رئيس حكومة كردستان: نسعى لتطوير علاقاتنا مع العمق العربي للعراق.. ولحكومة مواطنة بعيدة عن تدخلات الأحزاب

برهم صالح في حديث لـ«الشرق الأوسط»: مصلحة الإقليم تستوجب التفاعل مع بغداد

برهم صالح (أ.ف.ب)
TT

يتمنى الدكتور برهم صالح رئيس حكومة إقليم كردستان، أن يكون يومه أكثر من 24 ساعة لإنجاز برامجه الحكومية والحزبية، ويقول: «أنا أحب العمل، لا شيء يسعدني مثل العمل، وأفضل العمل خارج حدود المكتب، فالحركة بين الناس تسعدني وتمنحني طاقة إضافية».

صالح الذي ترك موقعه كنائب لرئيس حكومة العراق، وتسلم منذ ستة أشهر موقعه كرئيس لحكومة الإقليم، يسعى جاهدا لتنفيذ البرنامج الانتخابي الذي وعدت من خلاله القائمة الكردستانية الناخب بوعود واقعية وليست مثالية، على الأقل تحقق قسم مهم منها، وهو ما يتعلق بالعمل على ميزانية شفافة ومتقشفة في مجال الإنفاق الحكومي، وتقليص عدد الوزراء من 43 وزيرا إلى 19.

ولأن ساعات اليوم لا تكفيه، فهو ينقل مكتبه معه أينما ذهب، فهناك أنواع من الكومبيوترات تنتقل معه في سيارته وبيته، وحتى في جولاته، فهو المولع باستخدام التكنولوجيا الرقمية، ويستخدم في العادة كومبيوترا محمولا «بي سي» و«أبل» ثم «آي باد» وهاتف «آيفون»، ذلك أن كل ملفات حكومته ومشاريعها الاقتصادية الواعدة تتحرك معه عبر هذه الأجهزة.

يتنقل صالح داخل مدن الإقليم بعدد محدود للغاية من السيارات؛ اثنتين، وفي أكثر الحالات ثلاث، ويحرص على قيادة سيارته بنفسه كي يتحرر بعض الشيء من جلوسه وراء المكتب، من دون أن ينسى أن يشرب الشاي هنا، أو يتناول قطعة خبز هناك وسط السوق وبين الناس. «الشرق الأوسط» تحدثت إلى صالح في حوار مطول في ما يلي نصه:

* هل يشعر برهم صالح بالندم لتركه منصبه، نائبا لرئيس حكومة العراق في بغداد، وقبوله بمنصب رئيس حكومة الإقليم في أربيل؟

- عندما طُرح عليَّ هذا الموضوع قلت لإخواني إنني أعتبر نفسي خادما للمصلحة العامة، فإن كان مطلوبا مني العمل في بغداد فسأكون هناك، أو في أربيل أو السليمانية، أو أي موقع في العراق، فواجب علي أن أخدم وأقدم ما هو لمصلحة البلد والناس.

* وفي داخلكم ومع نفسكم هل تشعرون بذلك؟

- حتى في داخل برهم صالح هناك الشعور نفسه، فتجربة الأشهر الستة من عمر حكومة الإقليم حققنا فيها الشيء الكثير لتجربة الحكم في الإقليم. وأنا أعتز بعلاقاتي وصداقاتي مع الإخوة في بغداد، ويجب التواصل مع هذه العلاقات. فمصلحة إقليم كردستان تستوجب التفاعل مع بغداد، والمساهمة من هذا الموقع في حل مشاكلها. وآملين أن يتم تشكيل حكومة منسجمة قادرة على النهوض بكل البلد وتجاوز الاختناقات التي شابت العملية السياسية في السابق، وأنا متواصل مع الوضع في بغداد من أجل الوضع العام، أي الإطار الوطني الأوسع، وأيضا من أجل الملفات العالقة بين بغداد وكردستان.

* وماذا حققت حكومتكم خلال نصف السنة الماضية؟

- بعد ستة أشهر على تشكيل حكومة إقليم كردستان، أرى من الصعب الآن التحدث عن هذه الإنجازات، فنحن بدأنا بتشكيل الحكومة التي انطلقت بعد انتخابات نيابية ربما غير مسبوقة في تاريخ كردستان، من حيث ظهور معارضة قوية نسبيا، التي تمخضت عنها خارطة جديدة في البرلمان الكردستاني، وبعد ذلك جاءت الانتخابات التشريعية العراقية التي رافقتها ظروف سياسية يجب أن تؤخذ في الحسبان. لكنني أريد أن أؤكد أنه خلال الفترة الماضية تمكنا من تحقيق مبادرات ليست قليلة، منها أننا، كما وعدنا في الحملة الانتخابية للقائمة الكردستانية التي كنت أمثلها، قلصنا مجلس الوزراء من 43 عضوا إلى 19، وهذا كان في حد ذاته خطوة مهمة نحو ترشيد الإدارة الكردية. قدمنا موازنة في بداية السنة المالية إلى برلمان الإقليم، وكان هناك نقاش حقيقي وحام حول أوجه الصرف، وكيفية إدارة الملف المالي، وأولوية مشاريع التنمية، وبعد إقرار الموازنة انطلقنا نحو تنفيذ برامجنا.

* لكن مناقشة الميزانية جابهت سجالات وإشكالات في البرلمان؟

- بلا شك في كل الحكومات والبلدان التي تتمتع بأنظمة ديمقراطية حية، يحظى موضوع الموازنة بالكثير من الاهتمام والسجال؛ ففي الموازنة تتجسد كل أعمال وبرنامج الحكومة، وفي هذه المحطة من عمر التجربة السياسية في كردستان ووجود معارضة تتباين في وجهات نظرها عن كتلة الأغلبية كان ذلك مبعثا للنقاش، وهذا هو المطلوب حقيقة من وجهة نظري، وأنا شخص يؤمن بالديمقراطية والتحاور، وبالدور الرقابي للبرلمان، الذي له دور مهم في مراقبة أداء الحكومة، والتشديد على مسالة الأداء المالي والتخطيط الاقتصادي، والموازنة هي الوسيلة لتحقيق ذلك. هذه الموازنة تضمنت مبادرات مهمة من أجل المضي في برنامج الإصلاح الاقتصادي والإداري في الإقليم الذي بدأناه، وهو برنامج طموح نعرف أنه يواجه عقبات، ولكننا ماضون في إنجازه، وأيضا تحسين حالة الخدمات. لا أستطيع أن أقول إنها كانت موازنة مثالية، فاحتياجات الإقليم أكثر مما نحن قادرون على التخصيص له، لكن هذه هي الإمكانيات المتاحة لنا في هذه الموازنة، ولأول مرة أكدنا على أن تمويل الأحزاب، ودعم تأهيل الحراك السياسي في الإقليم يجب أن يتم من خلال قانون تمويل الأحزاب، وأن يكون ضمن قانون الموازنة العامة، وهذا ما أدى إلى تقليص الموازنة المتوفرة للأحزاب بدءا بالحزبين الرئيسيين والأحزاب الأخرى، وإعادة هذه الموارد إلى الخزينة العامة لتصرف في المشاريع الخدمية.

* ما هو مقدار الأموال المخصصة للأحزاب؟

- هناك ميزانية مقدرة بـ95 مليار دينار عراقي، مخصصة سنويا لتمويل الأحزاب، ولكن لحين صدور القانون سيتم منح الأحزاب سُلَفا يتم تسويتها بعد صدور القانون. في هذه الموازنة خفضنا الموازنة التشغيلية من 71 في المائة إلى 69 في المائة من دون المس بالرواتب، لكونها مسألة حياتية للناس، لكن النفقات غير المبررة وغير الضرورية للحكومة تم تقليصها نسبة إلى الموازنة العامة، وقدمنا مبادرة لتعزيز رواتب الشهداء، وذوي المؤنفلين (ضحايا عمليات الأنفال التي جرت خلال النظام السابق)، وذوي الاحتياجات الخاصة، وأيضا كانت لدينا مبادرات مهمة، مثل إطلاق الحملة الوطنية لبناء المدارس؛ حيث سيتم بناء أكثر من 100 مدرسة كبيرة وعصرية في مراكز المدن والأقضية، وكذلك أطلقنا برنامج دعم البعثات العلمية للطلبة، وبرنامج تنمية القدرات لتأمين جيل من الكوادر الشابة التي ستكون في خدمة التجربة الواعدة. كان لدينا أيضا مشروع تطوير مشاريع الإسكان ودعم صندوق قروض الإسكان، ومبادرات لدعم مشاريع الزراعة والصناعة، وبناء أربع جامعات جديدة. لكن برنامج الإصلاح يتعرض إلى المشاكل والعراقيل، لكونه يتقاطع مع مصالح تتشكل في أي وضع سياسي أو اقتصادي، لكننا جادون في المضي بذلك.

* ما هي الميزانية المخصصة لإقليم كردستان؟

- حوالي عشرة مليارات دولار.

* هل تعتقدون أن مثل هذا المبلغ كبير أو مناسب أو قليل؟

- عشرة مليارات دولار مبلغ ليس قليلا في الظروف الاعتيادية، لكن احتياجات الإقليم، وكذلك احتياجات العراق كبيرة جدا، لكون البلد كان مدمرا، وهناك احتياجات للبنية التحتية، ومثل هذا المبلغ قليل لبناء الإقليم الذي كان مدمرا وتعرض لسياسة الأرض المحروقة إبان عهد النظام السابق، وهذا ينطبق أيضا على البصرة والأنبار وبغداد، ومدن عراقية أخرى. لكن هذه الميزانية ستصرف بشكل شفاف.

* لكن هذه الميزانية ومخصصاتها خلقت لكم مشاكل وأعداء ومنتقدين حتى من داخل حزبكم (الاتحاد الوطني الكردستاني)؟

- ما قمنا به من إصلاحات كان جزء منه باتفاق سياسي داخل الحزبين؛ الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني، وكان هذا مثبتا في البرنامج الانتخابي للقائمة الكردستانية، وكان هناك دعم من قبل الرئيس مام جلال، الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني، والأستاذ مسعود بارزاني رئيس الإقليم، والتأكيد على تنفيذ الوعود التي قطعناها للمواطن في الإقليم. وأشدد هنا على أهمية المحافظة على ما تحقق من إنجازات في السابق، فما تحقق خلال العشرين سنة الماضية من عمر الحكومة الكردية ليس قليلا، والحكومة السابقة برئاسة زميلي وأخي نيجيرفان بارزاني قدمت الكثير وكذلك الإخوة الذين سبقوه، وفي ظل ظروف بالغة الصعوبة، ويجب أن نقيم ما تحقق، وحماية المكتسبات التي تحققت، ولكن بلا شك هناك مشاكل في وضع إقليم كردستان من حيث الأداء الحكومي والشفافية ووجود مكامن للفساد، وقد بادرنا من أجل المضي بهذه السياسة الإصلاحية التي هي نتاج سياسة ودعم الحزبين الرئيسيين في الحملة الانتخابية، وليست سياسة شخص واحد. نعم، عندما نمضي في تنفيذ برامج الإصلاح ستكون هناك مصالح تتضرر، وهناك من لا يروق له ذلك. ولكن الخط العام هو دعم هذا البرنامج الطموح؛ لأنه التزام أخلاقي علينا، كما أنه خارطة طريق مأمونة للنجاح، وخدمة للشعب.

* ما هو مدى تدخل الحزبين في عمل الحكومة؟

ـ حالة التداخل بين الحزب والحكومة موجودة، وهي موروثة نتيجة الاقتتال الداخلي وانشطار الإدارة، ولكننا عندما نقوم بفصل الحكومة عن الحزب يجب أن نضعها في سياقها الصحيح، ونحول الحكومة إلى حكومة المواطنة، وليست حكومة هذا الحزب أو ذاك. معالجة حالة التداخل الحزبي مع الحكومة يجب أن تكون ببعد نظر، ووفق سياقات إدارية متأنية ليس من بينها التحول الدراماتيكي. أنا أقول إن الحزب تضرر نتيجة هذا التداخل؛ لأن كل مشاكل الحكومة انعكست سلبا على الحزب. ولكن في أي نظام ديمقراطي يقرر الحزب الفائز في الانتخابات، وهي في كردستان القائمة الكردستانية، سياسة الحكومة، حكومة المواطنة التي يجب أن تراعي أسس الكفاءة في اختيار المواقع الحكومية، وليس من خلال التزكية أو المحاباة الحزبية، ويجب أن يكون هناك تكافؤ فرص لكل المواطنين، ولكن فصل الحزب عن الحكومة لا يعني ألا يكون للحزب أي دور في الحكومة، بل على العكس يجب أن يرسم الحزب سياسة الحكومة، حتى يكون مسؤولا عن نجاحها أو إخفاقها أمام الجماهير في الانتخابات الدورية، فأنا عضو قيادي في الاتحاد الوطني، واختياري لهذا الموقع يأتي ضمن الحسابات السياسية. وفي كردستان، وبسبب ظروف الاقتتال الداخلي والحالة التي عشناها، حصل تداخل بين الحزب والحكومة، ويجب تنظيم هذه العلاقة وفق الآليات القانونية.

* تزامن استلامكم للحكومة مع وجود معارضة تتمثل في حركة التغيير، برئاسة نوشيروان مصطفى، كيف تنظرون إلى ذلك؟

- أنا أعتبر وجود المعارضة هو ظاهرة مهمة وضرورية في أي نظام ديمقراطي، فلها دور مهم في تصويب الأداء الحكومي وتنشيط الحراك السياسي. لكن إذا كانت المعارضة مبنية على أساس العداء والتناحر، وعلى خلفية التجاذبات الحزبية الضيقة والتعرض للمقدسات وللثوابت المجمع عليها اجتماعيا ووطنيا، تمثل جزءا من الأزمة وليس جزءا من الحل باتجاه تصويب العملية السياسية والأداء الحكومي. مع الأسف الشديد، ولا أريد أن أعمم، فإن هناك توجها لتصفية الحسابات، لأن بعض هذه المعارضة في البرلمان نتجت من رحم صراع مزمن داخل الاتحاد الوطني الكردستاني، لهذا هناك في هذه المعارضة من ينظر إلى كل ما نقوم به من خطوات في الحكومة على أساس خلفية هذا الصراع، وضمن هذا السياق فإن هذه المعارضة لم تكن مفيدة، ولم تساعدنا في تحقيق النهج الإصلاحي، على الأقل إلى هذه الساعة. وبالمقابل، وحتى أكون دقيقا، فإن هناك بعض الطروحات للمعارضة تدعو إلى الإصلاح وتفعيل حكم المواطنة نراها مفيدة ونتعامل معها بإيجابية، ولكن أملنا أن تنتهي المعارضة القائمة على أساس تصفية الحسابات والتجاذبات الحزبية السابقة التي ليست لها علاقة مع الشأن العام والمصلحة المباشرة للمواطنين، وكما قال رئيس الجمهورية، الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني، مام جلال طالباني في تقريره السياسي للمؤتمر الثالث لحزبنا؛ فإننا سنتعامل معها بالمثل. هناك خلافات حقيقية مع المعارضة، ولكن يجب ألا ترتقي إلى حالات العداء المستحكم والإقصاء. نحن نتعامل مع المعارضة ضمن وجودها في البرلمان والمؤسسات الدستورية، ونأمل منهم في أن يكونوا إيجابيين في التعاطي معنا، وسنتجاوب مع طروحاتهم الإيجابية. وبعكس ذلك فإن هذا يشكل ضررا للعملية الديمقراطية وللعملية السياسية ولهم أيضا.

* هناك الكثير من الأخطاء تُلقَى على شماعة الانشقاق في الحزب، متى سيتم تجاوز هذه الحالة؟

- لا، ما أقوله إن ما تعرض له الحزب من انشقاق حالة ليست سهلة، وليست قليلة، قيادة الحزب انشقت وخلقت حالة إرباك في خضم الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان. ولم يكن هذا سهلا للاتحاد الوطني الكردستاني الذي مر بظروف صعبة جدا، وبسبب هذا الانشقاق الذي كان ظاهره إجراء إصلاحات لم نكن نختلف حولها كهدف، وإن كنا نختلف حول خارطة الطريق لإنجازها. وهذه كانت ظروفا لم يكن لأي حزب أن يتمكن من تجاوزها عدا حزبنا. لنا أن نعتز بما أنجزناه في الماضي، وما حققناه من إنجازات وطنية كردستانية وعراقية، ومبادرات سياسية مهمة على مدى 35 سنة من عمر الحزب، ولنا أن نعتز بأننا حزب الإنجازات الكبرى والتحولات التاريخية في المجتمع الكردستاني. لكن السؤال الأهم المطروح أمامنا وفي هذا المؤتمر: هل سنكون حزب المستقبل أيضا؟ وهذا مرتبط بإعادة ترتيب أوضاع الحزب الداخلية، وإعادة هيكلته ليكون متلائما مع التحولات الاجتماعية والسياسية التي طرأت على المجتمع الكردستاني وعلى المجتمع العراقي في العموم بعد عملية التحول الديمقراطي، ولكن وبحجم أكبر، إعادة اللحمة بيننا وبين الجمهور الكردستاني، وهذا يتطلب الإقدام على إصلاحات كبيرة. لو تعرض أي حزب آخر إلى ما تعرضنا له من انشقاقات داخلية لانهار، وكل المراهنات على انهيار الاتحاد الوطني فشلت، ونريد لهذا المؤتمر أن يكون محطة مهمة للانطلاق بقوة نحو المستقبل، وهذا مرهون بتبني نهج الإصلاح والتجديد.

* ما هي مصادر قوة الاتحاد الوطني الكردستاني؟

- مصادر قوة حزبنا أن له جذورا تاريخية، هناك 35 عاما من النضال، وقوتنا في كوادره الفاعلة والمبدعة والحريصة على مستقبل كردستان والعراق، وأهم مصادر قوتنا هو أن جلال طالباني يمثل رمزا مهما وتاريخيا لنا، ويتجاوز التعريفات السياسية التقليدية لأي سياسي، ووجوده ديمومة للحزب، كما أن للحزب برنامجه السياسي المتطور والحيوي، ولو أن هناك عتابا شديدا من الشارع الكردستاني على أداء وسياسة الحزب نتيجة أخطاء متراكمة في مراحل سابقة، وداء الحكم الذي يصيب كل الأحزاب التي تنتقل من مرحلة الثورة إلى مرحلة الحكم والإدارة، إلا أن هناك الكثيرين يتأملون ويعملون من أجل أن يتجاوز الحزب خلافاته الداخلية ومشاكله. إذا تمكنا من القيام بالإصلاحات المطلوبة خلال هذا المؤتمر فسيكون حزب المستقبل، كما كان حزب الإنجازات في الماضي. وأيضا من مصادر قوة وديمومة الاتحاد الحالة الديمقراطية التي يتمتع بها أعضاء الحزب الذين غالبيتهم من جيل الشباب ومن كلا الجنسين، ومن المهم قيادة هذا الحراك نحو برنامج سياسي إصلاحي قادر على تجاوز مشاكل الماضي والانطلاق منها نحو مرحلة المستقبل. إننا يجب أن نعمل على تجاوز هذه المرحلة الانتقالية رغم صعوبتها انطلاقا من رؤية أن التجديد وإعادة الهيكلة لم تعد ترفا نستطيع الاستغناء عنه اتكالا على التطبع الحزبي التقليدي، بل أصبح مطلبا لجماهير الحزب، وربما طريقا وحيدا لإعادة الثقة بيننا وبين الجماهير التي كان لها ملاحظات جدية على أدائنا، وللدفع باتجاه انطلاقة جديدة تعطي زخما لجدوى استمرارنا كحزب مشاريع مستقبلية.

* كيف تقبلوك كرئيس حكومة في أربيل، من قبل السياسيين والمواطنين؟

- لا يمكن لي سوى أن أشكر إخواني في الحكومة الذين يتواصلون معي من أجل إنجاز برنامجنا الإصلاحي، والسيد رئيس الإقليم، مسعود بارزاني، حقيقة كان ولا يزال داعما لهذا البرنامج الإصلاحي. نعم الظروف لم تكن سهلة، بدءا بتداول السلطة والظروف التي رافقت ذلك في داخل الاتحاد الوطني، لكن، والحمد لله، الأمور تجري بصورة جيدة، وأنا أتعامل مع الأمور كحكومة، وليس كحزبي، وهنا في خدمة الناس ومصالح الحزب، ويتمثل ذلك في تعزيز التعاون بين الحزبين الرئيسيين.

* كنتم قد بدأتم معركة ضد الفساد المالي، فإلى أين وصلتم في هذه المعركة؟

- الفساد آفة في هذا البلد، وعلينا ألا نبالغ في ذلك، فمحاربة الفساد لا تتم من خلال الخطب الرنانة في التلفزيون أو وسائل الإعلام للتشويش على إنجازات الحكومة الكردستانية. ومن دون أن ننفي وجود فساد في الإقليم، لكننا نتعامل مع هذا الملف بصورة قانونية، وضمن سياقات إدارية، إذ قدمنا للبرلمان الكردستاني مشروع قانون هيئة النزاهة، وسيتم توحيد ديوان الرقابة المالية في الإقليم بعد فترة قليلة، في ضوء ما تم الاتفاق عليه مع البرلمان، وصارت هناك مراجعة للعقود وآليات التعاقد الحكومي، وهناك شركة «برايس» و«وتر هاوس كوبرز» وهي شركة تدقيق مالي عالمية، تساعدنا في حملتنا ضد الفساد، وكانت هذه إحدى مبادرات الحكومة السابقة. أملي أن هذه المبادرات المؤسساتية، والتفاعل بين الحكومة والبرلمان، وتعزيز الدور الرقابي سوف يساعدنا في هذا الاتجاه.

* هناك حركة استثمار متطورة في إقليم كردستان؟

- حجم الاستثمارات المحلية والخارجية في الإقليم تجاوز الـ13 مليار دولار، ويتجسد في مشاريع الإسكان وصناعة الإسمنت في السليمانية، وكذلك في مجال الصناعات النفطية، وسننشئ منطقة تجارة حرة في زاخو، وهذا سيجعل من الإقليم بوابة للاستثمارات إلى باقي مناطق العراق. كما كانت هناك زيارة للشيخة لبنى القاسمي مع وفد كبير من رجال الأعمال الإماراتيين إلى أربيل لمناقشة فرص الاستثمار في الإقليم، وفي منتصف الشهر الحالي هناك مؤتمر كبير في لندن عن فرص الاستثمار في كردستان، وسنشارك بوفد اقتصادي كبير، ومن هذا المنبر أريد أن أدعو إخواننا العراقيين من رجال الأعمال والمستثمرين للمجيء إلى أربيل والسليمانية ودهوك، وأن ينظروا بأم أعينهم إلى فرص الاستثمار في وطنهم، فاليوم ربما هناك مناطق من العراق غير مستقرة، لكن كردستان آمنة ومستقرة، ونأمل أن نرى تجربة أربيل متجسدة في البصرة الحبيبة والأنبار وبغداد وغيرها من مدن العراق. وهنا نؤكد أن فرص الاستثمار ليست مقتصرة على السوق الكردستانية الواعدة أصلا، وإنما هو استثمار في السوق العراقية الأكبر، وفي هذا الفضاء الأرحب كسوق تجارية كبيرة.

* ما هو سر انفتاحكم على دولة الإمارات العربية المتحدة؟

- ربما أن هذا يمثل مفارقة مهمة، حيث نؤكد على ضرورة التواصل مع الدول العربية.

* هل تقارن في مفردة «مفارقة» بين علاقات بغداد والدول العربية؟

ـ أنا أقول مفارقة مهمة وحسب، وأرى أن من مصلحة كردستان انفتاح العراق على الدول العربية وتعزيز علاقاتنا مع العمق العربي للعراق، وعلى مستوى دول الجوار فإن لنا علاقات اقتصادية جيدة مع تركيا وإيران، ولكن لنا مصلحة في تعزيز علاقاتنا مع المملكة العربية السعودية والإمارات والأردن وسورية. لقد كان يُنظر إلى كردستان في السابق كعامل انشقاق وانقسام وتجزئة في المنطقة، لكننا نسعى لأن تكون كردستان جسرا مهما بين هذه الدول وشعوب المنطقة ومصالحها. هذه هي مصلحتنا؛ أن نكون انطلاقة لعلاقات أفضل بين العراق ودول وشعوب المنطقة، وأن نكون عامل تواصل وخدمة المصالح المشتركة المبنية على أساس التواصل الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، وليس أن نكون عامل تجزئة وتفرقة. ونريد أن يكون هذا الإقليم معبرا وبؤرة لخدمة مصالح عموم العراق.

* يقال إن نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة الإقليم السابق، عمل من أجل تطوير أربيل، وبرهم صالح من أجل السليمانية، ما رأيكم؟

ـ الأخ نيجيرفان بارزاني كان رئيسا لحكومة الإقليم، وأنجز شيئا مهما، ألا وهو توحيد حكومة الإقليم بعد عقد من تقسيم الإدارة، وقدم إنجازات كبيرة لإقليم كردستان، وأنا أعتز بصداقته وبما أنجزه خلال الفترة الماضية، طبعا ظروفي تختلف عن ظروف بارزاني، وحرصي على دهوك وأربيل يجب أن يكون نفسه على السليمانية وهذه حقيقة متجسدة، لكن السليمانية تعرضت في الفترة الماضية إلى مشاكل داخلية بسبب الصراع الداخلي في الاتحاد، وهذا ليس فقط موقف برهم صالح، وإنما موقف الحكومة ككل. وكما أن دهوك وأربيل بحاجة إلى دعم؛ فإن السليمانية بحاجة إلى الدعم نفسه لتجاوز إشكاليات الماضي، فأنا حريص على دهوك التي زرتها مرتين، كما أني حريص على كل مدن وقرى الإقليم.

* ستكون عندكم 11 جامعة حكومية، وهناك حشود من الشباب خريجي الجامعات الذين لا فرص عمل لهم؟

- أنا طبعا مع ترشيد التعليم العالي، وأن يتمتع الخريجون بمؤهلات علمية عالية من حيث اللغة والاختصاص، نعم عندنا في العراق أعداد كبيرة من الخريجين، لكن مستوى التعليم ليس بالمستوى المناسب. هذا جانب، في الجانب الآخر ليس لنا أن نمنع الناس من التعلم تحت ذريعة أنه ليس هناك فرص عمل لهم، المطلوب هو أن تجد فرص تعليم عالي متطور، وفي الاختصاصات التي نحتاجها وتحتاجها السوق المحلية، وإيجاد فرص عمل للخريجين، وهذه مهمة الحكومة، وتفعيل القطاع الخاص، ومعالجة مشكلة البطالة لا يعني أن نمنع الناس من التعلم، وإبقاءهم في مستويات تعليم محدودة، بل علينا أن نعمل على تأهيلهم ورفع مستواهم العلمي والمهني، وذلك من خلال المعاهد والمدارس المهنية أيضا. نعم مشكلة بطالة الشباب كبيرة، وعلينا أن نفعِّل النشاط الاقتصادي الخاص، فمثلا مشاريع الإسكان في الإقليم وفرت أكثر من 150 ألف فرصة عمل، وهناك مشاريع صناعية وزراعية وسياحية، وهذا هو الطريق لمعالجة مشكلة البطالة.

* تريدون تحويل كردستان إلى مركز للصناعات النفطية، إلى أين وصلتم في ذلك؟

ـ أنا أريد أن يكون الإقليم مركزا للصناعات البتروكيماوية وكذلك مركزا للاستثمارات في مجال الطاقة. هناك مشاريع مثل مصافي النفط التي تحققت في ظل الحكومة السابقة، فهي توفر جزءا من احتياجات الإقليم من المشتقات النفطية. وفي مجال الطاقة الكهربائية، وعلى الرغم من وجود مشاكل في هذا الجانب، فإن إنتاج الإقليم وصل إلى نتائج غير مسبوقة، ونعمل على التوسع في ذلك، ونحن بصدد مفاوضات مع شركات استثمارية كبيرة في مجالات الطاقة واليوريا.

* ما هو حجم المخزون النفطي المكتشف في الإقليم؟

- لا أريد التحدث في الأرقام، لكن المؤشرات تؤكد أن هناك مخزونا نفطيا كبيرا في الإقليم.

* هناك من يعلق قائلا؛ ماذا يريد الأكراد من كركوك إذا كان يتوفر في الإقليم كميات كبيرة من النفط؟

- هذه الملاحظة تدعم المطلب الكردستاني في كردستانية هوية كركوك؛ لأنه يثبت أن موضوع كركوك لا علاقة له بالنفط، كركوك مدينة عراقية جسدت معنى التعايش بين مكونات المجتمع العراقي، وهي أيضا تجسد معاناة الكرد في البلد، إذ حولها صدام حسين ساحة للتناحر والتطهير العرقي فما تعرض له الكرد من تهجير لا يمكن أن يكون مقبولا. لا من قبل الكرد ولا من قبل باقي المكونات العراقية. ولا يجب أن نبقي على سياسات أقدم عليها النظام الدكتاتوري الذي حاربناه طوال عقود وعانينا من سياساته التدميرية في كركوك وأربيل كما في النجف وبغداد والأنبار. وفي النهاية فإن النفط سواء كان في كويسنجق أو في كركوك أو في البصرة هو ثروة للعراقيين. يجب أن نفصل المسار الاقتصادي عن المسار السياسي في بحثنا عن حل سلمي ودستوري، ضمن المادة 140 من الدستور العراقي لمخلفات سياسات النظام في كركوك. فالعراق كله كركوك من حيث غناه في الثروة، وفي المستقبل الواعد، وحل مشكلة كركوك يفتح الطريق أمام هذا المستقبل.