (50 عاما) لساعات طويلة أمام بوابة المعبر الحدودي مع مئات العالقين عقب صدور القرار المصري بفتحه أمام حركة مرور العالقين بين الجانبين لأجل غير مسمى يوم الثلاثاء الماضي، في رد فعل مبكر على التجاوزات الصهيونية تجاه أسطول الحرية. وفي وقفتها، رأت الحاجة فاطمة المئات من نظرائها الفلسطينيين العالقين حولها، يحدوهم الأمل في المرور، والخوف من المجهول الذي يتمثل في صدور أي قرار فجائي بإعادة إغلاق المعبر.

تقول وإشراقة النجاح في المرور تعلو وجهها بينما تستعد لاستقلال سيارة إلى القاهرة لتلقي العلاج، إنها حاولت مرارا وتكرارا الخروج من غزة إلى مصر على مدى أكثر من عام، ولكن «لكل شيء أوان مقدر»، إذ كانت تفاجأ دوما بإغلاق المعبر قبل استكمال التنسيق اللازم للمرور. حالة الحاجة فاطمة ليست وحيدة ولا فريدة من نوعها، فعلى بعد خطوات قليلة منها أكد فلسطيني آخر يدعى أحمد سعد أن فتح المعبر أمام العالقين يعد ضرورة ملحة مع الحصار الذي تفرضه السلطات الإسرائيلية، وأن قرار الحكومة المصرية بفتح المعبر في هذا التوقيت يعد متنفسا عن حالة الانفجار التي كادت تحدث داخل القطاع. وقال سعد إنه كان يرافق زوجته في رحلة علاجها التي استمرت لأكثر من ثلاثة أشهر داخل أحد المستشفيات بالقاهرة حيث تعاني من فشل كلوي وتحتاج لعملية زرع كلى. ويروي حسين أبو حطب قائلا: «تمكنت اليوم من الوصول إلى الأراضي المصرية للعلاج من مرض الكبد.. أسعى منذ فترة للسفر لكن إغلاق المعبر حال دون ذلك.. فالعلاج غير متوافر بالقطاع مما تسبب في تدهور حالتي الصحية».

ويشير أحمد سليمان (46 عاما) إلى أن السلطات المصرية سمحت له بمرافقة طفلته التي تقرر علاجها داخل أحد المستشفيات المتخصصة بالقاهرة لمعاناتها من مرض بالجهاز الهضمي، قائلا إن «الأوضاع داخل قطاع غزة سيئة للغاية.. والأدوية معدومة والرعاية الصحية متدنية لنقص الأجهزة وتعطلها وعدم قدرتها على استيعاب الكم الهائل من المرضى». ويضيف أن ابنته قد ساءت حالتها منذ فترة إلا أنه لم يتمكن من العبور بسبب استمرار إغلاق المعبر.

المرض لا يقف وحيدا خلف أسباب التنقل بين القطاع ومصر، فالشاب شريف طافش (30 عاما) من سكان تل الهوى بمدينة غزة يقول: «كنت في زيارة لوالدتي المصرية الأصل.. لم أتمكن طوال العامين الماضيين من زيارتها بسبب الإغلاق شبه الدائم للمعبر والحصار المفروض على قطاع غزة». وتتباين مشاعر العائدين إلى غزة، بين فرح العودة إلى أحضان الأهل، والحزن لأسباب أخرى مثل آمال قنديل (35 عاما)، وهي فلسطينية كانت تعالج بالقاهرة وفي طريق عودتها إلى القطاع، فتقول: «كنت أعالج في القاهرة من أزمة قلبية وأمراض بالكبد.. تحسنت كثيرا خلال فترة علاجي.. أشعر بأنني عائدة إلى مقبرة بسبب سوء الأوضاع بالقطاع لكنني مضطرة للرجوع لرعاية أبنائي».

وعلى الجانب الرسمي، قال مسؤول بمعبر رفح الحدودي أمس إن السلطات المصرية فتحت المعبر لليوم الرابع على التوالي أمام عبور العالقين والحالات الإنسانية ولإدخال المساعدات ومواد الإغاثة، وأضاف أنه تم الاتفاق مع الجانب الفلسطيني على السماح بعبور 800 عالق فلسطيني يوميا على الأقل بين الجانبين، لافتا إلى أن توافد الفلسطينيين يبدأ من التاسعة صباحا. وكانت مصر قد فتحت صباح الثلاثاء الماضي المعبر من الجانبين لعبور العالقين، وذلك بناء على توجيهات الرئيس مبارك، وقد بلغ إجمالي عدد العابرين خلال اليومين الأولين 1143 فردا، حيث وصل إلى الأراضي المصرية 511 فلسطينيا، بينما عبر في اتجاه قطاع غزة 632 فلسطينيا.

من جانب آخر، قال طارق المحلاوي وكيل وزارة الصحة، إنه تم توفير نحو 10 سيارات إسعاف متمركزة بالمعبر لنقل المرضى الفلسطينيين القادمين للعلاج الذين تستدعي حالاتهم ذلك، وإن فرقا ولجانا طبية تتمركز في المعبر لفحصهم فور الوصول وتحديد مدى احتياجهم للعلاج. وأفاد بأن نحو 86 مريضا فلسطينيا قد وصلوا إلى الأراضي المصرية خلال اليومين الماضيين.