تحقيق حول تواطؤ شركات أمنية أفغانية مع حركة طالبان

شركات أمنية خاصة يمتلكها مسؤولون بارزون من أقارب الرئيس كرزاي

TT

ورد في تقارير على مدى عدة أشهر داخل أفغانستان قيام القوات الأفغانية، التي تصاحب قوافل أميركة وأخرى تابعة لـ«الناتو» في المناطق الصعبة، بتقديم رشا إلى حركة طالبان لتسمح لهم بالمرور. وبعد ذلك أشارت سلسلة من الأحداث وقعت خلال الشهر الماضي إلى تواطؤ كامل مع المتمردين. وبعد مواجهتين داميتين مع مدنيين أفغانيين، مُنعت اثنتان من أكبر الشركات الأمنية الخاصة - «الوطن لإدارة المخاطر» و«بوصلة الأمن» - من اصطحاب قوافل «الناتو» على الطريق السريع الرئيسي الذي يربط بين العاصمة كابل وقندهار.

ودخل هذا الحظر حيز التنفيذ في 14 مايو (أيار). وفي الساعة العاشرة والنصف من صباح ذلك اليوم، تعرضت قافلة إمداد تابعة لـ«الناتو» كانت تمر عبر هذه المنطقة لهجوم. وقُتل خلال ذلك سائق أفغاني وجندي، وأضرمت النيران في الشاحنة. وبعد مرور أسبوعين بقيت خلالهما أكثر من 1000 شاحنة عالقة على الطريق الرئيسي، منحت الحكومة الأفغانية شركتي «الوطن» و«بوصلة» إذنا باستئناف عملهما مجددا.

وأنكر رئيس شركة «الوطن» رشيد بوبال بقوة أي إشارة إلى تواطؤ رجاله مع المتمردين أو تدبيرهم تنفيذ هذه الهجمات للتأكيد على الحاجة لخدماتهم. ولم يرد مسؤولون داخل شركة «بوصلة الأمن» على تساؤلات طرحت عليهم في هذا الصدد.

ولكن أثار هذا الحادث، وحوادث أخرى مشابهة، شكوك محققين داخل أفغانستان، وفي واشنطن يسعون إلى تتبع مصير عشرات الملايين من أموال دافعي الضرائب تذهب إلى شركات أمن خاصة تساعد على نقل الإمدادات إلى قواعد أميركية وقواعد «الناتو».

وعلى الرغم من أن التحقيق لم ينتهِ بعد، يشك المسؤولون في أن بعض هذه الشركات الأمنية، على الأقل، تستخدم الأموال التي تحصل عليها لرشوة حركة طالبان، علما أن الكثير من هذه الشركات الأمنية لها علاقة بمسؤولين أفغانيين بارزين. ويشك المسؤولون في أن الشركات الأمنية ربما تشارك في معارك وهمية من أجل زيادة الإحساس بالمخاطر على الطرق، أو في قيامهم في بعض الأحيان بالهجوم على منافسين لهم. وتثير الشكوك تساؤلات جوهرية حول مجرى العمليات داخل أفغانستان، حيث تمثل القوافل والإمدادات التي تنقلها شريان حياة لهذه الحرب. ويقول مسؤول تابع لـ«الناتو» في كابل: «نقوم بتمويل كلا جانبي الحرب». وأشار المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، إلى أن التحقيق لم يكتمل بعد، وأنه يعتقد أن ملايين الدولارات تصل إلى حركة طالبان.

ويواجه التحقيق صعوبات، من بينها حقيقة أن بعض الشركات الأمنية الخاصة يمتلكها أقارب الرئيس الأفغاني حميد كرزاي ومسؤولون أفغانيون بارزون. ونجد على سبيل المثال أن بوبال من أقارب الرئيس كرزاي، ويقول مسؤولون غربيون إن المساهم الأكبر في شركة «الوطن لإدارة المخاطر» هو قيوم، شقيق كرزاي.

والهدف الرئيسي من الحملة التي تقودها أميركا داخل أفغانستان، هو تجهيز الدولة والجيش الأفغاني لقتال حركة طالبان نفسها، وتشير احتمالية التواطؤ بين حركة طالبان والمسؤولين الأفغان إلى أن الطرفين الأفغانيين غالبا ما يتعاونان في السر بدلا من أن يقاتلا بعضهما بعضا. ويقول مسؤول آخر في «الناتو» داخل كابل: «يعتقد الناس أن التمرد والحكومة منفصلان بعضهما عن بعض، ولكن ليس هذا هو الحال على الدوام، بل نجد أن هناك علاقة بينهما». ويقول مسؤولون غربيون في أفغانستان إن بعض الشركات الأمنية الخاصة مشهورة بمهاجمة قرى تقع على الطرق تتعرض فيها القوافل لإطلاق نيران. وتظهر السجلات أن هناك 52 شركة أمنية مسجلة لدى الحكومة، ويتبعها 24,000 مسلح، معظمهم أفغانيون. ولكن الكثير من الشركات الأمنية، إن لم يكن معظمها، غير مسجل مطلقا، ولا تقوم بالإعلان عن نفسها، والبعض منهم يشبه في نواح كثيرة عصابات مسلحة. وداخل مدينة قندهار وحدها، تعمل 23 مجموعة مسلحة على الأقل، كشركات أمنية غير مسجلة لدى الحكومة، بعيدا عن الرقابة الحكومة، وذلك حسب ما ذكره مسؤولون أفغانيون وغربيون. وداخل شوارع قندهار الفوضوية، يمكن في الأغلب رؤية رجال مسلحين يجوبون الطرقات من دون ارتداء زي موحد أو حمل بطاقات هوية.

ويقول حنيف أتمار، وزير الداخلية الأفغاني: «يوجد الآلاف من المواطنين الذين يحصلون على أموال من مؤسسات مدنية وعسكرية نظير اصطحاب قوافلهم، ويمثل هؤلاء مشكلة». (ويُشار إلى أن أتمار استقال من منصبه بعد ضغوط من جانب الرئيس كرزاي يوم الأحد). وأضاف: «الشعب الأفغاني غير مستعد لقبول ضمان الشركات الخاصة الأمن».

ويقوم الكثير من المسلحين باصطحاب قوافل تحمل إمدادات إلى قواعد أميركية وأخرى تابعة لـ«الناتو» بموجب تعاقد أميركي تبلغ قيمته 2.2 مليار دولار. ويقوم مسؤولون أميركيون بمنح العقود لشركات شحن أميركية وأفغانية تنقل الطعام وغيرها من الإمدادات إلى قواعدهم في مختلف أنحاء أفغانستان. وتكون شركات الشحن مسؤولة عن توفير الحماية لنفسها. ونتيجة لذلك تقوم شركات الشحن عادة باستعمال إحدى الشركات الأمنية لترافق القوافل. وتحصل الشركات الأمنية عادة على ما بين 800 دولار و2,500 دولار لكل شاحنة مقابل أن ترافقها على امتداد الطريق الرئيسي. وتحتوي القوافل عادة على المئات من الشاحنات. وعلاوة على ذلك، حصلت الكثير من الشركات الأمنية على عقود لحراسة قواعد عسكرية أميركية. ويعد المال الذي تحصل عليه الشركات نظير خدماتها جيدا، لدرجة أن عائلات بعض الأشخاص ذوي النفوذ داخل أفغانستان - الكثير منهم مسؤولون حكوميون - أسسوا شركات أمنية خاصة للاستفادة من ذلك. وإلى جانب شركة «الوطن لإدارة المخاطر» توجد شركة «إن سي إل هولدينغ»، التي أسسها حميد وارداك، ابن وزير الدفاع الأفغاني رحيم وارداك. وقال مسؤولون إن صديق مجددي، ابن رئيس مجلس الشيوخ الأفغاني صبغة الله مجددي، يمتلك شركة «النخبة للخدمات الأمنية»، التي تصاحب قوافل «الناتو». وحتى وقت قريب على الأقل كان حشمت كرزاي، وهو أحد أقارب الرئيس الأفغاني، يسيطر على «مجموعة آسيا الأمنية»، وهي شركة أمن خاصة.

وتتبع الشركات الأمنية في بعض الأحيان أساليب غير تقليدية. وتقوم بعض الشركات بتقديم رشا لمقاتلي حركة طالبان، ويستخدم الكثير منها العنف المفرط ضد سكان القرى أو المتمردين إذا حاولوا إعاقة القوافل التي يوفرون لها الحماية.

* خدمة «نيويورك تايمز»