أكراد مستنكرين القصف الإيراني: كيف لمقاتلي «بيجاك» التحرك والمنطقة تزخر بالجواسيس؟

«الشرق الأوسط» تتجول في قرى حدودية بكردستان طالتها المدفعية الإيرانية * مسؤولون محليون: الحل لدى الحكومة العراقية

TT

لم يدرك المواطن أحمد صادق وهو يستأجر قطعة أرض زراعية من مالكها قرب مخفر حدودي عراقي أنه يغامر بـ«تحويشة» العمر، تاركا بيته في منطقة ديانا التي تبعد 50 كيلومترا عن الأرض المستأجرة في منطقة حاج عمران الحدودية ليزرع بعض الخضراوات والفواكه مستغلا غزارة المياه التي تدفقت من العيون والجداول في هذه المنطقة بعد هطول أمطار غزيرة شتاء هذا العام، وقال بصوت مؤثر غلبه الحزن والأسى: «إذا استمر القصف لأسبوعين آخرين سأخسر كل ما لدي، لأن موسم الربيع سينقضي.. عندها لا جدوى من كل الجهد الذي صرفته في حرث الأرض وتهيئتها لزراعة محصولي الطماطم والخيار».

وصادق الذي أتى بشقيقته وزوجها وأولادها ليساعدوه في عمله يسكن قرب الأرض المستأجرة التي استهدفها القصف المدفعي الإيراني خلال الأيام المنصرمة، ووقعت إحدى قذائفه قرب الخيمة التي يسكنها أطفاله.

وذكر ابنه البكر آري 12 سنة أنه كان يداوم في مدرسته بالصباح، ثم يساعد أباه بعد الدوام، وأكد: «أنا لست خائفا من القصف، ولكني أخاف أن تضيع جهودنا ونخسر المحصول تماما كما قال أبي».

من جهته، تورط زرار توبئاوي بدوره في مشروع سياحي صرف عليه، كما أكد لـ«الشرق الأوسط»، مبلغا يقدر بـ70 ألف دولار لحد الآن. والمشروع ما زال في بدايته؛ إذ كان هدفه أن يبني 7 بيوت سياحية جاهزة، لكنه وجد عددا من أصدقائه يشاركونه المشروع، فتشجع بتحويله إلى بناء قرية سياحية كاملة في المنطقة وبأحدث طراز لاستقطاب السياح. وقال ضاحكا: «انظر إلى فوق، هناك مخفر حدودي لقوات شرطة الحدود العراقية، وهو آخر مخفر عراقي على الحدود، وكنت أمني نفسي بأن أحتمي بهذا المخفر لحماية مشروعي السياحي، خاصة أنه يعبر عن سيادة الدولة العراقية، ولكن هذا المخفر بالذات تعرض للقصف خلال اليومين الماضيين». وأضاف: «كان في المخفر فقط جنديان، هربا بعد أن وجهت إيران عددا من قذائف مدفعيتها على أطرافه، ولم يعودا إليه إلا صباح اليوم بعد أن توقف القصف».

واستدرك قائلا: «هذا القصف المستمر للمنطقة هو رسالة إلى قيادة الإقليم بعدم انضمامهم إلى التحالف مع علاوي». سألناه بدهشة عن كيفية توصله إلى هذه القناعة، فأجاب: «أولا، ليس هناك أي مبرر معقول لقصف هذه المنطقة ولا للتوغل فيها، والعراق مشغول حاليا بالتحالفات القادمة لتشكيل الحكومة العراقية، وإيران لاعب مهم في العراق، وتريد بخلق مشكلة لقيادة الإقليم أن تفهمها أنها موجودة بالقرب منهم، وأنها قادرة على خلق مشكلات لها إذا تحالفت مع غير الشيعة». وعلى الرغم من هذه القناعة لدى المقاول زرار، فإنه يصر على الاستمرار في مشروعه، ويقول: «لا تهمني الخسارة، فأنا بدأت في مشروعي وسأستمر فيه حتى لو قصفوا هذه البيوت التي أبنيها».

وحول حجج إيران بوجود عناصر من حزب «بيجاك» الكردي المعارض في المنطقة، سخر زرار من ذلك وقال: «يعمل عندي أكثر من عشرين إيرانيا منهم العامل والبناء والنقاش والسائق وغيرهم، وهم يدخلون إلى حاج عمران يوميا من مدينة بيرانشهر المحاذية للحدود داخل إيران، كما أن هناك المئات والآلاف من جواسيس إيران يأتون ويذهبون هنا وهناك، فهل يعقل أن لا ينقل هؤلاء معلومات إلى جهاز الأمن الإيراني بمكان تحركات عناصر هذا الحزب. أقسم بالله أنني لم ألاحظ أي حركة مريبة أو أشخاص غرباء في هذه المنطقة، فكيف يمكن لمقاتلي هذا الحزب أن يتحركوا في منطقة ملاصقة لإيران تزخر بعملائها وجواسيسها؟».

كان (نادر. ح)، وهو مواطن إيراني يعمل في المنطقة منذ ثلاث سنوات، وانضم مؤخرا إلى العمل مع هذا المقاول، وحدثنا وهو يعد غداء العمال: «منذ ثلاث سنوات وأنا أعمل في المنطقة ولم أر عنصرا واحدا من حزب (بيجاك)، صحيح أن لهم وجودا على مناطق الحدود ولكن ليس هنا، بل في حدود منطقة قلعة دزة القريبة من جبل قنديل، أما هنا فلا وجود لهم مطلقا».

في بدء سفرنا إلى الحدود أردنا لقاء قائمقام قضاء جومان الذي تتبعه ناحية حاج عمران الحدودية، فرد على اتصالنا بأنه مشغول مع وفد أميركي يزور المنطقة للاستطلاع، ووعدنا باللقاء أثناء عودتنا من الحدود، ولكن اللقاء لم يتم بسبب استمرار اجتماعه بالوفد، ولكن مدير ناحية حاج عمران كاروان عارف أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «القصف خف اليوم (أمس)»، ورد بدوره على حجج إيران بوجود عناصر حزب «بيجاك» الإيراني الكردي المعارض في منطقته قائلا: «لم نر أحدا من عناصر (بيجاك)، ولم نبلَّغ من أي من سكان المنطقة بوجودهم. القصف كان موجودا في السنوات السابقة، ولكنه كان متقطعا، أما هذا العام فالقصف مستمر، وأكثره كثافة كان يوم 31 مايو (أيار) الذي بدأ من الساعة التاسعة صباحا إلى الثانية ظهرا، واستهدف جبل كودو وهو الموقع الذي تقدمت إليه القوات الإيرانية واحتلتها في ما بعد بعمق كيلومترين، وكذلك قصفت مناطق في جبل كودو وبردوناز وبردة سبي وكاني قوتاب وميكون وبوبة رش واركوركة وغيرها. ونحن من جهتنا أبلغنا جهات عليا مثل القائمقامية والمحافظة».

وحول تأثر الحركة التجارية بعمليات القصف، قال: «نستغرب عدم تأثر الحركة التجارية بالقصف، فقد كنا نتوقع غلق الحدود، ولكن اتصلت بموظفينا في النقطة الحدودية وأكدوا لنا أن الحدود مفتوحة ولم تتأثر حركة التجارة هناك، والغرابة أنهم يرسلون لنا المواد والسلع التجارية في الوقت الذي يمطروننا فيه بقذائف المدفعية أيضا».

عند مرورنا وجدنا مئات الصهاريج المحملة بالنفط الخام وهي متوقفة على جانبي الطريق وعلى امتداد 15 كيلومترا بين جومان وحاج عمران. وعندما أثرنا هذا الموضوع وما إذا كانت لديه مخاوف من إصابة أحدها، قال مدير الناحية: «بالطبع لاحظتم توقف كل هذه الشاحنات، قذيفة مدفع واحدة إذا أصابت إحدى هذه الشاحنات فإن كارثة حقيقية ستقع بكل تأكيد، القصف عشوائي ولا يستثني أي موقع، والخسائر كبيرة خاصة إبادة المواشي وإحراق البساتين والمزارع».

وحول متابعات الجهات الرسمية لهذه العمليات العسكرية الواقعة في حدود مسؤوليته، قال مدير الناحية: «ذهبت أنا والقائمقام ووفد من البرلمان إلى المنطقة لمعاينة وضع السكان، وكان الوضع مأساويا بالنسبة لكثيرين منهم، ولكننا لم نستطع أن نفعل شيئا، لأن الحدود من مسؤولية الحكومة العراقية، نحن أبلغنا الجهات الأعلى منا بالتطورات، وقلنا لهم إن القوات المتقدمة جلبت الشفلات والآليات وهي تعمل على شق الطرق، وهذا تأكيد على أنهم باقون في المنطقة».

في ظل تطور عمليات القصف المدفعي وتحولها إلى توغل عسكري داخل الأراضي العراقية، واجهت «الشرق الأوسط» العميد فخر الدين عبد الله نائب قائد قوات حرس حدود الإقليم التابعة لوزارة الداخلية العراقية بسؤاله عن أسباب عدم تحرك تلك القوات للرد على التوغل الإيراني الذي يعتبر بكل المقاييس فرض حالة «احتلال» لأرض عراقية، قال: «لقد أبلغنا الجهات العليا بالتطورات الجارية على الحدود أولا بأول، بل إننا نرفع كل ما يحدث من تحركات إيرانية على مدار الساعة إلى قيادة قوات حرس الحدود ووزارة الداخلية، ولكن للأسف لم نتلق أي رد أو تعليمات من الجهات العراقية بهذا الشأن، ونحن قوات عسكرية مرجعنا هو وزارة الداخلية.. نرفع تقاريرنا اليومية إليها، ولا نشك في أنها بدورها ترفعها إلى رئاسة الحكومة العراقية، ولكن لحد الآن لم نتلق أي رد بكيفية التصرف مع هذه الانتهاكات، وهل يفترض أن نرد عليها أو نواجه التهديدات بالطرق المتاحة»، وأضاف: «نحن وضعنا قواتنا في حالة الإنذار القصوى تحسبا لأي طارئ، ولكن مع ذلك لا نستطيع التحرك من دون وصول توجيهات أو تعليمات من المراجع العليا بالدولة العراقية».

وقال: «لقد كان القصف يستهدف بعض المناطق والقرى الآهلة بالسكان ولكن حتى مخفرنا الحدودي تعرضت أطرافه للقصف المدفعي الإيراني، وهذا في حد ذاته يعتبر تحديا، ولكننا لا نستطيع أن نرد على تلك الاستفزازات من دون صدور توجيهات من مراجعنا العليا». وحول حجج إيران بوجود مقاتلي حزب «بيجاك» الكردي في تلك المنطقة، قال عبد الله: «المناطق الحدودية في إقليم كردستان معظمها مناطق جبلية وعرة تستخدمها قوات المعارضة منذ عقود طويلة ملاذا لها، ومنها قوى معارضة لدول الإقليم، وقد أكدنا مرارا أننا غير قادرين على ضبط هذه المناطق بسبب تضاريسها وصعوبة التحرك فيها على الجيوش. وبذلك، فإن معظم هذه المناطق تعتبر مسرحا لنشاطات قوى المعارضة ضد الدول المجاورة، ونحن نعتقد أن حل هذه المشكلات على الحدود لن يكون عن طريق الحسم العسكري، ولا بد من أن تكون هناك حلول سياسية تشترك فيها دول الجوار (تركيا وإيران والعراق) وحزب العمال الكردستاني التركي المعارض وأخيرا حزب (بيجاك) الذي يعتبر جناحا إيرانيا لحزب العمال الكردستاني، فلا يمكن فرض الحلول العسكرية التي أثبتت فشلها على مدار الأعوام الماضية».