نقص المياه يهدد الزراعة في العراق.. وكذلك صناعته النفطية

بسببه يتحول مزارعون إلى أجراء في قطاع البناء

TT

بعد الأضرار التي سببتها عقود من الحرب والعقوبات يعاني العراق من نقص حاد في المياه يتوقع أن يتفاقم مع نمو سكانه الذين يبلغ عددهم نحو 30 مليونا. وتغلب على العراق مساحات من الصحراء القاحلة في حين أن به أحد أكثر أنظمة الري اتساعا في العالم غير أن سنوات الحرب ونقص الاستثمارات والعقوبات حالت من دون استغلاله القليل الذي تبقى من المياه.

عبد الله حسن (50 عاما) أب لخمسة أبناء ويعيش بالفلوجة في محافظة الأنبار غرب العراق وقد اضطر إلى التخلي عن زرع أفدنته الخمسين والحصول على عمل في قطاع البناء بعد أن قضت سنوات الجفاف على محاصيله من القمح والشعير والطماطم والخيار والبطيخ. ويلقي حسن باللائمة في فساد محاصيله على نقص المياه المزمن ولا يثق كثيرا في أن الحكومة الجديدة ستستطيع إحياء قطاع الزراعة في العراق الذي دمرته الحرب ويعاني من قلة الاستثمارات.

وحسب تقرير لوكالة «رويترز»، لا يحدو حسن أمل كبير في العودة إلى الزراعة التي كانت مصدر دخله الأساسي على مدى 35 عاما وينوي بيع جزء من أرضه مع استمرار تراجع مستويات المياه في الأنهار والخزانات مما يرفع تركيز الملوثات في المياه. وقال: «يسوء وضع التربة يوما بعد يوم لأن مستوى الملوحة يزيد والخصوبة تقل. هذا مثل السرطان الذي يصيب جسم الإنسان».

ويوفر نهرا دجلة والفرات وهما النهران الرئيسيان في العراق القليل من الغوث للسهول الجافة لأن السدود الكهرومائية في تركيا وإيران وسورية المجاورة قللت من تدفق المياه.

وكانت محافظة الأنبار وهي منطقة صحراوية شاسعة من المناطق التي تضررت بشكل خاص. وأصبحت مساحات كبيرة من الأراضي التي كانت صالحة للزراعة على نهر الفرات غير مستخدمة لعدم كفاية طرق ضخ المياه النظيفة في التربة. وتقول الأمم المتحدة إنه يتم صرف نحو 83 في المائة من مياه الصرف الصحي من دون معالجة في المجاري المائية فيما تقدر الحكومة أن 24 في المائة من العراقيين لا يحصلون على مياه آمنة.

وتعمل الحكومة مع خبراء أميركيين على محاولة إنشاء محطات للمعالجة وبحيرات صناعية لتنقية المياه الملوثة. وأنفق فريق إعادة إعمار محافظة الأنبار - وهي وحدة أنشأتها الولايات المتحدة للمساعدة في إعادة بناء العراق - أكثر من 100 مليون دولار لبناء وصيانة منشآت المعالجة ويتوقع أن تتوافر المياه النظيفة لنحو 97 في المائة من السكان بحلول نهاية العام.

ويعيش نحو 90 في المائة من سكان الأنبار البالغ عددهم 1.4 مليون نسمة على امتداد نهر الفرات حيث انخفضت مستويات المياه انخفاضا حادا. وكان متوسط معدل التدفق بالنهر ألف متر مكعب في الثانية قبل إقامة السدود، وتباطأ معدل التدفق فيه إلى 290 مترا مكعبا في الثانية في أغسطس (آب) الماضي وهو أدنى مستوياته منذ ستة أعوام.

ويقول مسؤولون عراقيون إن منشآت الصرف الصحي غير كافية ويشيرون إلى أن تكلفة إنشاء نظام للصرف الصحي في بلدة الرمادي تبلغ 400 مليون دولار على الأقل. وتساءل إبراهيم مدلول مدير ماء الأنبار: «أين سنجد المستثمرين الذين سيأتون ويستثمرون 400 مليون دولار في مشروع كهذا؟!». وأضاف أنه يتطلع إلى مساندة الحكومة المركزية لدعم مشاريع بهذا الحجم.

وقد يطول الانتظار.. فالعراق يعيش حالة من التشكك السياسي منذ انتخابات السابع من مارس (آذار) التي لم تسفر عن فائز واضح. وقد يستغرق تشكيل حكومة جديدة عدة أشهر وسيعني هذا تأجيل المشاريع الجديدة التي تحتاج إلى موافقة الحكومة. ومن المتوقع أن تركز الحكومة الجديدة على تحسين الخدمات الأساسية بما في ذلك التفاوض على مزيد من إمدادات المياه من الجيران والتركيز على ترشيد استهلاك المياه القليلة التي لدى العراق.

ويهدد نقص المياه تطوير حقول النفط في العراق الذي يتمتع بثالث أكبر احتياطي في العالم والذي عقد في العام الماضي صفقات يمكن أن تدفعه إلى مصاف كبريات الدول المنتجة. فيجب ضخ كميات كبيرة من المياه تحت الأرض للحفاظ على الضغط عند استخراج النفط. ويحتاج إنتاج برميل واحد من النفط إلى نحو 1.6 برميل من المياه.

ويعتبر تطوير الزراعة وقطاع النفط - الذي يعمل به عدد يزيد على عدد العاملين في أي قطاع آخر - ضروريا لصرف الشبان العاطلين عن التشدد مع تعافي العراق من أعمال العنف الطائفي التي شهدها عامي 2006 و2007.

لكن عبد الله الذي يجني ألفي دينار (1.71 دولار) في اليوم من عمله في البناء لا يتوقع تحسنا كبيرا مع تولي الحكومة الجديدة. وقال: «لا أظن أن صحوة حكومية ستحدث، خاصة بعد أكثر من سبع سنوات من هذا التدهور.. لست متفائلا».