أمراء الحرب يؤسسون إمبراطورية أفغانية بمساعدات أميركية

ميليشيات خاصة تربح ملايين الدولارات عبر تأمين الحراسة لقوافل «الناتو»

TT

الرجل الأقوى في هذه المنطقة القاحلة بجنوب أفغانستان ليس حاكم الإقليم ولا رئيس الشرطة ولا حتى قائد الجيش الأفغاني، لكنه مطيع الله خان، رئيس ميليشيا خاصة تربح ملايين الدولارات من خلال توفير الحراسة لقوافل الإمداد التابعة لـ«الناتو» وتقاتل متمردي حركة طالبان إلى جانب القوات الخاصة الأميركية.

وخلال ما يزيد قليلا عن عامين تمكن مطيع الله، وهو قائد دورية سابق على الطريق السريع، من أن يبز حكومة إقليم أوروزجان، ولم يكتفِ بأن حل مكانها في مجال توفير الأمن، بل يضطلع بوظائف أخرى خاصة بها، وذلك بحسب ما يقوله منافسون له، مثل تعيين موظفين حكوميين وتقديم منح حكومية. ويقوم المقاتلون التابعون لمطيع الله، وهو رجل أمّي، بالقتال إلى جانب ضباط القوات الخاصة الأميركية.

وقال مطيع الله في مقابلة أجريت معه داخل مجمعه، حيث يحتشد أناس في كل يوم لإعطاء البيعة والتماس المال والمساعدة: «كان إقليم أوروزجان المكان الأسوأ داخل أفغانستان، ولكنه في الوقت الحالي أفضل مكان بها. ماذا نفعل؟ المسؤولون جبناء ولصوص».

ويعد مطيع الله واحدا من الكثير من أمراء الحرب شبه الرسميين الذين ظهروا في أفغانستان خلال الأشهر الأخيرة، في الوقت الذي يسعى فيه الضباط الأميركيون وضباط «الناتو» إلى تعزيز - أو في بعض الأحيان استبدال - القوات الأفغانية النظامية التي تعوزها الكفاءة في المعارك ضد تمرد حركة طالبان.

وفي بعض الحالات، تمكن هؤلاء الرجال الأقوياء من استعادة النظام، ولكن كان الثمن هو تقويض المؤسسات التي يسعى الأميركيون إلى بنائها، مثل قوات الشرطة والإدارات الإقليمية التي يفترض في أحد الأيام أن تكون قوية لتسمح للأميركيين والقوات الأخرى بالانسحاب.

وفي أماكن أخرى بمختلف أنحاء أفغانستان، بزغت نجوم مسلحين أفغان كرؤساء لشركات أمن خاصة أو قادة لميليشيات بعيدا عن أي رقابة حكومية.

وبالنسبة إلى الأميركيين، الذين يسعون إلى تأمين الأوضاع داخل أفغانستان ويتسابقون مع موعد نهائي حدده الرئيس باراك أوباما، فإن ظهور هؤلاء الرجال الأقوياء يعتبر أخف الضررين. وفي حالة مطيع الله، يبدو أن القادة الأميركيين ينحون جانبا تقارير حول تعاونه سرا مع مهربي مخدرات ومتمردين تابعين لحركة طالبان.

ويقول ميجور جنرال نيك كارتر، قائد قوات «الناتو» في جنوب أفغانستان: «مؤسسات الحكومة، من الناحية الأمنية والعسكرية، ليست قوية بالقدر الكافي الذي يمكنها من توفير الأمن، ولكن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، ويحتاج بصورة واضحة إلى التعامل معه».

ويقول الكثير من الأفغان إن الأميركيين وشركاءهم في «الناتو» يرتكبون خطأ فادحا بغض الطرف عن أمراء الحرب أو تشجعيهم. ويخشى هؤلاء الأفغان من أن الأميركيين سيتركون وراءهم حكومة أفغانية أضعف من أن تمارس أعمالها، ورجالا أقوياء من دون أي دعم شعبي.

ويقول محمد عيسى، وهو زعيم قبلي في عاصمة أوروزجان ترين كوت، إن «مطيع الله شخص أمّي يستخدم الحكومة من أجل تحقيق مصالحه الخاصة. وبمجرد أن يغادر الأميركيون، لن يستمر، وحينها ماذا سيبقى لدينا؟».

ولا يبدو مطيع الله مثل أمراء الحرب كبار السن إبان حروب أفغانستان في الماضي. ويرتدي مطيع الله، وهو طويل نحيف، عمامة حريرية سوداء. ويضم جيشه مزيجا غير عادي، فهو يجمع ما بين نشاط تجاري خاص مزدهر وميليشيا تدعمها الحكومة.

ومهمته الرئيسية - والوسيلة التي يدر منها أموالا أكثر - هي تأمين مرور قوافل «الناتو» على الطريق السريع بين قندهار وترين كوت. وفي يوم من كل أسبوع، يعلن مطيع الله أن الطريق السريع الذي يمتد لـ100 ميل مفتوح ويحشد مسلحيه أعلى وأسفل الطريق، الذي يتقاطع مع منطقة بها الكثير من المتمردين التابعين لحركة طالبان.

ويحافظ مطيع الله على الطريق السريع آمنا، ويحصل على مقابل جيد لذلك، حيث يحصل على 1,200 دولار مقابل كل شاحنة كبيرة تابعة لـ«الناتو» و800 دولار مقابل الشاحنات الأقل، حسب ما يقوله مساعدوه. وأشار أحدهم إلى أن دخل مطيع الله يبلغ 2.5 مليون دولار في الشهر، ويعد ذلك رقما خياليا داخل دولة فقيرة مثل تلك الدولة.

ويقول محمد، وهو سائق ينقل أجولة رمال وأعمدة إنارة إلى القاعدة الهولندية داخل ترين كوت: «العبور من خلال هذا الطريق من دون رجال مطيع الله يعد بمثابة انتحار». وتتحمل الحكومة الأفغانية جزءا من نفقات مطيع الله. ووفقا لاتفاق مع وزارة الداخلية، تقدم الحكومة رواتب لقرابة 600 من مقاتلي مطيع الله البالغ عددهم 1500 شخص، ومن بينهم مطيع الله نفسه على الرغم من أن هؤلاء المقاتلين لا يخضعون لإشراف الحكومة.

ويقول مارتين فان بيجلرت، المدير المشارك لـ«شبكة محللي أفغانستان» وهي مؤسسة مستقلة في أفغانستان: «حاولت الحكومة وقفه، وعندما لم تستطع، اتفقوا على أن يدفعوا لرجاله». ويقول قادة في «الناتو» إنهم يدفعون إلى مطيع الله (وآخرين من أمثاله) مقابل خدماته، لأنه لا توجد أمامهم وسيلة أخرى لنقل قوافلهم عبر المناطق الخطرة.

ولكن، تجاوز دور مطيع الله مجرد النشاط التجاري، فقد استخدم ضباط من القوات الخاصة الأميركية الميليشيا التابعة له في عملية جمع معلومات استخباراتية وفي القتال ضد المتمردين. ويقع المجمع الذي يعيش فيه مطيع الله على بعد 100 ياردة تقريبا من مجمع القوات الخاصة الأميركية في ترين كوت. وقال ضابط من القوات الخاصة، شريطة عدم ذكر اسمه، إن وحدته لها علاقات واسعة مع مطيع الله.

ومن خلال ملايين «الناتو» والدعم الأميركي، أصبح مطيع الله القوة الاقتصادية والسياسية الأبرز في المنطقة. ويقدر أن رواتبه تدعم 15,000 شخص في هذه المنطقة الفقيرة. وقد قام ببناء 70 مسجدا ويقدم منحا دراسية داخل كابل، وبدأ يعقد لقاءات أسبوعية مع قيادات قبلية. وكانت آخر الأنشطة التجارية التي قام بها مطيع الله شركة تكسير صخور تبيع الحصى إلى قواعد «الناتو».

* خدمة «نيويورك تايمز»