حادثة قتل معارض تثير تساؤلات حول العدالة في روسيا

الدفاع يفشل في إرغام النيابة على استجواب الشهود أو حضور إعادة تمثيل الجريمة

TT

وصل شاهد واحد فقط إلى جلسة الاستماع الأخيرة في مقتل محمد يفلوييف. وبمجرد دخوله قاعة المحكمة، وضع قبعته على المقعد الموجود إلى جانبه، وعندما حان وقت حديثه، وقف يحيى يفلوييف وتلا سلسلة من الأدلة غير المجمعة – تشمل شهودا لم يتم إجراء مقابلات معهم – والتي كانت يمكن أن تقود إلى الإدانة بالقتل في مقتل نجله.

خيم الصمت على القاعة احتراما لفقدان الرجل، ولثانية بدا الأمر كأن العملية تمكنت من استرجاع 18 شهرا إلى البداية، عندما تم الزج بنجله، وهو زعيم المعارضة في جمهورية أنغوشيا، في سيارة تابعة للشرطة وأُطلق النار على رأسه من مسافة قصيرة. في ذلك الوقت، في أغسطس (آب) 2008، كانت تلك جريمة شنيعة لدرجة أنها كانت تحتاج إلى تحرك. كان محمد يفلوييف على خلاف صريح مع رئيس أنغوشيا مراد إم زيازيكوف، عندما كان الرجلان على متن الرحلة الجوية نفسها القادمة من موسكو. وبعد نحو نصف ساعة من اقتياد الشرطة ليفلوييف، 36 عاما، خارج الطائرة، نقل إلى مستشفى بإصابة تشبه الجرح الناجم عن تنفيذ حكم الإعدام. بدا الكرملين كأنه شعر بالضغوط السياسية، وفي غضون شهرين، أمر الرئيس ديمتري ميدفيديف بتنحي كل من زيازيكوف ووزير خارجيته من منصبهما.

وتسلط هذه القضية الضوء على خنق العملية القانونية في روسيا، حيث ظل المدعي العام يعمل لفترة طويلة مستجيبا لضغوط الأقوياء والنافذين. طالب يحيى من المحققين متابعة القضية على أنها جريمة قتل، لكن فحص السجلات القانونية يظهر أنه لم يتم بحث هذا الاحتمال. وبدلا من ذلك، فتحت الدولة قضية القتل الخطأ، وهي تهمة مخففة تستخدم في قضايا أخطاء الممارسة في مهنة الطب، وطلب المدعون حكما بالسجن لمدة عامين.

عندما وصل محمد يفلوييف إلى المستشفى في ذلك اليوم، كان يعاني مما يسمى غيبوبة عميقة، وعندما قام الطبيب بقياس ضغط الدم لديه وجده عند الصفر. وأعلن الطبيب الشرعي وفاته في الساعة 2:55 مساء، وقال إن الرصاصة التي أطلقت على رأسه تم إطلاقها من «مسافة قريبة». وفي الساعة 4 مساء، فتح أحد المحققين في مكتب المدعي العام في المنطقة تحقيقا حول القتل الخطأ، وصرح بأن يفلوييف كان في طريقه للخضوع للاستجواب في إحدى قضايا التفجير عندما حاول نزع بندقية كلاشنيكوف من الضابط الذي كان يجلس على يمينه. ولم يتحدث المحقق إلى الضباط الثلاثة الذين كانوا في السيارة، وكل ما فعله كان قراءة تصريحات قدمتها وزارة الداخلية في أنغوشيا، وأثار هذا التفسير أسئلة أكثر من تلك التي أجاب عنها.

وتم إضافة مزيد من المعلومات والتفاصيل لهذه القصة على مدار الأسبوعين التاليين، لكن كانت هناك مشكلات تحيط بها. لم يكن المشتبه به، إبراهيم دي يفلوييف (يشترك في لقب الأسرة نفسها مع الضحية، لكنهما ليسا قريبين)، هو الضابط الذي من شأنه أن ينقل الشهود، لكنه أحد الحراس الذين يعملون لدى وزير خارجية أنغوشيا، الذي كان موجودا في المطار لاستقبال الرئيس.

وفي إعادة تمثيل الجريمة بعد 13 يوما، أخبر المشتبه به خبراء الطب الشرعي من مكتب المدعي العام أنه لم يسحب زناد البندقية. وقال إنه كان يوجه مسدسا 9 ملم خارج نافذة بجوار ذراعه اليسرى، مترقبا أي هجوم من أنصار محمد يفلوييف المسلحين. وإذا تحقق المحققون من بصمات يفلوييف على الكلاشنيكوف، فلن يقدموا أي أدلة بشأنها. وإذا كان يفلوييف حرك رأسه إلى الخلف وضرب البندقية، فليس من الواضح كيف ضربت الرصاصة الجانب المستوي من الرأس، أي مقدار بوصة أعلى من أذنه اليسرى. بيد أن نص إعادة تمثيل مسرح الجريمة يشير إلى أن خبراء الطب الشرعي لم يركزوا على هذه المسألة.

المتخصصة أوسينتشوغوفا: «هل يمكن أن تكون بندقيتك لمست رأس الضحية عندما قمت بهذا التحرك المفاجئ؟».

إبراهيم يفلوييف: «انطلت الرصاصة من البندقية عندما تحركت نظرا للشجار. لا أستطيع أن أوضح كيف حدث ذلك بالضبط، حيث إن الأمر حدث بصورة سريعة للغاية.

أوسينتشوغوفا: «هل تتذكر ما إذا كانت رأس الضحية مالت نحو مسند الرأس، أو ربما مالت إلى الأسفل؟».

إبراهيم يفلوييف: «لا أستطيع شرح التفاصيل. وعند هذه النقطة، التقط خبراء النيابة مؤشر الليزر وأعادوا تمثيل انطلاق الطلقة النارية بأنفسهم. وسأل المحقق ما إذا كان أحد لديه أي سؤال، فلم لم يوجه أحد أسئلة. وبسؤالها ما إذا كانت شهادة الضابط مقبولة ظاهريا، قالت أوسينتشوغوفا إنها تعتبرها «ممكنة في عدم استبعاد هذه الآلية من حدوث الإصابة». وبذلك انتهت إعادة تمثيل الجريمة.

لم يتوقع يحيى يفلوييف، 67 عاما، أن يخدم المدعون مصالحه. وبموجب القانون الروسي، يوكل الضحايا المستشار القانوني الخاص بهم لاستجواب الشهود والإدلاء بالشهادة أمام المحكمة. ويمنحهم ذلك صوتا رسميا، لكن ليس صوتا مكافئا. وفي هذه القضية، كان يحيى ومحاموه بمفردهم في الادعاء بأن نجله قُتل.

لم يكن هناك نقص في الأدلة على أن محمد يفلوييف كان يُنظر إليه على أنه أحد الخصوم السياسيين. وبعد عدة أعوام من عمله كمساعد للمدعي العام – ترك الوظيفة بعد اتهامه بالمشاركة في قتل أحد المساجين – أسس يفلوييف الموقع الإلكتروني «Ingushetiya.ru»، وانتقد زيازيكوف وشجع القراء على الاحتجاج. وبعد رفع قضايا جنائية ضد الموقع بتهمة التطرف، حصل المدعون في 2008 على قرار بإغلاقه. وتقدم كبير المحررين في الموقع للحصول على حق اللجوء السياسي في فرنسا.

أثناء الرحلة الجوية المتجهة من موسكو إلى أنغوشيا، وجد يفلوييف وزيازيكوف نفسيهما في مكان قريب للمرة الأولى خلال سنوات. وبعد ذلك بأسابيع قليلة، صرح زيازيكوف لصحافي من القناة التلفزيونية الروسية «رين تي في» أنه لم يكن يعرف أن يفلوييف كان على متن الطائرة معه في ذلك اليوم وليس لديه أي فكرة عمن قتله. لكن محاميي يحيى قالوا إن تاريخهما يثير سؤالا حول ما إذا كان الرجلان التقيا أم لا، وما إذا كان الرئيس قام باتصال هاتفي ليصدر أمرا بالاعتقال.

ولحسن حظ فريق يحيى، جاء أحد المحققين من الشرطة ليقول إنه تلقى أمرا بتزييف شهادته. . لذا، لن تكون هناك شهادة لزيازيكوف، أو للركاب على متن الطائرة الذين رأوا أن الرجلين تقابلا، أوللشاهد، المحقق المتهم بالتستر على الأمر. ولن يتم استدعاء سجلات الهاتف لتتبع محادثات الضباط مع المسؤولين قبل وبعد عملية القتل. ولن يتم السماح لمحاميي يحيى بالحضور أثناء إعادة تمثيل الجريمة، مما يجعلهم عاجزين عن الإشارة إلى نقاط الضعف فيها.

* خدمة «نيويورك تايمز»