إيران تحمي نفسها من الضغوط ببناء شبكة من التحالفات

طهران تتحرك بطريقة من شأنها تغيير قواعد اللعبة وزيادة اكتفائها الذاتي في المجال الاقتصادي

TT

كانت إيران قبل عام في طريقها لأن تصبح دولة منبوذة، واتهمت عشرات الحكومات القادة الإيرانيين بسرقة الانتخابات الإيرانية، وأدانوا الحملة الوحشية على المتظاهرين التي تلت الانتخابات، وواجهت الدولة عقوبات وازدراء دوليا بشأن برنامجها النووي المثير للجدل.

والآن، وفي الوقت الذي يستعد فيه مجلس الأمن الدولي لفرض جولة رابعة من العقوبات على إيران، تُظهِر طهران حدا كبيرا من المرونة؛ حيث إنها عزلت بعضا من أهم صناعاتها عن القيود المالية التي تؤيدها الولايات المتحدة، وبدأت بناء شبكة دبلوماسية قوية من شأنها أن تساعدها على مواجهة بعض الضغوط من جانب الغرب.

ويلتقي قادة إيرانيون مع سياسيين في عواصم عالمية مثل طوكيو وبروكسل. ويوقع هؤلاء القادة كذلك صفقات في مجال الطاقة من شأنها أن تغير قواعد اللعبة، مما يزيد من اكتفائهم الذاتي في المجال الاقتصادي، بل يكسبهم مقاعد في الهيئات الدولية.

ويقول محللون إن قدرة إيران على الإبحار في مثل هذا المسار الدبلوماسي المحفوف بالمخاطر يعكس ذكاء إيران وإخفاقات الولايات المتحدة، في الوقت الذي يحاول فيه لاعبون دوليون، يتوقع لهم النجاح، تحدي التفوق الأميركي، وينظرون إلى إيران باعتبارها أداة مفيدة.

وقال كاظم جلالي، عضو بارز في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني: «إننا فخورون للغاية بدبلوماسيتنا، على الرغم من أننا نستفيد في المقام الأول من الأخطاء التي ترتكبها الولايات المتحدة وحلفاؤها. إننا نستخدم جميع مواردنا لاستغلال نقاط الضعف تلك».

وتواجه الحملة الأميركية لفرض عقوبات على إيران رياحا معاكسة قوية في مجلس الأمن، الذي من المحتمل أن ينقسم بشأن موقفه تجاه إيران للمرة الأولى خلال الأعوام الأربعة الماضية. ويقول دبلوماسيون أميركيون وأوروبيون إن التصويت إجراء أكيد في مجلس الأمن، المؤلف من 15 دولة. بيد أنهم يعتقدون أن البرازيل ولبنان وتركيا ستمتنع عن التصويت أو ستصوت ضد القرار.

ومن شأن هذا القرار تعزيز مجموعة من العقوبات في المجالات الاقتصادية والعسكرية ومجال التكنولوجيا العالية ضد إيران، ويستهدف أكثر من 40 شركة وشخصية إيرانية مرتبطة بالبرنامج النووي في البلاد، عن طريق فرض حظر على السفر وتجميد الأصول. وكانت إيران قد رفضت مرارا وتكرارا مطالبات بإيقاف برنامجها لتخصيب اليورانيوم، ويقول القادة الإيرانيون إن جهودهم سلمية تماما، لكن الولايات المتحدة وغيرها من الدول تقول إن إيران في طريقها لتصنيع قنبلة نووية.

ووصفت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري رودهام كلينتون قرار الأمم المتحدة بأنه «أهم عقوبات واجهتها إيران على الإطلاق».

لكن في دليل آخر على الطبيعة الهشة للتحالف الذي تقوده واشنطن ضد إيران، اجتمع قادة روسيا وتركيا وإيران في قمة أمنية إقليمية يوم الثلاثاء الماضي لتأكيد إعادة تنظيم القوة العسكرية في المنطقة. وقال رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، الذي يؤيد عقوبات الأمم المتحدة، إن هذه الإجراءات لا ينبغي أن تكون «مفرطة» ولا ينبغي أن تفرض صعوبة غير ضرورية على القيادة الإيرانية أو الشعب الإيراني.

وجرى تخفيف الإجراءات الجديدة التي تؤيدها الولايات المتحدة إلى حد بعيد، لدرجة أنه من المحتمل تجنيب القطاع النفطي الحيوي في طهران هذه العقوبات، ولن يتم المساس بالتعاملات التجارية لروسيا والصين مع إيران إلى حد كبير.

وفي خطوة لافتة للنظر على نحو خاص، تم انتخاب إيران عضوا في لجنة وضع المرأة بالأمم المتحدة في شهر مايو (أيار) الماضي، قبل أسابيع من إطلاق حملة قوية للقبض على النساء اللاتي ترتدين ملابس «غير محتشمة» في شوارع طهران.

وفي مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي في نيويورك، الذي استمر لمدة شهر، وأيضا في شهر مايو (أيار)، اعترض دبلوماسيون إيرانيون، متحالفون مع دول نامية أخرى، على محاولات أميركية لتغيير المعاهدة. وسافر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى الولايات المتحدة لإلقاء خطاب في المؤتمر، طالب فيه قوى العالم بتدمير أسلحتها النووية. وشكك البعض في الصعود الدبلوماسي لإيران، وقالوا إن طهران أخطأت بشدة في معالجتها للأزمة النووية، حيث خسرت تأييد الصين وروسيا.

وقال كريم سجادبور، الخبير في الشؤون الإيرانية بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: «ستواصل القوى الصاعدة والعظمى مثل الصين وروسيا والبرازيل مغازلة طهران، لكن عندما يحين وقت الأزمة، فهي تعرف أن تلك قضية جوهرية بالنسبة إلى الولايات المتحدة. ولن تخاطر هذه بالدول بأهم علاقات لديها من أجل إرضاء الإيرانيين».

ويشير مسؤولون بالأمم المتحدة ومراقبون من الخارج إلى أن العقوبات القائمة صعدت من الضغوط على إيران، وقادت إلى عمليات استيلاء متكررة على السفن التي تبين أنها تمد إيران بالمواد والأسلحة المحظورة. وسيتعين على إيران الآن الاستعداد لمجموعة من العقوبات المالية والمصرفية من شأنها أن تقود إلى تعقيد جهودها الرامية إلى القيام بأعمال تجارية والحصول على التكنولوجيا النووية. ومن الممكن أن يتلو ذلك عقوبات أميركية وأوروبية.

وقال ديفيد أولبرايت، رئيس معهد العلوم والأمن الدولي: «المواد التي حصلوا عليها بسهولة قبل خمسة أو ستة أعوام، يكافحون الآن من أجل الحصول عليها». وأضاف أنه في حين أن هذه العقوبات لا تشل إيران، إلا أنها من المحتمل أن تؤخر اليوم الذي ستعلن فيه إيران أنها قوة نووية.

ومع ذلك، من الواضح أن شكاوى إيران من الولايات المتحدة كان لها صدى مع جمهور أوسع نطاقا، خاصة بين مجموعة من القوى الاقتصادية الصاعدة، بما فيها البرازيل وتركيا والهند، التي خرجت من الكساد العالمي بقوة اقتصادية أكبر وتطالب بنفوذ أكبر على الساحة العالمية. وترى هذه القوى أن مجلس الأمن يعكس هيكل السلطة لحقبة ماضية.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»