عزلة كرزاي تقلق الأفغان والغرب

الرئيس الأفغاني يسعى لخلق شبكات علاقات جديدة وحلفاء جدد تحسبا لأي انسحاب سابق لأوانه

TT

ينظر مراقبون أفغان ومسؤولون غربيون إلى الاستقالة القسرية لاثنين من كبار المسؤولين الأمنيين في أفغانستان على أنها علامة أخرى مثيرة للقلق تجاه القرارات المتهورة بصورة كبيرة التي يتخذها الرئيس حميد كرزاي وعزلته المتعمقة بعيدا عن مؤيديه، سواء داخل أفغانستان أو خارجها.

وكان الرجلان اللذان استقالا في نهاية الأسبوع، وهما وزير الداخلية حنيف أتمار ورئيس وكالة المخابرات أمر الله صالح، لديهما علاقات قوية مع المسؤولين الأميركيين والبريطانيين، وكان يُنظر إليهما على أنهما من بين أكفأ الأعضاء في الحكومة، حسبما أفاد مسؤولون غربيون في كابل. وأضاف هؤلاء المسؤولون أن صالح، على وجه الخصوص، شيّد وكالة استخباراتية اعتمد عليها الغرب في منطقة من الصعوبة فيها الحصول على شركاء يمكن التعويل عليهم. وأدى الفصل الجاهز للرجلين إلى الشعور بأنه في محاولة كرزاي لضمان بقائه لن يتردد في اتخاذ قرارات تتعارض مع مصالح أشد الحلفاء الغربيين أو الحكومة الأفغانية ككل، ولن يتردد حتى في اتخاذ قرارات تبدو متعارضة مع مصالحه الخاصة على المدى الطويل. وقال هارون مير، المحلل السياسي والمساعد السابق لأحمد شاه مسعود، زعيم التحالف الشمالي، الذي حارب حركة طالبان عندما حكموا أفغانستان: «هذه هي بداية انهيار الحكومة الأفغانية».

وأضاف: «هذه إشارة على أن كرزاي غير واع بشأن الوضع الحالي. يريد الشعب الأفغاني حكومة يشغل فيها الأفراد المناصب بناء على الكفاءة، وبدلا من ذلك فعل النقيض. لقد عزل اثنين من أفضل المديرين في حكومته».

وبالنسبة إلى البعض، يعد الرحيل القسري لهذين الرجلين مؤشرا مقلقا لحالة الشك المتصاعدة لدى الرئيس وخوفه حتى من أقرب الأقربين.

ومما يزيد من هذه المخاوف عدم ثقة كرزاي في الأميركيين وشكه بشأن ما إذا كانوا سيدعمونه على المدى الطويل أم لا. وما عزز هذا الانطباع هو تعهد الرئيس الأميركي باراك أوباما ببدء سحب القوات في شهر يوليو (تموز) من عام 2011، وعلاقة إدارته غير الوثيقة مع الرئيس كرزاي.

وقال أحمد علي جلالي، الذي شغل منصب وزير الداخلية في أفغانستان بين عامي 2003 و2005 ويعمل الآن أستاذا في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن: «إن أصل ذلك هو الاعتقاد الذي حصل عليه الرئيس كرزاي العام الماضي من الاستقبال الفاتر من جانب الإدارة الأميركية له، وجعله ذلك يشعر بعدم الأمان». وقد تركت حالة انعدام الأمان كرزاي في حالة من الغضب وجعلته يبحث عن حلفاء جدد، حيث إنه تحول إلى إيران وعناصر من حركة طالبان، وكلاهما معادٍ للمصالح الأميركية.

وقال جلالي: «إنه يحاول خلق شبكات جديدة وحلفاء جدد واتصالات داخل البلاد وخارجها، تحسبا لأي انسحاب سابق لأوانه، لذا فالكثير من ذلك يعد أكثر من لفتة للبقاء على قيد الحياة».

ومنذ نهاية شهر مارس (آذار) الماضي انتقد الرئيس ائتلاف حلف الناتو، متهما إياه بارتكاب مخالفات في الانتخابات الرئاسية التي جرت العام الماضي، والتصرف بطرق جعلت الغربيين يبدون وكأنهم «غزاة». وقال مسؤولون غربيون إنه في حين تم التغاضي عن هذا الغضب في زيارة إلى الولايات المتحدة في شهر مايو (أيار) الماضي، فإن انعدام الثقة ظل باقيا. وفي أحد مجالس السلام القبلية، أو الجيرجا، حصل كرزاي على تأييد لخطته طويل الأمد لإطلاق سجناء طالبان. وفي يوم الأحد الماضي أصدر قرارا بإطلاق سراح الأفراد المحتجزين من دون أدلة كافية للمثول أمام المحكمة، في محاولة واضحة لإثبات حسن نواياه لأعدائه وإظهار أنه من الممكن أن يفي بما وعد. بيد أن مثل هذا التحرك مثير للجدل بصورة كبيرة، سواء داخل البلاد أو بالنسبة إلى ائتلاف الناتو، فبعض الأفراد المنتمين إلى حركة طالبان والمحتجزين في معتقلات أفغانية وأميركية ارتكبوا جرائم القتل ضد رفقاء أفغان، وبعضهم قتل جنودا من حلف الناتو. وعلى ما يبدو أنه تم إجبار أتمار وصالح على الاستقالة بسبب ثغرات أمنية أثناء مجلس السلام القبلي الذي سمح لحركة طالبان بإطلاق صواريخ في مراسم الاحتفال. وبعيدا عن ذلك، كان بين الرجلين عدد من الخلافات.

كان صالح، الذي تدير المديرية الوطنية للأمن التي يرأسها مراكز اعتقال يوجد بها عدد من المعتقلين، يعارض أي إطلاق سراح غير رسمي لمقاتلي طالبان. وفي بعض الحالات لقي رجاله حتفهم أثناء القبض على عملاء طالبان بموافقة كرزاي أو مساعديه المقربين، وذلك وفقا لأفراد مقربين من الرئاسة. يبدو كرزاي مصمما على المضي قدما على أي حال من دون الحصول على أي شيء في المقابل، من وجهة نظر ناقديه. وصعد هذا التحرك من المخاوف من أنه يريد التعلق بأي شيء في محاولته لكسب التأييد السياسي من أي جهة.

وقال رجل أعمال أفغاني يراقب الوضع السياسي عن كثب لكنه رفض ذكر اسمه لأن لديه أعمالا تجارية مع حكومة كرزاي: «إنه شيء واحد إذا كان هناك صفقة كبرى للسلام يصادق عليها البرلمان، ومن ناحية يطلق كرزاي سراح أعضاء في حركة طالبان، وتحصل أفغانستان على شيء ما من ناحية أخرى. لكن ما الذي يحصل عليه مقابل ذلك؟ لا شيء». وعلى الجانب الآخر، يبدو أن التأييد السياسي الداخلي للرئيس كرزاي ينحسر. أثناء الحملة الانتخابية حصل على تأييد زعماء الهزارة الشيعية وقادة عسكريين سابقين مثل كريم خليل وحاج محمد محقق، وكذلك القائد العسكري الأوزبكي عبد الرشيد دوستم. ومنذ ذلك الحين تحرك جميعهم بعيدا، ولم يحضر أي من دوستم أو محقق مجلس السلام القبلي. وبينما لا يحظى أي من أمراء الحرب السابقين بالقبول في أفغانستان، رأى كرزاي في السابق أنه كان من الأفضل جعلهم داخل الخيمة بدلا من خارجها. والآن هم في الخارج على أي حال، ويقولون إن كرزاي فشل في الوفاء بوعوده بمكافأة مؤيديه بمناصب قوية في الحكومة مقابل مساعدته على الفوز بالانتخابات مجددا. وبينما لا يعد ذلك خطأ كرزاي - فلقد حاول، لكن تم رفض الكثير من المرشحين لحكومته - فقد خلفه ذلك وحيدا وجعله يتصل بحركة طالبان. وقالت شكرية باراكزاي، عضو البرلمان ومؤيدة لكرزاي: «لا نعرف إلى أي وجهة تتجه حكومتنا. لكن لسوء الحظ نحن نرجع إلى الخلف، ولا نتقدم إلى الأمام».

* شارك عبد الواحد وفا في هذا التقرير.

* خدمة «نيويورك تايمز»