الفقر أبرز سمات القاطنين في محيط أغنى مكامن النفط في العراق

مستشار وزارة النفط: أطفال حفاة وشبه عراة يأكلون خبز الشعير بجوار بئر نفط

TT

اشتهرت قرى محافظات جنوب العراق بالفقر منذ عقود طويلة لإهمال الدولة للقطاع الزراعي، وتخلف أساليب الري وانحسار الموارد المائية. ومن المفارقات أن أفقر تلك القرى التي يعيش سكانها على الكفاف، هي تلك القاطنة بجوار أكبر مكامن النفط والغاز التي تمثل مصدر خزائن ثروات العراق المالية. صفرة وجوه الأطفال الحفاة بملابسهم الرثة المهلهلة التي لعقت نضارتها تداعيات البؤس والفاقة والحرمات هي من السمات البارزة للقرى القاطنة على مقربة من حقول «غرب القرنة» و«مجنون» في البصرة والحلفاية بالعمارة و«الغراف» و«الرفاعي» في الناصرية، التي تعد من أكثر الحقول النفطية شهرة لما تمتاز به من إنتاج نفطي متصاعد ومحزون احتياطي هائل. وقال جبار علي اللعيبي المستشار في وزارة النفط، في وصف سكان القرى القريبة من حقلي «مجنون» و«غرب القرنة»: «هناك أكواخ من صفائح معدنية صدئة وقديمة جدا مسقفة بصفائح أخرى ممزقه أصلا، في داخلها مجموعات من الناس قد يبلغ عددهم في بعضها العشرة أشخاص أو أكثر، تحيط بهم صحراء قاحلة ورمال تلتهب من شدة حرارة الشمس الحارقة التي تتجاوز الـ50 درجة مئوية، كانت وجوههم محترقة فعلا.. تنتشر حول بيوتهم هذه حيواناتهم (أغنام وأبقار) هي الأخرى لا تجد قوتها وسط الصحراء الملتهبة.. هذه الأدغال احترقت أيضا، وكانت عيني قد لمحت في أحد أركان الخرابة تلك خزان أمتعة قديما باليا فيه قليل من ماء ملوث وراكد كان يستخدم لكل الأغراض؛ فهو للشرب ولطهي الطعام وسقيا الحيوانات كذلك». ويشير اللعيبي في مذكراته التي جمعها في كتاب صدر مؤخرا بعنوان «الوقوف في العاصفة» بعد أن أمضي ما يقرب من 40 عاما بين حقول نفط الجنوب، إلى «وجوه ثلاثة أطفال في قرية قرب مدينة الناصرية كانوا حفاة وشبه عراة يأكلون خبز الشعير بجوار بئر النفط هناك؛ إذ كانوا يتدفئون مع مجموعة من الأهالي على موقد من النار، يلبسون ثيابا بائسة هي عبارة عن دشداشة بالية لا غير. اثنان منهم تمزقت ملابسهم بشكل لا يصدق فهي لا تغطي سيقانهم، أما مشهد أرجلهم فقد فاق كل تصور؛ إذ كانت أرجلهم متقرحة بعد أن أصابهم (المشك) الناجم عن التعرض للبرد من دون توفر مياه للغسل، حتى خيوط الدم تنساب منها في مشهد لا يستفز المشاعر فحسب، بل يصرخ في وجه الإنسانية كلها». ويرى الشيخ صباح محسن عرمش رئيس عشائر بني مالك، أن «أوضاع القرى القريبة من حقول النفط لم تتغير منذ اكتشافه في الخمسينات من القرن الماضي وإلى الآن، حيث كانت الشركات الأجنبية المستغلة للنفط تعيش في كرافانات مكيفة ومزودة بكل متطلبات الرفاهية إلى جوار بؤس القرى الفلاحية التي بقيت على حالها على الرغم من رحيل الشركات بعد قرار التأميم عام 1972 واستثمار الحقول من قبل شركة نفط الجنوب». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن متطلبات سكان هذه القرى «بسيطة لا تتعدى توفير مكان مناسب لسكنها وتعيين عدد من العاطلين فيها على اعتبار أن (الأقربون أولى بالمعروف)».

ورسم قاسم عنبر (فلاح من قرية الشرش) صورة بائسة لأهالي القرى القريبة من الحقول النفطية وهم يتكالبون على مكبات النفايات التي ترمى خارج مقرات حقول النفط، وقال: «إذا كان النظام السابق قد أحرق واردات النفط بالحروب وشراء الأسلحة، فأين هي الآن بعد مرور سبعة أعوام من التغيير الذي تزامن مع ارتفاع هائل في أسعار النفط؟».