الجميل لـ«الشرق الأوسط»: لبنان مخطوف.. ومصيره مرتبط بالملف النووي الإيراني

شكا من وجود نظامين تربويين ونشوء مجتمعين متوازيين

TT

بين صورة والده الراحل بيار الجميل التي تعلو مكتبه في مقر حزب الكتائب اللبنانية في بيروت، وصورة ولده بيار الجميل الذي قضى اغتيالا خلال أزمة السنوات القليلة الماضية، يجلس الرئيس السابق للجمهورية أمين الجميل مثقلا بهموم الواقع اللبناني المتأزم الذي لا يرى في أفقه ما يشير إلى حلول ممكنة أو إلى ضمانات بامتداد طويل لـ«الهدنة» السياسية القائمة في لبنان الذي يصفه الجميل بأنه «مخطوف أو أسير»، والتي أنتجت حكومة لا يبدو الرئيس الجميل راضيا بالكامل عن إنتاجيتها، خصوصا في المواضيع السيادية.

في حواره مع «الشرق الأوسط» تحدث الجميل في بيروت عن مخاطر وجود «مجتمعين ونظامين يتوازيان ولا يلتقيان»، منبها إلى مخاطر استمرار الواقع الحالي في لبنان في ظل وجود فريق يمتلك قرار السلم والحرب وقرار التفاوض الدبلوماسي بعيدا عن الدولة اللبنانية التي هي «آخر من يعلم».

في العلاقات مع سورية، يبدو الجميل داعما لمسعى رئيس الحكومة سعد الحريري في حواره مع الرئيس بشار الأسد، ويرى نفسه ممثلا في هذا الحوار من خلال تمثيله في الحكومة، لكن الجميل الذي يكشف عن رغبة في علاقات جيدة مع سورية يؤكد أن زيارته دمشق «غير مطروحة حاليا». معتبرا أن هناك الكثير مما يجب معالجته في العلاقات اللبنانية السورية أبرزها المجلس الأعلى اللبناني السوري الذي أنشئ بموجب معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق الموقعة بين البلدين في التسعينيات، داعيا إلى طرح موضوع المجلس أمام محكمة العدل الدولية للبت بمصير هذا المجلس إذا كان ثمة اختلاف بين لبنان وسورية حوله. نص الحوار مع الرئيس أمين الجميل:

* كيف تنظرون إلى الواقع الإقليمي حاليا، وما هي تأثيراته على الواقع اللبناني؟

ـ الوضع في المنطقة غير طبيعي بسبب تعدد الأزمات. كنا سابقا في أزمة واحدة، هي أزمة الصراع العربي الإسرائيلي، فأصبحنا الآن في أزمات متعددة. دخل عليها البعد النووي الإيراني، والكباش الإيراني مع المجتمع النووي، ثم دخل على الأمر البعد العراقي، حيث الوضع غير مستقر، وحيث من يركز على البعد الوطني العراقي حصرا مخطئ لأن المشكلة أبعد من العراق. وما يحصل من تفجيرات في العراق هو مؤشرات واضحة. وبالإضافة إلى هذا كله هناك تفاقم الحركات الأصولية، وهذا كله يضع المنطقة «على كف عفريت». الأزمات متداخلة ومن الصعب معالجة كل أزمة على حدة، فالوضع في لبنان مثلا مرتبط بمشكلة الملف النووي الإيراني، وهذا ليس سرا في ظل الترابط بين حزب الله وإيران. من هنا القلق على مستقبل المنطقة لأن المعالجات ليست شاملة، هذا فيما لو افترضنا أن المعالجة الشاملة ممكنة.

* ماذا عن الوضع اللبناني، هل ما نشهده هنا هو مجرد هدنة لتقطيع الوقت، أم مشروع تعاون حقيقي؟

ــ أتأسف أن أقول إن لبنان بلد أسير، بلد مخطوف. السواد الأعظم من اللبنانيين لا يريد إلا السلام والاستقرار والتعايش الطبيعي بين كل فئات الشعب اللبناني. والعامل الذي يحفظ لبنان في الأيام الطبيعية هو هذا التعايش. لكن لبنان يدفع من قبل عناصر محلية لكي يصبح ساحة لصراعات أكبر وأبعد منه. لا نريد لتجارب التاريخ أن تتكرر، كما حصل عام 1958 حيث كان المد الناصري يحاول التأثير على الأوضاع في المنطقة من خلال لبنان، وكذلك العامل الفلسطيني في السبعينات الذي كان أساس تفجير الأوضاع اللبنانية. الأبعاد اللبنانية للأزمة في السبعينات كانت متواضعة جدا مقارنة مع البعد الإقليمي والفلسطيني. لذلك فإن الهدنة الموجودة عندنا مرتبطة مباشرة بالوضع العام في الشرق الأوسط، والمؤسف أن لبنان غير محصن كفاية لينأى بنفسه عن أي انفجار في المنطقة قد حصل لأي سبب من الأسباب أو في أي موقع من المواقع.

* تقول إن لبنان بلد مخطوف، فمن هو الخاطف؟

ـ بمجرد أن على أرض لبنان سلطتين، فهو مخطوف. السلطتان كل منهما تمتلك مجموعة من القرارات السيادية المستقلة. من يمتلك قرار السلم والحرب في لبنان؟ ومن لديه قرار التفاوض الدبلوماسي؟ الأمثلة على الموضوعين موجودة فيما حصل من حرب في يوليو (تموز) 2006 والحرب الداخلية في 7 مايو (أيار) 2008 تظهر من لديه قرار السلم والحرب. أما قرار التفاوض فهو يتمظهر فيما حصل من مفاوضات بين إسرائيل وحزب الله لاسترجاع الرهائن، حيث كان لبنان الرسمي آخر من يعلم في هذه المفاوضات. وعندما يكون القرار السيادي المطلق معطلا يكون البلد مخطوفا.

* أتقول إن الخاطف هو حزب الله ومن خلفه إيران؟

ـ بسبب فقدان لبنان لقرار سيادي موحد أصبح لبنان مخطوفا.

* قد تكون الأمور مختلفة هذه المرة، فإذا كان العامل المحلي في الصراع متواضعا في عام 1975، فإن الوضع مختلف هذه المرة بوجود عامل محلي قوي هو فريق لبناني داخلي، وكنت شخصيا قد تحدثت عن خوفك من تكون مجتمعين في لبنان، فهل ما زالت مخاوفك قائمة؟

ـ لا تزال قائمة. أساس الكيان والوحدة الوطنية هو التربية، وهناك الآن على الأرض نظامان مختلفان من التربية، وهذا يبني مجتمعين متوازيين لا يلتقيان. هناك تربية معينة تنمو داخل مدارس في لبنان، حتى اللباس، بدأنا نرى مظاهر مختلفة. وحتى اللغة العربية دخلت عليها لهجات جديدة.

* بنكهة إيرانية؟

ـ هناك تطورات على هذا الصعيد. إنه واقع، إذا تحدثنا عنه يتعاملون معنا وكأننا نبشر بالتفرقة، بالعكس، نحن نقول بضرورة أن نتفاهم مع بعضنا. نحن لم نستطع التفاهم على قاسم مشترك في التربية المدنية وكتاب التاريخ ولا في بعض الأمور المتعلقة بالثقافة. وإذا لم يتم ضبط هذا الموضوع بسرعة فإن الأمور تتجه إلى مكان خطير. كانوا يتهمون المسيحيين بالتركيز أكثر على الروابط مع الغرب، اليوم أصبحت الأمور في مقلب آخر.

* ألا ينذر هذا بمستقبل قاتم؟

ـ مقاربتي إيجابية، لجهة التنبيه من المخاطر ولجهة المطالبة ببرنامج الحد الأدنى من التفاهم، وهذا لمصلحة الجميع لأن من مصلحة الجميع أن نلتقي على الثوابت المشتركة وبعض المقدسات الوطنية إذا صح التعبير. هناك تنكر لتاريخ بعضنا البعض وهذا أمر خطير لا يبني وطنا ولا يحصن كيانا.

* تنكر متبادل؟

ـ قد يكون متبادلا أو لا يكون، لن أدخل الآن في التفاصيل، لكن هذا أمر واقع موجود. وأنا لا أتجنى على أحد. فلغاية الآن كتاب التاريخ اللبناني غامض وكذلك كتاب التربية المدنية. هناك هرطقات تحصل وإذا لم نتفاهم بداية على الأمور التربوية فعلام سنتفاهم؟

* إذا كان قرار السلم والحرب استراتيجيا ليس في يد الدولة، فهل من العبث التحاور حول الاستراتيجية الدفاعية؟

ـ مقاربتنا للسياسة الدفاعية هي مقاربة سياسية. فلنتفاهم أولا على الكيان اللبناني، وعلى كيفية التعاون فيما بيننا، وعلى ضوء ذلك نطل على الخارج وننسج علاقات وتحالفات وروابط مع الغير. ما يحصل في الوقت الحاضر، هو كما حصل في الماضي عندما أقيمت العلاقات مع منظمة التحرير على حساب الوحدة الوطنية، انقسمنا وطنيا على موضوع أساسي يتعلق بأمن البلد واستقراره. وكذلك الأمر اليوم حيث نختلف على علاقة لبنان مع بعض الجوار. من المفترض أن نتفاهم داخليا حول دور لبنان ورسالته، وعلى ضوء ذلك ننسج العلاقات مع الغير، وهذا لمصلحة الجميع. فلندع المسيحيين جانبا، هل نستطيع أن نقول بوجود تفاهم إسلامي – إسلامي حول العلاقات الخارجية؟ لا أعتقد.

* ستكون حاضرا في اجتماعات الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية في الجلسة المقبلة؟

ـ نعم.

* لا مشاريع سفر لديك؟

ـ كنت واضحا منذ البداية، إذ طالبت بأنه من المطلوب قبل الدخول في الاستراتيجية الدفاعية التي هي موضوع تطبيقي، بأن نذهب إلى الجوهر للتفاهم على كلمتي الولاء والسيادة. فبعد التفاهم على هاتين الكلمتين يصبح من السهل الوصول إلى استراتيجية دفاعية، إنما لسوء الحظ، فهناك اختلاف حول موضوع (القاعدة العسكرية الفلسطينية) في منطقة قوسايا (البقاع اللبناني) حيث اعتبر البعض أنها خرق للسيادة الوطنية، بينما يعتبرها البعض الآخر غير ذلك. كيف يمكن أن نفكر باستراتيجية دفاعية إذا لم يكن هناك نظرة واحدة إلى مبدأ السيادة ومبدأ الولاء.

* تم الاتفاق في الحوار على عدة مواضيع بينها السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، فلماذا لم يتم التنفيذ؟

ـ كان من المفترض أن تقوم هذه الحكومة، حكومة الوحدة الوطنية المتضامنة، بتطبيق هذا الأمر، لكن شيئا لم يحصل. ما دام أنه لا يوجد صدق في مقاربة موضوعي السيادة والولاء، فمن الصعب أن نصل إلى تفاهم في موضوع الاستراتيجية الدفاعية. طرحت هذا الأمر منذ اليوم الأول لانطلاق الحوار، وكان ثمة من سمع، وثمة من ادعى أنه لم يسمع. إذا اتبعنا سياسة النعامة ولم نواجه الأمر فعبثا نحاول.

* لماذا لم يتم تفعيل هذه القرارات في الحكومة؟

ـ لأن هناك فريقا في الحكومة يعتبر أنه من السابق لأوانه أن نتفاهم على هذه المصطلحات، فهو يعتبر أنه مرتاح. فله سيادة مستقلة عن الدولة، ولديه قرار مستقل في القضايا السيادية ومساحة ذاتية يبسط عليها سيادته الذاتية. البعض يتعامل على طريقة «ما لي فهو لي وما هو لك، فهو لك ولي» هناك إدارة موازية كشبكة الهاتف المستقلة (شبكة حزب الله) وهناك شبكة الدولة، فشبكة الدولة له ولغيره وشبكته الخاصة له، ولا يمكن لأحد أن يتعاطى فيها أو أن يسأل إلى أين تصل وإلى أي الدول تمتد، وكيفية توظيف هذه الشبكة تجاريا أو غير ذلك فلا يوجد حق المراقبة.

* الحزب يقول إن شبكته هي لأمنه الخاص لا شبكة تجارية! ـ من يضمن ذلك؟ من سمح لمن بمراقبة من. ما هي صلاحيات من يقوم بالمراقبة على المواطنين؟ هناك دولتان، وزارتان للهاتف إحداهما لا علاقة لنا بها.

* كيف علاقتك مع الرئيس سعد الحريري، وكيف تنظر إلى حركته باتجاه سورية؟

ـ علاقاتنا ممتازة معه، نحن من فريق واحد وله منا كل الدعم، حتى بزياراته إلى الشام (دمشق).

* لماذا الانطباع بأن مسيحيي الأكثرية هم خارج التفاهم الإقليمي الذي جعل الرئيس الحريري يذهب إلى دمشق؟

ـ نحن ندعم تحرك الرئيس الحريري. كانت لدينا مطالب مهمة في هذا الإطار تحقق قسم منها، بالتبادل الدبلوماسي وفتح السفارتين وانسحاب الجيش السوري، بالإضافة إلى قيام اتصالات بين الحكومتين لمعالجة الأمور العالقة. نحن ننظر إلى الأمور بطريقة إيجابية وبشكل بناء. لكن هناك قضايا أخرى لا تزال عالقة علينا أن نتعاطى معها ونجد لها الحلول.

* كمثل ماذا؟

ـ المجلس الأعلى (اللبناني السوري). أنا أرى أنه إذا كان هناك اختلاف بيننا وبين سورية حول المجلس الأعلى أن لا مانع من رفع الأمر إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي. أنا أتكلم بموضوعية، فهناك بنود في الاتفاقية التي أقيم المجلس على أساسها تتناقض مع المبادئ العامة للقانون الدستوري.

* علاقتكم مع سورية مقطوعة؟

ـ ليست مقطوعة. نحن – وبكل صراحة – نحب أن تكون هناك علاقات طيبة مع سورية. منذ زمن والدي، كان لدينا الكثير من الأمور التاريخية، لكننا أبقينا الأبواب مفتوحة بيننا والحوار كان مستمرا، وبقي الحوار مفتوحا مع سورية حتى آخر لحظة من ولايتي، واستمر بعدها بيني وبين الرئيس الأسد. أنا لا أعرف الرئيس بشار الأسد، لكن علاقتي بوالده كانت مستمرة، ونحن يهمنا أن تعالج الأمور الخلافية مع سورية، ولذلك ندعم تحرك الرئيس الحريري والحوار القائم بينه وبين الرئيس الأسد ومع الحكومة السورية ويهمنا أن نجد الحلول. ونحن في هذه المرحلة بالذات ننظر إلى علاقاتنا مع سورية من خلال العمل الذي تقوم به الحكومة لأننا جزء منها ولدينا وزير فيها.

* لا زيارة قريبة إلى دمشق؟

ـ الزيارة غير مطروحة.

* لم توجه إليكم الدعوة؟

ـ لا كلام عن زيارة إلى سورية في الوقت الحاضر.

* كيف هي العلاقة مع النائب وليد جنبلاط؟

ـ العلاقة الشخصية ممتازة، وهناك صداقة نمت بيننا، وهناك علاقات عائلية، لكن هذا لا يمنع أنه على الصعيد السياسي لم يتبلور موقف وليد بك بشكل نهائي لإجراء تقييم. فهو بعد أن خرج من 14 آذار بهذه الطريقة الدراماتيكية لم يثبت على مواقف معينة، ولا يزال في مرحلة انتقالية، فهو من جهة يريد علاقة طيبة جدا مع رئيس الحكومة، وفي الوقت نفسه يفتح خطوطا أخرى ونحس بأن فريق 14 آذار لم يعد «يملأ عينه».

* ماذا عن موقع الكتائب في 14 آذار بعد تجميد حضورها في الأمانة العامة؟

ـ نحن 14 آذار قبل أن تكون 14 آذار. نحن في صلب هذه الحركة ولم نأت إليها، بل هي أتت إلى الكتائب. منذ عام 1943 خضنا معركة السيادة والاستقلال ضد الفرنسيين وبقينا ندافع عن السيادة والاستقلال بمفهومهما الطبيعي ولا نزال على خطنا، عليك أن تسأل «أين هي 14 آذار» الآن؟ وأن تسأل أركان 14 آذار أين هم. ما حصل خلال انتخاب نقيب الأطباء كان فضيحة على صعيد التنسيق والتضامن في 14 آذار.

* تقصد موقف القوات اللبنانية بالتصويت لمرشح العماد عون؟

ـ نحن قوة فاعلة في النقابة وقد عملنا بإخلاص كامل، فلماذا حصل ما حصل؟