«فتح الخليل» تلجأ إلى الأكاديميين والمهمشين والعشائر واللاجئين لتحقيق فوز مظفر في الانتخابات البلدية

حتى لا تتكرر هزائم 2006 ورغم غياب حماس عن الساحة

صبية فلسطينية من بلدة بيت حانون الحدودية شمال قطاع غزة تحمل علما في اطار الاحتجاجات الاسبوعية على الحصار الاسرائيلي امس (أ ب)
TT

طالما عانت مدنية الخليل جنوب الضفة الغربية من سطوة العشائر التي حلت محل السلطة الغائبة لعشرات السنين. واليوم وعشية الانتخابات البلدية المزمعة في 17 يوليو (تموز) المقبل من دون قطاع غزة، تواجه حركة فتح قوة العشائر في هذه المدينة المعروفة بعائلاتها الكبيرة والعريقة.

لقد عانت فتح طويلا من ترهل تنظيمي أفقدها القدرة على إلزام عناصرها بقرارات الحركة، وهو ما دفعت ثمنه غاليا في الانتخابات البلدية والتشريعية قبل أكثر من 4 سنوات، التي اكتسحتها حركة حماس بشكل أطاح بهيمنة فتح على السلطة التي أسستها قبل 17 عاما، وأثارت شكوكا حول مدى شعبيتها في الشارع الفلسطيني.

وتجد فتح نفسها اليوم أمام اختبار لقدرتها على ضبط عناصرها، وإلزامهم بقراراتها. وتسعى في الخليل إلى استيعاب هذه العشائر الكبيرة، بدلا من أن تقرر هذه العشائر مصير الحركة.. والبديل لذلك هو صراع مفتوح مع هذه العشائر، وهذا سيفقدها جماهير عريضة قد تنتصر للعشيرة قبل الفصيل.

وقال الدكتور أديب القيسي، عضو لجنة الإشراف على الانتخابات، لـ«الشرق الأوسط»: «لقد احتضنا العشائر.. لأول مرة يحدث هذا في الخليل.. ذهبنا وتحدثنا إلى كل الناس».

وأوضح جهاد القواسمي، أمين سر حركة فتح وسط الخليل لـ«الشرق الأوسط»: «أشركنا الجميع في المشاورات، لم نستثنِ أحدا، وسمعنا من الكل، لكن فتح هي التي قررت من سيترشح وليس أي أحد آخر». وقال القواسمي إن حركته أنهت مبكرا اختيار قائمتها لانتخابات كبرى بلديات الضفة، دون أي إشكاليات. وكان يتوقع أن تشهد الخليل إشكاليات كبيرة بسبب سطوة العائلات. وقال القيسي: «بالعكس، التحضيرات مرت مثل الذهب».

ولا تريد فتح التي بدت مطمئنة للنتائج دون مشاركة حركة حماس، أن تخرج بصورة الحركة المنقسمة على نفسها، بل أرادت رغم غياب حماس إثبات قوتها في الشارع ومدى قدرتها على ضبط عناصرها ودفعهم للالتزام بقوائم الحركة التي ستعلنها اللجنة المركزية والتصويت لها.

وتعرف فتح أن حماس هزمتها في الانتخابات التشريعية والبلدية قبل أكثر من 4 سنوات بالانضباط. وقبل يومين، قال عضو اللجنة المركزية للحركة عزام الأحمد، رئيس كتلة فتح البرلمانية، وهو أيضا مسؤول ملف الانتخابات في جنين، إن انتخابات الهيئات المحلية يجب أن تكون مناسبة لتوحيد حركة فتح من خلال الالتزام بالقرارات التنظيمية للحركة. وأضاف أن «حماس أسقطتنا سابقا بانضباط عناصرها بالشورى». ويرى الأحمد أنه يجب العمل على إعادة بناء فتح من كل الجوانب من خلال تطبيق النظام الداخلي. وشدد على أنه لن يسمح لأحد من أبناء الحركة بالخروج عن قراراتها لأن فتح بحاجة إلى أبنائها الملتزمين والوطنيين.

وشكلت حركة فتح في الخليل لجنة إشراف عليا، رأسها اللواء جبريل الرجوب، عضو اللجنة المركزية لفتح، واختارت شخصيات لها وزنها الأكاديمي والوطني، ومن بينهم مثلا رئيس جامعة الخليل، نبيل الجعبري، ورئيس جامعة القدس المفتوحة السابق ذياب عيوش، وسفير فلسطين في المملكة السعودية جمال الشوبكي، بالإضافة إلى القيسي، ويحظى هؤلاء باحترام في أوساط الجمهور الفلسطيني في الخليل. وهؤلاء جميعا شكلوا مجلسا استشاريا ضم سبعين من أصحاب الفكر والرأي، كما قال القواسمي: «جئنا بمحامين وأطباء وأكاديميين وصحافيين وإعلاميين ورجال عشائر ونساء».

وعلى مدار شهور خاضت لجنة الإشراف والمجلس الاستشاري حوارات مع مؤسسات المدينة وشخصياتها وعائلاتها من أجل الوصول إلى معايير لاعتماد مرشحين. وقالت مكرم القصرواي، عضو الاتحاد العام للمرأة وعضو المجلس الاستشاري: «وضعنا عدة معايير لاختيار المرشحين، وأهمها أن يكون منتميا إلى وطنه، وعلى درجة من الثقافة والعلم، وصاحب تجربة مؤسساتية، وله تاريخ مشرف بعيد عن الشبهات». وأضافت: «اعتمدنا أيضا المناطقية، أردنا أن تشارك كل مناطق الخليل في المجلس البلدي، واعتمدنا العشائرية».

لكن القصراوي أكدت أن المعايير هي التي طبقت أيضا على العشائر والمناطق، وقالت: «اجتمعنا مع العشائر وقلنا لهم، إذا كانوا يرون من بينهم من تنطبق عليه شروطنا فليقدموه لنا ونحن نختار من نراه الأصلح». وقدمت عشائر كبيرة فعلا مرشحيها، لكن عشائر أخرى ما زالت مختلفة في ما بينها. وعمليا اختارت فتح مرشحها لرئاسة البلدية، وقال القواسمي: «الرئيس الذي اخترناه أكاديمي عريق ووطني يحظى باحترام كبير، وطالما أهملته فتح، بصراحة، واليوم نرد له كرامته ونسترجعه». هذا التغيير في عقلية فتح في الخليل جاء بنتائج إيجابية، وقال القواسمي: «بخلاف ما توقعه كثيرون، لا خلافات هنا، وأقول لك إننا ذاهبون بخطى واثقة ومطمئنة للانتخابات».

وعملت فتح على إرضاء الجميع، حسب القواسمي الذي قال: «قسمنا المجلس إلى عدة أقسام، 3 مقاعد للمرأة و3 مقاعد لمنطقة h2 (الخاضعة لسيطرة إسرائيلية وفق بروتوكول الخليل) ومقعد للاجئين، وعدة مقاعد للعشائر».

ويمكن القول إن التقسيم الذي اعتمدته فتح في الخليل، غير مسبوق، وقد يثير تحفظات محددة، بشأن مسألة اللاجئين الذين لا يعاملون كغرباء في الضفة الغربية، وينخرطون في الحياة بشكل طبيعي، بل يشكلون أغلبية الفلسطينيين، ويعتلون أهم المناصب، ومن بنيهم مثلا رئيس السلطة. لكن القصرواي أوضحت: «نحن قلنا إنه يجب أن يمثلوا في المجلس لأن العشائر تسيطر هنا في الخليل، ودون ذلك كان لا يمكن لهم أن يصلوا إلى المجلس البلدي، بخلاف المدن الأخرى التي يختلط فيها الحابل بالنابل».

وأكد القواسمي ذلك، وقال: «مثلما راعينا البعد العشائري وتوجهنا إلى العائلات الكبيرة، راعينا أيضا جماهير ليست بسيطة من اللاجئين والعائدين».