الملك عبد الله داعية سلام وحوار وتضامن.. إحقاق الحق هاجسه وإرساء العدل مطلبه

سادس ملوك الدولة السعودية رسم ملامح سياسته في توازن بين احتياجات الداخل ومتطلبات الخارج

TT

اختصر الملك عبد الله بن عبد العزيز نهج هذه البلاد منذ مرحلة التأسيس وحتى اليوم، عندما وضع منذ اليوم الأول لتوليه مقاليد الحكم في البلاد، أسس الأداء السياسي والاقتصادي والتعليمي والاجتماعي والفكري في بلاده التي واجهت صعوبات وتحديات كبيرة بسبب ظروف وأحداث طالت الجميع. ورسم الملك الذي تحل الذكرى الخامسة لتوليه مقاليد الحكم اليوم الأربعاء ملامح سياسته الخارجية في توازن بين احتياجات الداخل ومتطلبات الخارج، حيث استهل الملك عبد الله عهده في خطاب البيعة التاريخي بالتأكيد على أن شغله الشاغل هو إحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة. كما توجه إلى المواطنين في الخطاب طالبا منهم أن يشدوا من أزره وأن يعينوه على حمل الأمانة وألا يبخلوا عليه بالنصح والدعاء.

وترجم الملك عبد الله سادس ملوك الدولة السعودية الثالثة التوجهات والأسس التي قام عليها الكيان العظيم من خلال خطاب البيعة الذي أكد فيه على اهتمامه بجميع القضايا المعاصرة محليا وعربيا وإسلاميا وعالميا، وحمله هواجسه تجاه رسم طريق مستقبل البلاد والأمة.

وقال الملك: «إن التاريخ علمنا أن الفترات التي شهدت وحدة الأمة هي عصورها الذهبية المزدهرة، وأن فترات الفرقة والشتات كانت عهود الضعف والهوان والخضوع لسيطرة الأعداء. ومن هذا المنطلق، فإن كل جهد سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو فكريا يقرب بين أبناء الأمة هو جهد مبارك مشكور، وكل جهد يزرع بذور الفتنة والشقاق هو نكسة تعود بنا إلى الوراء».

وأطلق الملك عبد الله بعد أيام من توليه مقاليد السلطة في البلاد مبادرات لصالح الوطن والمواطنين والأمة، تمثلت في إنشاء المدينة الاقتصادية في رابغ التي حملت اسمه وتعد الأكبر في العالم في قيمتها الاستثمارية والفرص التي ستتيحها للاقتصاد الوطني. كما أطلق مدنا اقتصادية أخرى في مناطق مختلفة من البلاد باستثمارات وصلت إلى أرقام فلكية، بالإضافة إلى تبنيه قرارات تتعلق بتحسين ظروف المواطنين والمقيمين من خلال زيادة رواتب الموظفين وزيادة مخصصات المستفيدين من الضمان الاجتماعي ومخصصات المتقاعدين وخفض أسعار الوقود. كما استهل الملك عبد الله عامه الأول في الحكم بزيارات تفقدية لعدد من مناطق المملكة ليتلمس فيها احتياجات المواطنين والاستماع إلى همومهم وآمالهم، ودشن خلال هذه الزيارات مشاريع اقتصادية وصحية وإسكانية وتعليمية ستعود بالأثر الإيجابي الكبير على واقع ومستقبل البلاد.

وإذ استطاع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أن يحقق توازنا بين الداخل والخارج، فيمكن القول إن الملك عبد الله أصبح القائد المدافع عن قضايا الأمة. كما نجح بحكمته في أن يخرج علاقات بلاده والأمة العربية مع الدول الكبرى من الاختبارات الصعبة التي فرضتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) من عام 2001، كما نجح في القضاء على الفئة الضالة داخل بلاده وأطلق في عاصمته مبادرة عالمية لمكافحة الإرهاب، كما لاحق فلول تنظيم القاعدة داخل الجزيرة العربية بهدف القضاء على هذا التنظيم مع دول العالم التي هي الأخرى اكتوت بناره.

وحمل الملك عبد الله شعار «دبلوماسية التنمية»، واستطاع بحنكته وحكمته أن يجعل من هذا الشعار واقعا ملموسا لخدمة اقتصاد البلاد وتحقيق التنمية في الداخل؛ إذ استكمل في عامه الأول لتوليه مقاليد الحكم في البلاد ما بدأه منذ سنوات عندما كان وليا للعهد من خلال استثمار علاقات بلاده بالدول الأخرى في مجال تبادل المصالح الاقتصادية وعقد شراكات وتوقيع اتفاقيات اقتصادية مع الشرق والغرب. ولعل جولاته التي شملت الصين والهند وهونغ كونغ وماليزيا وباكستان قد أثمرت عن توقيع اتفاقيات اقتصادية وصلت مبالغها إلى عدة مليارات من الدولارات، كما فتحت هذه الجولات أمام قادتها وفعاليتها السياسية ملفات دولية حساسة، خاصة تلك المتعلقة بقضايا الشرق الأوسط وما يجري في أرض العراق وفلسطين. كما تحركت الدبلوماسية السعودية لاحتواء الأزمة التي تفجرت في لبنان.

وتميز الملك عبد الله بصراحته ورغبته في تعزيز العلاقات العربية - العربية، وإصلاح البيت العربي، كما عمل على محاربة الإرهاب، الذي كانت بلاده إحدى ضحاياه، وكان يدعو دائما إلى الوسطية في الدين والابتعاد عن جميع أنواع التطرف والغلو.

وحمل الملك عبد الله توجهات رائدة في ما يتعلق بالقضايا الداخلية، حيث أعلن قبل سنوات عن توجه جاد لعلاج مشكلة الفقر في بلاده، بعد زيارته المشهورة لعدد من الأحياء الفقيرة في العاصمة السعودية الرياض، وتم على أثرها تبني سياسة لمحاربة الفقر في البلاد. كما سعى إلى إطلاق الحوار الوطني الذي جمع أطياف المجتمع السعودي؛ السياسية والمذهبية، في اللقاءات المتعددة، التي أقيمت لتحقيق أهداف هذا الحوار، من خلال «مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني». كما أطلق المبادرة العربية التي تدعو إلى انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها في حرب 1967، وعودة جميع اللاجئين الفلسطينيين، والانسحاب من القدس الشرقية، مقابل السلام مع إسرائيل. كما كان الملك عبد الله جريئا في دعمه للانتفاضة الفلسطينية واستخدامه للغة مختلفة في التعبير عن دعمه لها، إبان انطلاقتها عام 2000.

وحرصت السياسة السعودية على دعم التضامن الإسلامي والعربي، وتعميق الروابط الأخوية القائمة بن الدول العربية في إطار الجامعة العربية ومؤتمرات القمة العربية، وتقوية روابط التضامن الإسلامي بين دول العالم الإسلامي وشعوبها في إطار المؤتمرات الإسلامية. ومن أجل هذا زار الملك عبد الله بن عبد العزيز البلاد العربية والإسلامية، وحضر بعض المؤتمرات، ومثل بلاده في مؤتمرات القمم العربية والخليجية، ولأن بلاده لها وزن كبير في المجتمع الدولي ومكانتها في هيئة الأمم المتحدة، ودول عدم الانحياز، ولها دور فعال في مجالات المال بين الشمال والجنوب.

وحقق خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، منجزات ضخمة وتحولات كبرى في مختلف الجوانب التعليمية والاقتصادية والزراعية والصناعية والثقافية والاجتماعية والعمرانية.

وكان للملك عبد الله بن عبد العزيز، دور بارز أسهم في إرساء دعائم العمل السياسي الخليجي والعربي والإسلامي المعاصر وصياغة تصوراته والتخطيط لمستقبله. كما تمكن بحنكته ومهارته في القيادة، من تعزيز دور المملكة في الشأن الإقليمي والعالمي سياسيا واقتصاديا وتجاريا، وصار للمملكة وجود أعمق في المحافل الدولية وفي صناعة القرار العالمي، وشكلت عنصر دفع قويا للصوت العربي والإسلامي في دوائر الحوار العالمي على اختلاف منظماته وهيئاته ومؤسساته. وحافظت المملكة على الثوابت، واستمرت على نهج الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، فصاغت نهضتها الحضارية، ووازنت بين تطورها التنموي والتمسك بقيمها الدينية والأخلاقية. وكان من أول اهتمامات الملك عبد الله بن عبد العزيز، تلمس احتياجات المواطنين ودراسة أحوالهم عن كثب، فكانت زياراته المتواصلة لعدد من مناطق ومدن ومحافظات ومراكز المملكة، حيث استقبل من قبل أبنائه المواطنين، استقبالا يفوق الوصف والتعبير، يبرز مدى ما يكنه أبناء هذا الوطن له من حب ومودة.

وفى كل مرة يزور فيها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إحدى المدن، يحرص على أن يشارك أبناءه المواطنين مناسباتهم العلمية والشعبية والرياضية، ويقضي بينهم، على الرغم من مشاغله وارتباطاته، أوقاتا طويلة يستمع فيها إلى مطالبهم ويجيب عن أسئلتهم واستفساراتهم بصدر رحب، وحكمة وروية بالغتين.

ويأتي استقبال الملك عبد الله بن عبد العزيز للعلماء والمشايخ وجموع المواطنين كل أسبوع، في مجلسه وكلماته لهم في كل مناسبة، ليضيف رافدا آخر إلى ينبوع التلاحم والعطاء في هذا البلد المعطاء.

أما استتباب الأمن في البلاد، فهو من الأمور التي أولاها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، جل اهتمامه ورعايته منذ وقت طويل، وكان تركيزه الدائم على أن الاحتكام إلى الشريعة الإسلامية من أهم المرتكزات التي يجب أن يقوم عليها البناء الأمني للمملكة العربية السعودية.

وفى إطار الأعمال الخيرية للمملكة العربية السعودية، يحرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على أن تكون المملكة سباقة في مد يد العون لنجدة أشقائها في كل القارات في أوقات الكوارث التي تلم بهم.

وفي إطار تصدي المملكة العربية السعودية لظاهرة الإرهاب، ومواجهة خطاب التطرف بخطاب الاعتدال والتسامح، رعى الملك عبد الله بن عبد العزيز وقائع افتتاح المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي نظمته المملكة العربية السعودية، ممثلة في وزارة الخارجية في مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات بمدينة الرياض خلال الفترة من 5 - 8 فبراير (شباط) 2005، وقد دعا في المؤتمر إلى إقامة مركز دولي لمكافحة الإرهاب، يكون العاملون فيه من المتخصصين في هذا المجال، والهدف من ذلك تبادل وتمرير المعلومات بشكل فوري يتفق مع سرعة الأحداث وتجنبها قبل وقوعها.

وعلى صعيد السياسة الخارجية، حرص على اتخاذ المواقف الإيجابية التي تستهدف دعم السلام العالمي ورخاء العالم أجمع، ورفاهية الإنسان في جميع أنحاء العالم، كما حرص على دعم التعاون بين الأشقاء العرب والدول الصديقة في العالم. وجاءت زياراته الكثيرة للدول العربية والإسلامية والصديقة، لتشكل رافدا آخر من روافد اتزان السياسة الخارجية للمملكة، وحرصها على السلام والأمن الدوليين. وأجرى محادثات مطولة مع القادة والمسؤولين في هذه الدول، استهدفت وحدة الأمة العربية وحل الخلافات، إضافة إلى دعم علاقات المملكة مع الدول الشقيقة. وكانت زيارات ناجحة انعكست نتائجها بشكل إيجابي على مسيرة التضامن العربي، والأمن والسلام الدوليين. كما تصدرت قضايا الاقتصاد والتعاون التنموي، موضوعات زياراته، وفتحت آفاقا جديدة ورحبة من التعاون بين المملكة وتلك الدول.

ولخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أياد بيضاء ومواقف عربية وإسلامية نبيلة، تجاه القضايا العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، حيث استمر على نهج والده الملك عبد العزيز في دعم القضية سياسيا وماديا ومعنويا، بالسعي الجاد والمتواصل لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني، في العودة إلى أرضه وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، وتبني قضية القدس ومناصرتها بكل الوسائل.

وفي هذا الإطار قدم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، تصورا للتسوية الشاملة العادلة للقضية الفلسطينية من ثمانية مبادئ، عرف باسم «مشروع الأمير عبد الله بن عبد العزيز»، قدم لمؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002، وقد لاقت هذه المقترحات قبولا عربيا ودوليا، وتبنتها تلك القمة. كما اقترح في المؤتمر العربي، الذي عقد في القاهرة في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2000، إنشاء صندوق يحمل اسم «انتفاضة القدس»، برأسمال قدرة مليارا دولار ويخصص للإنفاق على أسر الشهداء الفلسطينيين، الذين سقطوا في الانتفاضة. وإنشاء صندوق آخر يحمل اسم «صندوق الأقصى»، يخصص له 800 مليون دولار لتمويل مشاريع تحافظ على الهوية العربية والإسلامية للقدس، والحيلولة دون طمسها، وأعلن عن إسهام المملكة العربية السعودية بربع المبلغ المخصص لهذين الصندوقين.

وتبنى الملك مبادرات لإصلاح الأوضاع في فلسطين ولبنان والعراق والصومال والسودان وتشاد انطلاقا من عروبته وإسلاميته، كما نجح في رأب صدع العلاقات بين الدول أو داخل العناصر المتنازعة في الدولة الواحدة.

وسجلت الأعوام الخمسة الماضية التي تولى فيها الملك عبد الله مقاليد السلطة لبلاده امتيازات لافتة وحضورا فاعلا له على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، مما جعله أحد أبرز دعاة السلام والحوار والتضامن وتنقية الأجواء ومنحه ذلك جوائز متعددة من المنظمات العالمية والإقليمية والمحلية. ونجح الملك عبد الله في تحقيق إصلاحات شاملة على المستويات كافة، حيث واصل حمل لواء الإصلاح وسعى إلى تكريسه كمنهج في مسيرة التنمية الشاملة في بلاده وفي مسيرة العمل العربي المشترك إضافة إلى تبنيه برامج الحوار بين الحضارات والديانات مما عزز من مكانة ودور بلاده في الشأن الإقليمي والدولي؛ سياسيا واقتصاديا وفكريا وإنسانيا.

فعلى المستوى المحلي، أكد الملك عبد الله أن بلاده ماضية في تحقيق الإصلاح والسعي لتكريسه كمنهج في مسيرة التنمية.

وعلى المستوى العربي، نجح الملك عبد الله في إعادة اللحمة إلى العلاقات العربية عندما أعلن أمام القادة العرب في مؤتمر القمة الذي عقد بالكويت في 19 يناير (كانون الثاني) من عام 2009 عن تبرع بلاده بمليار دولار لإعادة إعمار غزة، وشدد على ضرورة تجاوز مرحلة الخلاف وفتح باب الأخوة العربية والوحدة لكل العرب من دون استثناء أو تحفظ، ومواجهة المستقبل ونبذ الخلافات، مؤسسا بذلك مرحلة جديدة في مسيرة العمل العربي المشترك تقوم على قيم الوضوح والمصارحة والحرص على العمل الجماعي في مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل.

وعلى المستوى الإقليمي والدولي، ضاعفت الدبلوماسية السعودية جهودها على الساحتين عبر انتهاج أسلوب الحوار والتشاور وتغليب صوت العقل والحكمة لدرء التهديدات والأخطار وتجنب الصراعات المدمرة وحل المشكلات بالطرق السلمية. كما طرح الملك مبادرات استحق معها أن يسجل اسمه الأفضلية والأسبقية فيها، ولعل أبرزها منحه «جائزة البطل العالمي لمكافحة الجوع لعام 2009م» في احتفال كبير أقيم في مدينة دافوس السويسرية بمشاركة عدد من ممثلي الدول والمنظمات الدولية والشركات الكبرى.