الشباب والفقراء يحتشدون من أجل غاندي آخر في الهند

حفيد أشهر عائلة سياسية في الهند قد يتولى رئاسة الوزراء في غضون سنوات

TT

هبطت الطائرة الهليكوبتر التي كانت تقل راهول غاندي، حيث كان في انتظارها نحو 100 ألف شخص. اندفع الناس، وسط درجة حرارة مرتفعة، بعد الظهيرة، ولوح الفتيان بأقمشة بيضاء تحمل مطلبا يقول: «نريد أن نلتقي بأمير الهند».

صعد غاندي إلى منصة مرتفعة في هذا الركن المعزول من ولاية أوتار براديش، الولاية الأكثر ازدحاما بالسكان في الهند، ولوح بيده. ويعد غاندي، الذي لم يصل إلى سن الأربعين بعد، ابن حفيد رئيس الوزراء الأول في الهند، وحفيد رئيس الوزراء الرابع في البلاد، وابن رئيس الوزراء السابع. ويشمل جمهور المؤيدين له أفقر الناس في الهند.

وقال أمام الصيحات المتعالية: «أقف هنا معكم. أستطيع أن أحارب معكم في أي مكان». تحدث لنحو 15 دقيقة قبل أن يغادر ويلوح بيده من خلال نافذة طائرة هليكوبتر.

وتعد الهند إرث عائلة غاندي، لكن الأمر الوحيد غير المؤكد هو متى سيجمعها. راهول لا يشغل منصبا رئيسيا في الحكومة، لكن هناك شائعات تقول إن حزب المؤتمر الوطني (الحاكم)، الذي ترأسه والدته سونيا غاندي، قد ينصبه رئيسا للوزراء قبل انتهاء ولاية الحكومة الحالية عام 2014. وكان على مانموهان سينغ، الذي يشغل هذا المنصب حاليا، التهرب من أسئلة حول التقاعد في الآونة الأخيرة.

لكن على الرغم من الشعور بأن وصوله إلى هذا المنصب بات أمرا حتميا، فإن غاندي لا يزال لغزا إلى حد كبير. تعد الهند إحدى القوى الصاعدة، وتواجه كما هائلا من القضايا المحلية والدولية، لكن غاندي لا يزال بمعزل - عن عمد - عن السياسة اليومية. ولا تزال أفكاره بشأن الكثير من القضايا الرئيسية، ناهيك عن درجة إصراره وعزيمته، غير معروفة تقريبا.

وبالنسبة إلى حزب المؤتمر، قد يكون ذلك إحدى المميزات. فقد حصل هذا الحزب على أعلى الأصوات في الانتخابات العامة الماضية والانتخابات التي سبقتها عن طريق اللجوء إلى الفقراء من خلال برامج الرعاية الاجتماعية، فيما كان يواصل في الوقت نفسه السياسات المحفزة للنمو. لكنه يحتفظ بالسلطة فقط من خلال تأييد شركاء الائتلاف المتقلب.

يستغل غاندي شعبيته الضخمة في توسيع القاعدة السياسية للحزب، متجنبا السياسات الأكثر إثارة للجدل. وقد يساعد ذلك حزب المؤتمر على الفوز بأغلبية ضخمة على الصعيد الوطني، على الرغم من أنه لا يبذل الكثير لإلقاء الضوء على ما سيفعل في الحكم إذا ما فاز به. وقال براتاب بانو ميهتا، رئيس مركز أبحاث السياسة في نيودلهي الذي التقى بصورة غير معلنة غاندي وأبدى إعجابه به: «الأمر الذي لا يزال معظم الناس في حاجة إلى وقت طويل لتحديده هو: ما هي الرؤية الخاصة براهول غاندي؟ لا تزال معتقداته السياسية غير واضحة لكثير من الناس».

يجوب غاندي جميع أنحاء البلاد، غالبا في رحلات سرية، لكسب تأييد نحو 10 ملايين عضو جديد من الشباب. وتشمل مهمته أيضا استعادة المعاقل المحورية مثل أوتار براديش في الشمال، التي تدعي أسرته أنها قاعدتها المحلية لكن حزب المؤتمر لا يسيطر عليها.

وتعد معظم الأحزاب السياسية الهندية غير ديمقراطية على المستوى الداخلي، إذ غالبا ما تسيطر عليها أسر سياسية، ولا أحد أكثر شهرة من أسرة غاندي. لكن غاندي أصر أيضا على أن المنظمات الشبابية في الحزب تجري انتخابات داخلية وتعمل كأنظمة يصعد فيها ذوو الخبرة والجدارة فقط إلى السلطة.

ويقول محللون إنه نجح أكثر من أي سياسي آخر في الهند في الاستفادة من الجوع لتحقيق تغيير جيلي في الهند، وجعل نفسه أحد عوامل التغيير في المستقبل، على الرغم من التزاماته الواضحة بالماضي السياسي للهند. ويحاول تجاوز سياسات الهوية والطوائف الاجتماعية، ويلجأ إلى الشباب من جميع الخلفيات الثقافية.

ويعد غاندي حاضرا بصورة كبيرة في وسائل الإعلام، وتظهر صورته على عدد لا يحصى من اللافتات والملصقات السياسية. وتشير صورته العامة إلى أنه رجل متواضع وجاد، وخجول بعض الشيء، وفي الوقت ذاته يتصدر اسمه دوما استطلاعات الرأي التي تصنف العزاب «الأكثر جاذبية» أو «الأكثر تأهيلا». وحتى الآن لم يسبق له إجراء مقابلات صحافية، ولا حتى في هذا المقال، ويجري مؤتمرات صحافية بين الفينة والأخرى.

أما عن حياته اليومية الخاصة، فتحيط بها السرية التامة، وهو ما يجعلها موضوعا لا يقاوم إن لم يكن بعيد المنال بالنسبة إلى جميع وسائل الإعلام الهندية. ونشرت إحدى المحطات الإخبارية تقريرا مطولا بعد الحصول على مقطع مرئي قصير لغاندي وهو يركب دراجته الهوائية في نيودلهي. وأكد غاندي عام 2004 أن لديه صديقة إسبانية، لكن ليس واضحا ما إذا كانت العلاقة بين الاثنين مستمرة أم لا.

ويقول مستشاروه إن ظهوره غير القوي يعكس رغبته في عدم تجاوز سلطة منصبه التنظيمي في حين أن السرية ترجع بصورة كبيرة إلى المخاوف الأمنية. تم اغتيال جدته إنديرا غاندي، وكذلك والده راجيف غاندي (وهذه العائلة غير مرتبطة بالمهاتما غاندي، الذي يعد الأب الروحي للهند الحديثة. والجد الأكبر لراهول غاندي كان جواهر لال نهرو، رئيس الوزراء الأول في البلاد وأحد الآباء المؤسسين)، ومقر إقامته الرسمي في نيودلهي محصن بشدة، وسافر إلى المؤتمر الحاشد في أهرورا بصحبة حراس أمن خاص يرتدون الملابس السوداء.

ومع ذلك، يقول محللون إن صعوبة الوصول إليه تعد محاولة مقصودة لمنعه من اتخاذ موقف علني لا يحظى بالشعبية وأيضا لتلميع صورته. ففي الربيع الماضي، رفض محاولة للانضمام إلى حكومة سينغ. وقال ماهيش رانغاراجان، محلل سياسي في نيودلهي: «يريدون الحفاظ على درجة معينة من الغموض حوله».

قبل أن يدخل غاندي عالم السياسة عام 2004، حيث فاز في الانتخابات البرلمانية في الحي القديم لوالده في أوتار براديش، بدا متناقضا بعض الشيء بشأن مهنة أسرته. درس غاندي في جامعة هارفارد لمدة ثلاثة أعوام قبل أن ينتقل إلى الدراسة في كلية رولينز بولاية فلوريدا، نظرا إلى المخاوف الأمنية بعد وفاة والده. حصل على درجة الماجستير في الدراسات التنموية من جامعة كمبردج وعمل في لندن كمستشار في مجال الإدارة قبل العودة إلى الهند بعدما تولت والدته رئاسة حزب المؤتمر.

في بادئ الأمر، رفضه بعض السياسيين المحنكين، وقالوا إنه فتى لطيف. وداخل حزب المؤتمر، اعتبر بعض القادة أن شقيقته الصغرى بريانكا سياسية أكثر نشاطا منه، لكنها كانت تركز على تربية أطفالها بدلا من خوض الانتخابات.

وكان الظهور الأول اللافت لغاندي أثناء انتخابات 2009، عندما قاد حملة انتخابية عبر البلاد، وامتدحه حزب المؤتمر فيما بعد لظهوره القوي على غير المتوقع. ونظر بعض المحللين إلى نتائج انتخابات 2009 على أنها دليل على أن النفوذ الإقليمي للأحزاب القائم على نظام الطوائف الاجتماعية أخذ في التلاشي. وعلى مدار عقدين من الزمن، مزقت هذه الأحزاب السياسة وتسببت في صعود قادة مثل ماياواتي، الوزيرة الرئيسية في أوتار براديش وأقوى سياسية داليتية في الهند، التي تستخدم اسما واحدا فقط. ويقول محللون إنه يجب على حزب المؤتمر استعادة مقاعد في أوتار براديش وولاية بيهار المجاورة إذا أراد تحقيق أغلبية وطنية.

وستجري ولاية أوتار براديش انتخابات الولاية عام 2012، ويدفع غاندي تجاه الحصول على مقعد ماياواتي. وعلى مدار شهور، ظهر غاندي بصورة دورية في القرى لتناول الطعام أو حتى قضاء الليل مع الأسر المنتمية إلى أقلية الداليت. وصرح للصحافيين بأنه لا ينظر إلى الطوائف الاجتماعية للناس، وكل ما ينظر إليه أنهم أناس فقراء. وقال أحد المتحدثين أثناء المؤتمر الحاشد: «عندما يذهب راهول غاندي إلى منزل أحد أعضاء الداليت لتناول وجبة معه، تبدأ معدة ماياواتي في التوعك».

ويتم إجراء حملاته الشبابية في ولاية تلو الأخرى، واستعان بجماعة غير ربحية من أعضاء سابقين في مفوضية الانتخابات للإشراف على الانتخابات الداخلية داخل المنظمات الشبابية في الحزب، وهو ما يعارض الطريقة المعتادة في اختيار رؤساء الحزب للأفراد الذين يشغلون المناصب في هذه المنظمات.

وقد تهدد حملة غاندي في نهاية المطاف المصالح الراسخة داخل الحزب، حسبما يقول محللون، وذلك هو السبب حتى الآن في أن الانتخابات الداخلية محدودة على المنظمات الشبابية. وبدأت محاولاته للإطاحة بماياواتي بداية غير متسقة. ويقول محللون إن الرد الشعبي على جهود التوظيف التي أطلقها في أوتار براديش كانت فاترة قبل رحلته الأخيرة.وفي النهاية، يقول المحللون، سيتعين على غاندي كشف المزيد عن نفسه، إضافة إلى رؤيته التنظيمية. لقد سافر كثيرا والتقى قادة في مجالي السياسة والأعمال. وعندما زار بيل غيتس الهند في الآونة الأخيرة، ذهب مع غاندي إلى إحدى القرى. وفي مصر، أصبح غاندي صديقا لجمال مبارك، نجل الرئيس حسني مبارك ووريثه المحتمل. وفي الصين، التقى شي جين بينغ، الرجل الذي يعد ليحل محل الرئيس الحالي في البلاد، وزعيم الحزب الشيوعي هو جين تاو. ويبدو أنه يستعد للمستقبل.

* خدمة «نيويورك تايمز»