التعاون العسكري التركي ـ الإسرائيلي مستمر رغم الأزمة

انقسام في إسرائيل حول كيفية وقف التدهور في العلاقات.. وأنباء عن تدخل أوباما

متظاهرون متضامنون مع الفلسطينيين يقفون على حافلة في وسط لندن خارج مقر رئاسة الوزراء أمس (رويترز)
TT

تظاهر ما بين خمسة إلى عشرة آلاف شخص، أمس، في إسطنبول احتجاجا على الهجوم الإسرائيلي على أسطول مساعدات إنسانية كان متجها إلى قطاع غزة وقتل خلاله تسعة أتراك، بعد يوم من تصريحات متشددة جديدة لرئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، تجاه إسرائيل التي أعرب مسؤولون فيها عن قلقهم من تدهور العلاقات مع أنقرة. وتجمع المتظاهرون في حي جغلايان على الضفة الأوروبية من إسطنبول تلبية لنداء المنظمة التركية للإغاثة وحقوق الإنسان (إسلامية) غير الحكومية، وهي من أبرز منظمي أسطول المساعدات إلى غزة.

وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، كتب على إحدى اللافتات بالفرنسية: «كلما لزمنا الصمت كبرت المذبحة»، بينما رفع متظاهرون أعلاما فلسطينية منددين بإسرائيل.

وردد المتظاهرون: «إسرائيل مجرمة!»، وحملوا أيضا لافتة كتب عليها بالإنجليزية والعبرية «إسرائيل مجرمة، لا تمسوا سفن» المساعدات. وكان أردوغان قد انتقد إسرائيل مجددا، أول من أمس، الجمعة، مؤكدا أنه لا يعتبر حماس حركة إرهابية ولكن حركة مقاومة ضد الاحتلال، كما انتقد الكتاب والمعلقين الأتراك الذين ينتقدون سياسته المؤيدة لحماس قائلا هؤلاء نعرف ماضيهم وخلفياتهم.

وعلى الرغم من إعلان أنقرة عزمها تقليص علاقاتها بإسرائيل إلى أدنى حد، فإن العلاقات العسكرية بين الجانبين لم تتأثر بالتوتر الدائر بشأن قتل إسرائيل مدنيين أتراك كانوا على متن أسطول المساعدات المتجه إلى غزة.

ونقلت صحيفة «حريات» التركية عن وزير الدفاع الوطني التركي، وجدي غونول، أن تركيا لن توقف التعاون في مجال الدفاع مع إسرائيل، لكنه قال إنه في الوقت نفسه لا توجد أي «مشروعات خطيرة» أو كبرى.

ويشمل أحد البرامج القائمة تسليم أنظمة طائرات من دون طيار من طراز «هيرون» التي تحلق على ارتفاع متوسط وعلى مدى طويل.

وبعد تأخير دام أكثر من عامين، نجحت شراكة إسرائيلية بين شركة «إسرائيل لصناعة الطيران والفضاء» (آي إيه آي)، وشركة «البيت»، في تسليم ست طائرات من دون طيار للجيش التركي في شهر أبريل (نيسان) الماضي. ومن المتوقع تسليم أربع طائرات أخرى في وقت لاحق من الشهر الحالي أو في شهر يوليو (تموز) المقبل، حسبما صرح غونول.

وتم توقيع عقد هذه الطائرات بقيمة 183 مليون دولار عام 2005، لكن البرنامج واجه صعوبات فنية منذ البداية. كما استأجر الجيش التركي في مطلع العام الحالي طائرة من دون طيار من طراز «دوميناتور» من شركة أنظمة الدفاع الجوية الإسرائيلية.. وفي أحد البرامج الأخرى القائمة مع إسرائيل، وقعت شركة «بي إم سي» التركية لتصنيع السيارات عقدا العام الماضي بلغت قيمته مئات الملايين من الدولارات مع الوكالة التركية للمشتريات لإنتاج 468 سيارة مدرعة مضادة للألغام والكمائن.

وبالإضافة إلى ذلك، تقدم شركة «آي إيه آي» الإسرائيلية أجهزة رادار خاصة للطائرات الحربية التركية، وتبيع شركة «البيت» الإسرائيلية بعض أنظمة لإلكترونيات الطيران في ظل برنامج تركيا الرامي إلى تحديث طائرات التدريب القديمة «تي 38».

كما وقعت شركة «أسيلسان» التركية للإلكترونيات العسكرية، وشركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية، التي حدثت 170 دبابة تركية من طراز «إم 60» مقابل 670 مليون دولار، في نهاية العام الماضي اتفاقية لتحديث دبابات من طراز «إم 60» لمختلف دول العالم باستخدام هذا النوع بالتحديد من الدبابات.

لكن «حريات» نقلت عن محللين في مجال الدفاع على أنه وسط التوترات السياسية الحالية، ليس من المرجح أن تعقد تركيا وإسرائيل صفقات جديدة في مجال الدفاع في المستقبل القريب.

في الوقت ذاته أعرب مسؤولون إسرائيليون كذلك عن ترددهم في بيع أنظمة أسلحة مهمة من الناحية الاستراتيجية إلى تركيا. يذكر أن تركيا وإسرائيل رفعتا العلاقات بينهما إلى درجة الشراكة الاستراتيجية في منتصف تسعينات القرن الماضي، وفي السنوات التالية فازت شركات إسرائيلية بعقود تركية وصلت قيمتها مليارات الدولارات لتحديث المقاتلات «إف 4» و«إف 5» والدبابات «إم 60» وبيع أسلحة أخرى.

وعكس القلق من تدهور العلاقات في إسرائيل، ألون لئيل، المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، الذي شغل منصب سفير إسرائيل في أنقرة في فترة حكم إيهود باراك (1999 - 2001)، الذي قال إن الهجوم على السفينة كان بمثابة ضربة قاضية للعلاقات بين البلدين. وأضاف: «في السنة ونصف السنة الأخيرة، اتخذت تركيا مواقف شديدة ضد إسرائيل بسبب العملية العسكرية على غزة، ولكن من وراء الكواليس، أبقت تركيا علاقات التعاون العسكري والأمني بين البلدين على حالها. وأجرت عدة تدريبات عسكرية مشتركة، بعضها علني وبعضها سري. أما الآن، فأشعر بأن الحكومة التركية تتخذ موقفا جديدا يتسم بالحدة البالغة ويهدد بقطع العلاقات».

وكشف المحرر السياسي لصحيفة «هآرتس»، ألوف بن، أن تدخل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، هو الذي منع تركيا من قطع علاقاتها مع إسرائيل. وحذر من أن أوباما تدخل لمساعدة نتنياهو على أمل أن يبادر هذا إلى تحريك مفاوضات السلام ويزيل الحصار عن غزة، فإذا لم يفعل، فإنه سيدفع ثمنا باهظا. ودعا نتنياهو إلى أن يستوعب أن الأميركيين لا يعطون شيئا دون مقابل، حتى لإسرائيل.

ولكن الإسرائيليين غير موحدين في التعاطي مع الموضوع التركي. ففي حين يسعى نتنياهو وإيهود باراك وغيرهما من الوزراء إلى وقف التدهور في العلاقات بين البلدين، ولذلك وافقوا على الطلب التركي إطلاق سراح جميع ركاب السفينة التركية «مرمرة» ونقل حمولة سفن «أسطول الحرية» إلى قطاع غزة، بينما وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، يرفض ما أسماه بـ«التهادن الإسرائيلي لتركيا» وقال: «حان الوقت ليفهم كل إسرائيلي أن تركيا أصبحت مثل إيران بالنسبة لإسرائيل وما تمارسه من نشاط عدائي لإسرائيل لا ينبع من حرص على الفلسطينيين وعلى غزة، بل يصب في نهج السياسة الجديدة لتركيا، التي تريد أن تسيطر على العالم العربي والإسلامي، وتجد أن أقصر الطرق إلى ذلك تكون على ظهر إسرائيل».

وقال ليبرمان، في تصريحات للتلفزيون الرسمي الإسرائيلي: «إن هناك مصالح مشتركة بين إسرائيل وتركيا، عسكرية وأمنية، وعلى الطرفين أن يحرصا عليها. فإذا كان طيب أردوغان (رئيس الوزراء التركي)، يتنازل عن هذه المصالح، علينا نحن أيضا أن نتنازل عنها».

على صعيد آخر رأت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، أمس، أن «غضب تركيا من إسرائيل جراء هجوم الأخيرة على سفينة (مرمرة) التركية التي كانت متجهة إلى قطاع غزة ضمن (أسطول الحرية)، هو غضب مفهوم وله ما يبرره في ظل مقتل تسعة أتراك، لكن المسؤولين الأتراك ذهبوا بغضبهم وخطاباتهم أبعد من اللازم»، حيث طالب رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، على سبيل المثال، بمعاقبة إسرائيل على «إرهاب الدولة». وأشارت الصحيفة إلى حاجة إسرائيل وتركيا وحليفتهما المشتركة، الولايات المتحدة، إلى «تهدئة الأجواء». ورأت الصحيفة أن القيادة التركية توظف التصعيد الذي يحدث بين تركيا وإسرائيل منذ المواجهة بين رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، والرئيس الإسرائيلي، شيمعون بيريس، مطلع عام 2009 بشأن الحصار على غزة، على الصعيد الداخلي في تركيا وتستفيد منه على صعيد العالم الإسلامي، مضيفة: «ولكن ربما وجد السيد أردوغان صعوبة في إعادة الأمور إلى ما كانت عليه في حال احتاج لذلك، وسيحتاج».